في الذكرى 66 لمؤتمر الصومام.. الجزائريون على عهد الشهداء باقون وفي درب بناء الجزائر الجديدة متلاحمون

تحلّ الذكرى 66 لمؤتمر الصومام، والتي أصبح الجزائريون يحيون فيها يوم المجاهد، والجزائر تعيش أجواء الاحتفال بالذكرى 60 المخلدة لاسترجاع السيادة الوطنية، بما يمثله ذلك من رمزية ذات قيمة رفيعة نستحضر من خلالها بدايات التأسيس للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، التي أعلن ميلادها القطيعة مع جميع المشاريع غير الوطنية المجحفة، التي كانت تقلل من شأن أرض سقاها المجاهدون والشهداء بدمائهم الزكية حتى يؤكدوا بأن الجزائر ليست مقاطعة تابعة لدولة استعمارية ولا ينبغي لها أن تكون.

لقد أدرك الآباء المؤسسون، الذين أرسوا لدولة لا تزول بزوال الرجال، قبل 66 سنة من الآن أن دولتهم المنشودة التي يحلمون بها ستحتضن جميع الجزائريين بكل أعراقهم ومشاربهم وتوجهاتهم، بلا استثناء ومن دون إقصاء، فالجزائر الشاسعة تسع كل أبنائها البررة الذين يشكلون جدارا منيعا يحبط أي مشروع مستقبلي يروم إعادة استعمارها أو وضعها في مسارات التبعية والهيمنة، ومن هنا كان التفكير في تعزيز اللحمة الوطنية بين أبناء الشعب الواحد في ضوء إعادة تنظيم الثورة الجزائرية وفق آليات إدارية وتقسيمات جغرافية، لن تكون وسيلة للتفرقة بين الجزائريين، طالما أن هدفها الوحيد المعلن هو إعطاء دفعة قوية ومنظمة للعمل الثوري من أجل تحقيق غايته السامية ألا وهي استقلال الجزائر.

وقد تجلت هذه الفكرة أكثر، وأثبتت نجاحها وبعدها الاستراتيجي في العديد من المحطات التي تلت مؤتمر الصومام، الذي كان أرضية توحيد ثوري وحاضنة تجدد من خلالها العهد الأبدي على الالتزام برابطة الأخوة الجزائرية المتينة والصلبة، وأولى هذه المحطات هي حينما أجمع المفاوضون الجزائريون ومن خلفهم جميع أجهزة الثورة الجزائرية السياسية والعسكرية ووراءهم وقف معهم الشعب الجزائري بكل مكوناته وأطيافه، أن الجزائر لن يستقل شمالها إلا وهو يرى شقيقه الجنوب ينعم بالحرية معه، فكان هذا القرار بمثابة إعلان خالد وبيان وطني على أن الجزائر لن تكون إلا وطنا واحدا موحدا في كل منطقة دوّى فيها رصاص التحرر من ربقة الاستعمار، وفي كل بقعة سالت منها دماء أبناء الوطن الواحد.

وما تزال الجزائر منذ أن استوت على ساقها، بعد أن ظفرت باستقلالها المجيد تفوّت على الأعداء الحالمين والطامعين مشاريعهم التقسيمية المخذولة، بداية بحرب الرمال التي أعلنها المخزن الغادر طعنة في خاصرتنا الغربية، عاما واحدا بعد الاستقلال، وكم هي مؤلمة ضربات الأشقاء، فظهر على حقيقته التوسعية الخبيثة، لكن جنود الجيش الوطني الشعبي الذي ولد من رحم ثورة دوّى صيتها المزلزل في أصقاع العالم، لقنوا الغادرين درسا لم ينسوه في الدفاع عن وحدة الوطن وعن آخر شبر قد يظنون أنه لا يستحق كل تلك التضحيات الجسام من أجل حمايته والمحافظة عليه.

وإلى اليوم، وبعد أن خاضت الجزائر مؤامرات الإرهاب ومخططات الابتزاز الخارجي، وعقوق بعض أبنائها الخونة المارقين الذين تنكروا لأفضالها وتنكبوا الطريق واضعين أيديهم الآثمة في أيدي الأعداء الحاقدين من أجل حرق البلاد ورهنها، لا يزال رجال الجزائر المخلصين محافظين على عهد الشهداء والمجاهدين بأن يصونوا الأمانة ويحفظوا الوديعة، وهذا ما أكده رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون من خلال مشروعه الوحدوي التصالحي، المتمثل في مبادرة لم الشمل، التي ستجدد عهد اللحمة الوطنية المتينة بين أفراد الشعب الجزائري الواحد، ورص الصفوف وتوحيد الجبهة الداخلية في هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ البلاد، من أجل كسب معركة التجديد التي صرح الرئيس تبون في افتتاحية مجلة الجيش لشهر يوليو المنصرم أن الجزائريين يخوضونها من أجل كسب الرهانات وتحقيق تطلعاتهم وغايتهم المنشودة في جزائر قوية، شامخة وآمنة مثلما أرادها شهداؤنا الأبرار.

أحمد عاشور