الأربعاء 16 جويلية 2025

في الذكرى 45 لإنتصار الثورة الإسلامية في إيران… الثورة الجزائرية المجيدة مصدر إلهام

نُشر في:
بقلم: دزاير توب
في الذكرى 45 لإنتصار الثورة الإسلامية في إيران… الثورة الجزائرية المجيدة مصدر إلهام

يزور وفد جزائري يضم مدراء بعض الوسائط الإعلامية الجزائرية، منهم المدير العام ومالك القناة الإلكترونية “دزاير تيوب”، السيد معمر قاني، الجمهورية الإسلامية الإيرانية بهدف تعزيز علاقات التعاون مع مختلف المؤسسات الإعلامية الإيرانية، والتعرف على إنجازات الثورة الإسلامية في كل المجالات، خاصة وأن هذه الزيارة تتزامن مع الذكرى 45 لإنتصارها.

وقد رحّب الجانب الإيراني بالوفد الضيف، مبينا أهمية هذه الزيارات في تعزيز أواصر التعاون بين الصحفيين في البلدين الشقيقين خاصة مع الإنفتاح الإعلامي الذي يشهده العالم.

وخلال الزيارات المتنوعة التي شملت مجموعة من المؤسسات الإعلامية والثقافية، تم الاتفاق بين الجانبين على ضرورة الإنتقال إلى خطوات عملية تشمل التدريب وتبادل الخبرات. ومن جهته، أعرب الوفد الجزائري عن سعادته بزيارة إيران، مبينا أن هدف الزيارة هو استكشاف السبل التي يُمكن البناء عليها للوصول إلى اتفاقيات متصلة بالتعاون الإعلامي، مبنية على إرث العلاقات الوطيدة بين البلدين.

وأُستقبل الوفد الجزائري من قبل وزير الثقافة والإرشاد سابقا ومدير جريدة “إطلاعات”، السيد عباس صالحی، والذي قال بأن الثورة الجزائرية المباركة شكّلت إلهاما للشعب الإيراني لقيادة ثورته، مشيرا إلى العديد من الأعمال التي نُشرت في إيران حول هذه الثورة المجيدة والخالدة.

وللإشارة، فقد صقلت العلاقة المميزة بين البلدين الشقيقين عقودا من التعاون والتآزر بين قيادتي البلدين، إذ يعد الإيرانيون من الأحرار الذين دعموا نضال الشعب الجزائري وثورته منذ بداياتها، ووقفوا بكل ثقلهم إلى جانب الجزائر، بما يدل على عمق العلاقة الوطيدة والأخوة العميقة والثقة المتبادلة التي تجمع البلدين.

فالشعب الإيراني، وعلى غرار كل شعوب العالم التواقة إلى الحرية والعدالة والسلام، دعم شقيقه الجزائري الباسل والصامد، وشاركه الاحتفال بإنتصار هذه الثورة الملهمة والمتميزة في تاريخ البشرية جمعاء، لما تكتنزه من معانٍ ودلالات عميقة، وما تُمثله من قيم ومثل ومبادئ، وما تُجسده من انعتاق وخلاص من براثن العهد الاستعماري البائد، فاستقلال الجزائر هو نصر مؤزر، أحرزه الشعب الجزائري البطل في خضم ثورة الأول من نوفمبر المظفرة المجيدة، ولكنه في الوقت نفسه انتصار لكل المناضلين من أجل الحرية، والمكافحين من أجل التخلص من قيود العبودية والتبعية والاضطهاد في كل أرجاء المعمورة.

ولا يمكن لنا إلا أن نستحضر اليوم، بتقدير وامتنان وفخر واعتزاز، الدور المحوري الذي لعبته حرب التحرير الجزائرية، وانتصارها الساحق في فتح المجال واسعاً أمام سلسلة تحرر مختلف البلدان والشعوب في قارات العالم؛ فتلك الحرب البطولية التي خاضها الشعب الجزائري بشجاعة منقطعة النظير واستعداد لا محدود للتضحية والعطاء، غدت نبراساً لكل الشعوب المضطهدة والمكافحة.

