تحدث “داوود زرین بور” المستشار الثقافي الايراني في مصر وهو من أهل السنة الإيرانيين، عن العديد من القضايا التي تخصّ العلاقات بين الجمهورية الاسلامية الايرانية وجمهورية مصر العربية مُستعرضاً آفاق التعاون الواسعة بين البلدين التاريخيين، مُشيراً الى العلاقات الوثيقة بين شعبي البلدين والمتجذرة تاريخياً، كما تطرّق في هذا الحوار الى آخر التطورات في فلسطين المحتلة، والإنتفاضة العالمية التي نشهدها من قبل أحرار العالم نصرةً لفلسطين واحتجاجاً على جرائم الإحتلال الصهيوني.
فيما يلي نصّ الحوار:
ما هي ردود أفعال النخب والمجتمع المصري بشأن وجود واختيار رجل دين سني كمشتشار ثقافي للـجمهورية الاسلامية الايرانية؟
وفقاً للنظرة السامية لمسؤولي الجمهورية الإسلامية الإيرانية والمستمدة من عقيدة الجمهورية الإسلامية، وبجهود وتخطيط حجة الإسلام والمسلمين الدكتور إيمانبور رئيس منظمة الثقافة الإسلامية والإتصالات أصبحت بفضل الله تعالى المستشار الثقافي الأول للجمهورية الإسلامية الإيرانية في مصر. وكان لهذه القضية إنعكاس إيجابي في مصر، لا سيما بين النخب والمثقفين.
لقد تشكّلت صورة غير واضحة ومشوّهة تولّدت من عدم التواصل المستمر بين المجتمعيين الإيراني والمصري من جهة وجهود بعض التيارات لتقديم صورة زائفة عن العلاقات من جهة أخرى، صورة تركت تبعاتها في مختلف القضايا الثقافية والإجتماعية والسياسية والدينية وإلخ. لكن هذا التعيين جذب انتباه النخبة في المجتمع المصري ودفعهم إلى طرح الأسئلة وهم يثنون على هذا الإختيار حول وضع الأديان والمذاهب في إيران، ما أفضى بالمحصّلة إلى تغيّر الموقف تجاه إيران في هذا الجانب. وقد تم ذكر هذه القضية مرات عديدة في لقاءات (اختيار سني كمستشار ثقافي في مصر) وقد تم ذکره کمثال واضح لاستخدام القدرات المختلفة للمجتمع الإيراني في مختلف المسؤوليات.
ما هي أولوياتك كمستشار ثقافي لايران في مصر؟
إيران ومصر دولتان متحضّرتان تتمتّعان بجذور ثقافية عميقة، وقوة ناعمة خاصة بهذين البلدين اعطت الأمة مكانة مختلفة على الساحة الثقافية الدولية. علاوة على غناهما في التراث المادي والمعنوي والذي أضفى جمالا خاصاً على هذين البلدين، وهو ما جعلهما مقصدين سياحيين جذابين في مختلف المجالات التاريخية والدينية. هناك قدرات استثنائية في مختلف مجالات العلوم والتكنولوجيا والإبتكار للتفاعل بين المؤسسات العلمية والأكاديمية في البلدين، خاصة في العلوم الجديدة، ومنها تكنولوجيا النانو والطاقة النووية السلمية، وخاصة في مختلف مجالات الطاقة والعلاج والزراعة.
كما يتصدر الأدب العربي والفارسي في مصر وإيران قائمة الدول التي تتحدت نفس اللغة، وهو بتأكيد أداة فعالة للفهم المباشر لثقافة الجمهور. كما أن صناعة الإعلام بما في ذلك السينما والمسرح في إيران ومصر من أعرق الإنتاجات الفنية في البلدين. السينما المصرية معروفة بهوليوود العربية، كما حصد الفنانون الإيرانيون جوائز قيمة في المهرجانات الدولية. أضف الى ذلك الدور الخاص لعلماء الدين والمراكز الدينية في تقديم قراءة جديدة للمسألة وتبسيطها على المستوى الإقليمي والعالمي، كما يمكن أن يكون ذلك مبعثاً لتعزيز وتسريع وتيرة التطورات في المجالات التاريخية والحضارية بين البلدين.
إن تحقيق وحدة العالم العربي هو أحد مطالب العلماء الرحماء في كل من ايران ومصر، و ورد هذا الأمر بشكل جليّ في كلام المرشد الأعلى لإيران مرات عديدة، وقد أكد الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب مرة أخرى على هذه الأهمية، وشدّد عليها في خطاباته التاريخية الأخيرة. كما أن نقاط الإلتقاء العديدة ومنها القرآن الكريم ونبي الإسلام الأكرم وأهل بيته وأصحابه المؤمنين، ومحاولة العمل معا لتقارب الأديان الإسلامية الذي له جذور تاريخية وعملية في التفاعلات بين الديانات الإسلامية يمكن أن يعبّد الأرضية لتحقيق وحدة المجتمع الإسلامي وكرامته. لا شك أن المراكز الثقافية ستبذل جهوداً جمّة لتقديم الصورة الصحيحة والحقيقية للجمهورية الإسلامية الإيرانية وتستعرض قدراتها الثقافية المتنوعة والمتعددة للمجتمع الثقافي المصري، ومن ناحية أخرى ينبغي رسم الصورة الصحيحة والحقيقية للاجواء الثقافية المصرية في إيران.
وبالنظر إلى الثقافة القديمة والغنية لكل من إيران ومصر وتعدّد القيم الثقافية المشتركة بينهما وتطوير التعاون في مختلف المجالات بما في ذلك الأدب والفن والعلوم والتقنيات والسفر و السياحة وغيرها يمكن أن يكون أساسا لإقامة علاقات قوية ومستقرة في المستقبل.
