تحدث اليوم، الباحث في المجال الرقمي، الدكتور زكي كوريبعة، لدزاير توب عن التلوث الرقمي الناتج عن استخدام التكنولوجيات الرقمية الجديدة.
وفي هذا السياق، قال كوريبعة أن الأجهزة المتصلة، لا تصدر تلوثًا مرئيًا أثناء تصنيعها واستخدامها ونهاية عمرها الافتراضي، لكنها تصدر انبعاثات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون “CO2″، مما يعكس سلبا على التنمية المستدامة.
وفي حديثه عن هذا الموضوع، استدل محدثنا بمخرجات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية “CNUCED”، الذي خلُص إلى أن الرقمنة التي توفر العديد من الفوائد الاقتصادية، لها انعكاس سلبي على البيئة، وخاصة فيما يتعلق بتكاليفها البيئية.
ووفقاً لتقديرات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة “GIEC”، فإن مراكز البيانات وشبكات الخدمات عبر الإنترنت والخدمات السحابية، تساهم بنسبة 4 بالمائة من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الناجمة عن إستهلاك الطاقة – يضيف كوريبعة – قبل أن يشير إلى أن التكنولوجيا الرقمية تستهلك في المجمل ما بين 10 إلى 15 بالمائة من الكهرباء العالمية، ما يجعلها ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ أﺣﺪ أﻛﺜﺮ اﻟﻘﻄﺎﻋﺎت ﺗﻠﻮﻳﺜًﺎ في العالم، وهو ما يفوق ما ينتج عن قطاع الطيران المدني العالمي.
وأورد محدثنا، أن هذا الرقم مرشح للارتفاع مع اعتماد الخدمات والتقنيات الرقمية الجديدة حول العالم، خاصةً مع مرحلة الثورة الصناعية الخامسة وتموقع الذكاء الاصطناعي فيما يخص التكنولوجيا الرقمية.
ومن هدا المنطلق، قال ضيف دزاير توب، أنه كان لزاما التفكير في تكنولوجيات رقمية أقل تلوث، مما أدى إلى ظهور مصطلح جديد وهو “التكنولوجيا الخضراء – Green IT”، التي لها فوائد عديدة من حيث تقليل البصمة الكربونية واستهلاك الطاقة والأثر البيئي العام.
ويمكن – وفقاً لمحدثنا – تقسيم التلوث الرقمي إلى فئتين على حسب المختصين “The shift project & Greenpeace” فيما يخص توزيع استهلاك الرقمي للطاقة:
– الإنتاج بنسبة 45%: منها 17% فيما يخص إنتاج الحواسيب، 11% إنتاج الهواتف الذكية،11% إنتاج أجهزة التلفاز الذكية
– الاستخدام بنسبة 55%: منها 20% فيما يخص استخدام النهائياتModem ، Server ،” 19% ،” TVbox استخدام مراكز البيانات ” Data center ” من أجل التخزين و تشغيل ، 16% استخدام الشبكات “Network”.
وفي الواقع، فإن العادات الرقمية تتسبب في انبعاث الغازات الدفيئة بطرق مختلفة، مثل النفايات الإلكترونية، تخزين البيانات الزائد، استهلاك الطاقة للمنصات الرقمية، وبصفة عامة البصمة الكربونية للصناعة الرقمية بأكملها، يسترسل محدثنا.
أما فيما يخص البصمة الكربونية “CO2″، المرتبطة بالمحتوى الرقمي، يقول ضيف أول قناة الكترونية في الجزائر، أنه من الصعب تحديد البصمة الكربونية للخدمات بدقة، لأنها تعتمد على نوع وكمية الطاقة المستخدمة لتشغيل الخوادم، بالإضافة إلى ممارسات إدارة الطاقة التي ينفذها مقدمو خدمات الاستضافة والسحابة، ومع ذلك قامت العديد من الهيئات المتخصصة بإجراء حسابات انبعاثات ثاني أكسيد الكربون مابين “2017 – 2020” وقدرت كما يلي:
– يؤدي استعمال محرك البحث “Google” إلى إنتاج 7 غرام من ثاني أكسيد الكربون لكل عملية بحث، بسبب الكمية الهائلة من الطاقة التي يستهلكها بما يقارب من 900000 خادم لمحرك البحث الأمريكي، مع العلم أنه يعالج ما يصل إلى 8.5 مليار عملية بحث يوميًا.
– أما مواقع التواصل ففي دراسة أجراها “Greenspector” عام 2020، فإن الشبكة الاجتماعية التي تتمتع مشاهدة موجز فيديو بها بأكبر تأثير بيئي هي “TikTok” أي مستوى انبعاث يبلغ حوالي 5 غرامات من ثاني أكسيد الكربون في الدقيقة، وهذا أكثر بـ 7 مرات من يوتيوب، فيسبوك، وغيرهم.