ومن جهته، ساهم الشعب الإيراني بكافة قواه وفصائله في ميلاد ثورة مباركة، لم تتخلّف أيّة مدينة فيها عن تقديم قوافل من الشهداء، فقد جابهت الثورة الإسلامية أشرس طاغية في المنطقة، متحدية كل وسائله القمعية، قدَّم فيها الشعب الإيراني عشرات الآلاف من الشهداء.

شكلت هذه الثورة حركة حضارية ونهضة ثقافية بامتياز بالرغم من محاولات العزل والتحجيم والحصار التي استهدفتها منذ اندلاعها. فعلى الرغم من الحرب الاقتصادية المفروضة عليها من قبل القوى الكبرى والحرب العسكرية التي استنزفت قدراتها لأكثر من ثماني سنوات، سطع نجم هذه الأمة الأبية الرافضة للخنوع.

كانت الثورة منذ انطلاقتها المباركة على عداء مع المشروع الأميركي في الهیمنة على مقدرات الدول الإسلامية وتقسيمها إلى فرق وجماعات يسهل افتراسها، فعملت على إحباط جميع المؤامرات والمخططات ودعت العالم الإسلامي لذلك، فصانت بذلك مبادئها التي قامت عليها. فمنذ بزوغها في ستينيات القرن الماضي بعد خطاب ناري لسماحة الإمام الخمینی (1902-1989م)، هاجم فیه نظام الشاه بسبب منحه حق الحصانة القضائية للمستشارين الأمريكيين في إيران، تمكنت هذه الثورة من تجسيد واقع متفرد، معلنة ولادة أمة أبية قادرة على مواجهة كل المؤامرات، فبزغت بذلك دولة علمية راسية بفضل عقول علماء من الطراز الأول بشهادة القاصي والداني، خرقت تبعية السوق والسلاح، لتستحق عن جدارة موقعها وتقدمها.

باركت الجزائر هذه الثورة إنطلاقا من موروثها وعقيدتها الثورية، فتولدت بذلك علاقة متينة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، مرتكزة على مبادئهما المعادية للهيمنة والإستبداد، فمرجعيتهما السيادية وحرصهما على الوحدة وقفا ولا يزالان سدا منيعا بوجه الإملاءات الغربية، واليوم، نرى توافقا كبيرا بين طهران والجزائر تجاه الكثير من الأحداث الدولية، وتطابقا في قضايا أخرى، كالملف السوري، وحزب الله وحماس، والملف النووي الإيراني، ورفض التطبيع مع الكيان الصهيوني، ودعم المقاومة الفلسطينية، ويرجع ذلك لمنهجهما الثابت والرافض للهيمنة والإستبداد، ورفض اللعبة الدبلوماسية التي يمليها الغرب.

والحديث عن نهج البلدين الشقيقين في مقارعة الإستبداد يجرنا إلى الحديث عن دعم الإيرانيين ونهلهم من الثورة الجزائرية المجيدة، فبعد انتصار ثورة الجزائر، عمت الإحتفالات في مساجد إيران، كمسجد هدايات تحت إمامة السيد محمود طالقاني، والذي كان آنذاك الرجل الثاني بعد الإمام الخميني رحمهما الله، حيث عمت الهتافات ك “الجزائر بيروز” أي “الجزائر تنتصر”. وتخليدا لهذا الإنتصار، أُلفت العديد من القصائد من قبل الشعراء الإيرانيين، كما وتُرجم فيلم “معركة الجزائر” إلى اللغة الفارسية، ودأبت إيران على عرضه كل سنة بالتزامن مع ذكرى إندلاع ثورة الفاتح من نوفمبر.

وقبل إنتصارها، كما يروي المستشار الثقافي السابق، السيد جلال ميراقائي، حظيت هذه الثورة المجيدة ضد المستعمر الفرنسي بدعم من قبل أبناء الشعب الإيراني، كالمفكر الإيراني الكبير الدكتور علي شريعتي، حيث حمل لواء مناهضة الاستعمار الفرنسي وهو في قلب فرنسا، واصطف إلى جانب ثورة الشعب الجزائري، ودافع عنه وسُجن بسبب ذلك، وموقفه كان مدعوما بموقف شعبي في إيران يناصر هذه الثورة.