ما هو تقييمك كإيراني سني لوضع أهل السنة في نظام الحكم في إيران؟
يوجد في إيران مجموعات عرقية وديانات مختلفة، والسلطة في إيران حضنٌ واسع ورحبٌ لكل طاقات المجتمع الإيراني، وتسعى جاهدة من أجل عزة البلاد. كما أن أهل السنة جزء من المجتمع الإسلامي الإيراني في مختلف أنحاء بلدنا العزيز من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب وجزء من الهوية الإيرانية. ان السنة مثل جميع الإيرانيين يستفيدون من خدمات النظام الإسلامي للمواطنين ويلعبون دورا في مستويات مختلفة من السيادة مثل المواطنين الآخرين.
وخير دليل على ذلك تواجد أهل السنة في مختلف الرتب العسكرية والوطنية ومراكز صنع القرار التشريعية والقضائية والتنفيذية. شخصيات من قبيل الأدميرال شهرام إيراني قائد القوات البحرية للجمهورية الإسلامية الإيرانية ومولانا نذير أحمد سلامي عضو مجلس خبراء القيادة ومولانا مدني رئيس المجلس الأعلى للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية والدكتور صالح أديبي و السيدة ريجي من السفراء السابقين وعدد كبير من ممثلي الشعب في مجلس الشورى الاسلامي من الذين تولّوا مناصب عديدة في دورات مختلفة في البرلمان والقضاء، بالإضافة الى رؤساء الجامعات البارزين والمحافظين و غيرهم… هذه الأمثلة توضح مكانة أهل السنة في أفق الحكم في الجمهورية الإسلامية الإيرانية ولا شك أن تفوق كل أمة هو في استخدام أقصى طاقات مواطنيها التي كانت ولا تزال تهم وطننا الحبيب.
كان للعملية الإيرانية الأخيرة ضد إسرائيل تداعيات واسعة النطاق على العالم، خاصة العالم العربي، بإعتبارك مستشارا ثقافيا لإيران كيف تقيم ردود فعل سكان شمال إفريقيا وخاصة مصر إزاء العملية؟
عملية الوعد الصادق الناجحة والعظيمة حدثت في هذه الظروف الإستثنائية والمصيرية، مما أدخل البهجة والسعادة على محبي فكرة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في جميع أنجاء العالم. وفي الساعات الأولى من العملية تلقّينا قدرا كبيرا من الرسائل من النخب والمثقفين في مصر، حيث أظهروا حماسا كبيرا لهذا العمل التاريخي. بعد ذلك توالت العديد من التحليلات لشخصيات مختلفة ثقافية وسياسية وإعلامية وتيارات مختلفة للتحقيق في الأبعاد المختلفة لهذه العملية في الفضاء الإفتراضي ووسائل الاعلام.
وبطبيعة الحال كان هذا متوقعا تماما بالنسبة للشعب المصري. لأن شعب مصر يعتبر الكيان الصهيوني عدو من الدرجة الأولى وقد طرحت هذه القضية مرات عديدة من قبل أطياف مختلفة وشرائح اجتماعية مختلفة. وأدت هذه النظرة إلى قدر كبير من الاستحسان الشعبي لعملية الوعد الصادق، إذ جعلت الجبهة الإعلامية الصهيونية تتخبّط جراء عواقبها وتسارع لتنشيط المناصرين لها لغرس رواية مشوهة.
لذلك أصبح الفضاء الإلكتروني ساحة متوترة بين المؤيدين والمعارضين والشعب على مختلف مستوياته، وقد عبروا عن رايهم بوسائل مختلفة حسب ميولهم وآرائم. ويبدو أنه وفقا للنظرة الإيجابية للمفكرين الأحرار في المجتمع المصري إلى إيران ومحور المقاومة وخاصة في العالم العربي تشعر العديد من التيارات والمجموعات المتنافسة بالتهديد بسبب فشل مشاريعها في تقديم صورة زائفة عن إيران.
ومن خلال إطلاق موجة إعلامية قوية كانوا يحاولون إظهار عملية الوعد الصادق بأنها غير فعالة، وكانوا يعتزمون الحصول على ما فقدوه في مجال نصرة المظلومين من خلال تدمير إيران. والحقيقة أنه يمكن القول أن ميدان النضال امتد إلى الفضاء الإفتراضي وانعكاس الوعد الصادق كان أقوى.
يرى البعض أن محور المقاومة يقتصر على الحركة الشيعية التي تقودها إيران فقط، لكن إيران ترى أن المحور المقاومة لايقتصر على الشيعة، ما هو تقييمك في هذا الصدد؟
من أدق التفسيرات التي ظهرت خلال هذه الفترة هو مصطلح طوفان الأحرار. والحقيقة أنه في ظل الظروف التي يعيشها العالم اليوم فإن أمريكا و الغرب يحاولون دعم إسرائيل، وقد حشدوا قوّة صارمة وناعمة للحفاظ على هذا الكيان. كل من يقف في جبهة الحق و يدين جرائم الكيان حرٌّ بلا شك. و ما لوحظ على أرض الواقع يؤكد هذه الحقيقة، فالتطورات التي جرت في الجامعات الأمريكية في هذه الأيام كانت بمثابة الشعرة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة للكيان الاسرائيلي، وإن توجد الأمة الإسلامية في مختلف أنحاء العالم يدل على قوة جبهة المقاومة في العالم كله، ورغبتهم في إحقاق حقوق الشعب الفلسطيني المظلوم.