– أما البريد الالكتروني، فوفقًا لمنظمة محو الأمية الكربونية، فإن يولد حوالي 4 غرامات من ثاني أكسيد الكربون، ومع ملحق ضخم فإنه ينتج ما يصل إلى 50 غرامًا من ثاني أكسيد الكربون، كما أن إرسال صورة مرفقة بحجم 1 ميجابايت إلى عشرة أصدقاء يعادل القيادة لمسافة 500 متر في السيارة، يكشف كوريبعة.
أما عن الذكاء الاصطناعي، فقد أجرت جامعة كاليفورنيا حسابات وتقديرات في مرحلة تدريب الذكاء الاصطناعي لـ “GPT-3″، وحده حيث استهلك 1,287 ميجاوات في الساعة، مما أدى إلى انبعاث 552 طنًا من ثاني أكسيد الكربون، أي أكثر من 205 رحلة ذهابًا وإيابًا بين باريس ونيويورك، وبمعدل 1,54 غرام من ثاني أكسيد الكربون لكل عملية.
ومن منطلق الأرقام، فقد تم تنظيم منهج أكثر مسؤولية لتحول رقمي يكون صديقاً للبيئة، باستعمال تكنولوجيا المعلومات الخضراء، وأبرزها منهج “Green IT 2.0″، والذي يهدف إلى تقليل البصمة الاقتصادية والبيئية والاجتماعية لمنتج أو خدمة، وذلك بفضل التكنولوجيا الرقمية.
وبالحديث عن التجربة الجزائرية خلال السنوات الأخيرة، وخاصةً منذ سنة 2020 وإلى يومنا، قال ضيف دزاير توب، أنها أثبتت ارادتها فيما يخص تكنولوجيا المعلومات الخضراء، نحو تحول رقمي مستدام، ومدى انتشار ثقافة التعامل بها عن طريق البنية التحتية للشبكات، وعلى سبيل المثال تعميم شبكة الألياف البصرية “FTTH” عبر ربوع الوطن، بوعاء أكثر من 1,2 مليون خط، أشرفت على إنجازه شركة اتصالات الجزائر.
وتستهلك شبكة الألياف البصرية معدل الطاقة يقل بـ 4 مرات من الشبكة النحاسية،و 10 مرات أقل من خدمة الجيل الرابع “4G”، وبالتالي فإنه ينصح باستعمال داخل المنازل شبكة الـ “WIFI” الثابت لـ “FTTH”، بدلا من انترنت الهاتف الذكي.
ويقدر عمر شبكة “FTTH” بـ 40 عامًا، بينما يتراوح عمر الشبكة النحاسية ما بين 10 إلى 20 عامًا، في وقتٍ تحصي فيه الجزائر ما يصل إلى 33,5 مليون مستعمل للانترنت، منها 24,85 مليون مستعمل لمواقع التواصل الاجتماعي.
وتتجه الدولة نحو الطاقات المتجددة البيئية كمصدر للطاقة، ونهج للتحول الاستراتيجي، وذلك بإنشاء محطات شمسية لتوليد الطاقة الكهربائية، مراعاةً للخصائص الجغرافية، التي يتسم بها بلدنا، والتي من شأنها أن تكون مصدرا للطاقة، على مستوى البنى التحتية كمراكز البيانات، علاوة عن تكنولوجيات أخرى نظيفة، في ظل المعاهدات التي صادقت عليها الجزائر بخصوص تغير المناخ، أو خارطة الطريق المنبثقة عن هيئة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة 2030 والتي تعد الجزائر عضواً فيها.
وتبقى المؤشرات والدراسات حول اﻷﺛﺮ اﻟﺒﻴﺌﻲ اﻟﺬي تخلفه اﻟﺮﻗﻤﻨﺔ شبه منعدم في الجزائر على عكس كثير من الدول، وبالتالي فقد أصبح من الضروري وضع ما يعرف بخطة الرصانة الرقمية، التي تعتبر حتمية حتى يتسنى للدولة الوصول إلى نظرة استشرافية حول التحول الرقمي “ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﺮﻗﻤﻴﺔ المستدامة”، على غرار عدة دول، ونحن نعيش الثورة الصناعية الخامسة وتموقع الذكاء الاصطناعي فيما يخص التكنولوجيا الرقمية، وتكييف أطرها القانونية البيئية بالإجراءات المحفزة فيما يخص المؤسسات المنتجة أو الموفرة للخدمات الرقمية باعتمادها لمقاييس البيئة مثل “ISO 14040 :2006″، هذا الأخير الذي يساهم بشكل مباشر في تحقيق التنمية المستدامة للأمم المتحدة، والتي ﻣﻦ شأنها أن تجعل ﺗﻨﻔﻴﺬ استراﺗﻴﺠﻴﺔ الوصول إلى الحياد اﻟﻜﺮﺑﻮني ممكناً بالنسبة للفاعلين اﻻﻗﺘﺼﺎديين و المستخدمين للرقمنة.