فرنسا تستجدي الرئيس تبون وماكرون نادم على حماقاته التي تفوّه بها

بعد أن اتّضح جليا غياب رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون عن قمة باريس التي دعا إليها الرئيس ماكرون جميع الدول الفاعلة في الساحة الليبية، أدرك الرئيس الفرنسي متأخرا وبعد أن فات الأوان أنه ارتكب جرما لا يغتفر.

ما قام به ما كرون حين صرح به في لقاء له مع مجموعة من أحفاد الحركى الخونة، كان يظنه شيئا هينا، يمكن قوله من أجل ربح بعض أصوات تلك الشريحة في رئاسيات أفريل 2022 التي يلهث وراءها كالمسعور، غير أن سكرة أمانيه وأحلامه أذهلته عن حقيقة ما تفوّه به، فلم يدرِ ما قال إلا بعد أن ذهبت آثار ثمالته، وحين تذهب السّكرة تحضر الفكرة، مثلما يقولون.

ماكرون الماكر، حينما بدت حاجته الملّحة للجزائر من جهات عدة، اقتصادية وإقليمية وحتى داخلية ترتبط بمصير اللغة والثقافة الفرنسية في الجزائر، كان الوقت قد فات، بعد أن قرر الرئيس تبون استدعاء سفير الجزائر لدى باريس ومنع الطائرات العسكرية الفرنسية من التحليق في الأجواء الجزائرية، وشرعت بعض الدوائر الوزارية في اعتماد استخدام اللغة العربية بشكل حصري في مقابل منع استعمال الفرنسية، لتبدأ بذلك مرحلة من القطيعة غير المعلنة فرضتها الجزائر بإرادتها الكاملة ولأول مرة منذ استقلالها، توّجها الرئيس تبون بقراره عدم حضور مؤتمر باريس، حيث برّر وزير الخارجية رمطان لعمامرة ذلك بكون ” الظروف غير مناسبة لحضوره الشخصي”، في تلميح واضح لعدم قيام الجانب الفرنسي بما يجب فعله حتى الآن من أجل تجاوز الأزمة العميقة.

ويبدو أن ثمن عودة المياه إلى مجاريها بين الجزائر وباريس سيكون باهظا جدا، ولا يقل عن إعادة فرنسا الرسمية للشعب الجزائر اعتباره والاعتراف بمكانته ومقامه، ولن يكون ذلك بمجرد تصريحا في الاتجاه العكسي، من قبيل تلك التي أطلقها ماكرون من باب المجاملة التي لم تخفَ على السلطات الجزائرية، حينما قال أنه يحترم “الأمة الجزائرية وتاريخها وسيادة الجزائر” ويريد “للعلاقات الثنائية أن تتطور لصالح الشعبين”، لم يشفع له هذا الكلام عندها ولا عند الشعب الجزائري الذي لن يرضى بغير دفع الثمن كاملا.

إن ثمن عودة العلاقات الجزائرية الفرنسية سوف لن يقل بأي حال عما هتف به الشعب الجزائري، وتداوله نشطاء وصفحات في مواقع التواصل الاجتماعي، وسيكون أوله الاعتذار الرسمي عن جرائم الاستعمار وبحقوق الجزائريين، ولن تكون نهايته التعويض المادي والمعنوي عما اقترفته الإدارة الاستعمارية من سلخ للهوية ونهب للثروات وتدمير للإنسان الجزائري، حيث سيكون قائما على علاقات واضحة تحترم فيها فرنسا الجزائر وشعبها احتراما حقيقيا ولا تتدخل في شؤونها الداخلية، ولا تكون أراضيها منطلقا للمؤامرات والدسائس التي يحيكها بعض الخونة ممن عقّوا بلادهم وألقوا بأنفسهم في حضن مستعمر الأمس، بل يجب مع ذلك تسليمهم للدولة الجزائرية كعربون عن صدق نية استئناف علاقات جادة وندّية.

على فرنسا أن تعي جيدا أن الجزائر تغيرت كثيرا منذ الحراك الشعبي المبارك الذي أسقط المنظومة السياسية التي كانت تابعة لها، وخلق نظاما جديدا أرسى لدولة جزائرية جديدة، تنتهج دبلوماسية تقوم على الندية وتقطع كل حبل يجرها إلى باريس ويجعلها تابعة لمستعمر الأمس، انتهت تلك الممارسات البالية يا ماكرون.

 

أحمد عاشور