لم يخف شريعتي تعاطفه مع نضال الشعب الجزائري وجبهة التحرير الوطني، حيث كان على إتصال دائم مع أعضائها، بعد أن تعرف على أحدهم بمحض الصدفة في صالون لتصفيف الشعر. قام مصفف الشعر، وهو عضو في جبهة التحرير الوطني، بضمه إلى شبكة الجبهة بباريس، والتي استخدمت فيما بعد غرفته للتنسيق حتى تختفي عن الأنظار الفرنسية، كما كان السيد علي على اتصال وثيق ودائم بالمناضلين الجزائريين والأجانب الذين تعاطفوا مع الثورة أمثال الطبيب فرانز فانون (Frantz Fanon)، وشارك معهم في المظاهرات لصالح القضية الجزائرية سنة 1959م، وبذلك التحمت شخصيته وجدانيا مع الثورة الجزائرية وانتقلت من دائرة التنظير إلى دائرة الفعل، وأبصرت في هذه الثورة وعيا ثوريا نوعيا تصنعه معجزة الإيمان والوعي، تلك المعجزة التي جسّدتها الثورة الجزائرية في تصدّيها للهيمنة الإمبريالية الفرنسية، وما قدّمته من دروس في فن الثورة وتكوين الوعي والمحافظة على الذّات الثقافية.

كان للدكتور شريعتي ولا يزال تأثير في المجتمع الجزائري، وما زالت أقواله تتردد على ألسنة النخب الجزائرية، حيث يرتبط اسمه بالمفكر والكاتب والفيلسوف الجزائري مالك بن نبي لأن كلاهما طالب بشن ثورة ضد الاستبداد الخارجي والعمل على إصلاح النفس.

ومن جهتهم، كما يضيف السيد ميراقائي، طالب كبار العلماء الإيرانيين من أبناء الشعب الإيراني أن يدعموا ويساعدوا الشعب الجزائري بكل الطرق الممكنة، وقد تم جمع الكثير من المساعدات المالية وأوصلوها إلى أبناء الجزائر عبر وسطاء، واستمر هذا الدعم الشعبي حتى انتصار الثورة الجزائرية، وبعد الاستقلال، قام النظام الملكي في إيران بدعم النظام الجديد في الجزائر رغم اختلافه مبدئيا مع الكثير من أصول الثورة الجزائرية، لكنه كان مرغما على ذلك بسبب الموقف الشعبي الداعم لأبناء الجزائر، وأصبحت إيران من أولى البلدان التي اعترفت باستقلال الجزائر.

ومن أهم الخطب التي ألقاها الإمام الخميني بعد عودته من باريس إلى طهران، تلك التي طلب فيها من الإيرانيين الاقتداء بالثورة الجزائرية التي ربطت بين الجهاد الأصغر ضد الاستعمار، والجهاد الأكبر ضد التخلف، واستقبل الإمام الخميني في أولى أيام الثورة الإيرانية أعلام الجزائر، من بينهم المفكرين الكبيرين المرحومين نايت بلقاسم وأحمد حماني، حيث أبان التلفزيون الجزائري صورهما وهما يجلسان على الأرض في إقامة قائد الثورة الإيرانية.

واليوم، نستشرف مستقبلا واعدا للعلاقات الثنائية كما قال وزير الخارجية الجزائري السيد أحمد عطاف في زيارته الأخيرة لطهران، حيث قال: ‘العلاقات بين الجزائر وإيران لها تاريخ متجذر، وحاضر متميز، ومستقبل واعد’.

ترقبوا أعدادا أخرى عن زيارة الوفد الإعلامي الجزائري للجمهورية الإسلامية الإيرانية، وواقع العلاقات الثنائية بين البلدين…..

بقلم: د. هناء سعادة

رابط دائم : https://dzair.cc/5dj3 نسخ