حقق المؤتمر الـ 11 لحزب جبهة التحرير الوطني، الذي عقد بداية الأسبوع الجاري، نجاحا باهرا وغير مسبوق لاسيما من ناحية الجدية وحرص المؤتمرين على الخروج بنتائج تؤسس لعهد جديد مختلف عما كان مألوفا، وهو الأمر الذي عكسته النزاهة في اختيار الأمين العام الجديد وحسن تنظيم مختلف مراحل المؤتمر وأطواره.
ولأول مرة في تاريخ الجزائر تختفي الصورة النمطية السيئة والمسيئة التي اعتاد الجزائريون رؤية منظرها القبيح والمؤسف في مؤتمرات الأفالان السابقة التي لم تكن لتليق بوزن جبهة التحرير وتاريخها وميراثها، حين كانت تجري تحت قبضة شخصيات طارئة فرضها نظام بائد قطع معه الشعب الجزائري ذات 22 فبراير 2019 في حراك مبارك أدخل الجزائر في عهد جديد، يختلف تماما عن ممارسات “برلمان الكادنة” ومنطق “البقاء للأقوى” الذي استبدل بمنطق جديد عنوانه “المسؤولية للأكفأ”.
خلال المؤتمر الحادي عشر للعتيد تقدّم الشباب الصفوف وحملوا على عاتقهم مسؤولية تنظيم محكم واستثنائي، وحملوا مشعل التغيير عن جدارة، فكان حضورهم بين المؤتمرين بارزا ودورهم في تسيير أشغال المؤتمر والخروج بنتائج مشرفة حاسما.
ولعل السمة البارزة لمؤتمر الأفالان في حلته الجديدة، كانت النزاهة في اختيار الأمين العام، الذي جاء من القاعدة التي ارتكبت في حقها أبشع صنوف التهميش الإقصاء والظلم والحقرة، تلك القاعدة التي حملت الجبهة على أكتافها وسكبت العرق الغزير من أجل إعادتها إلى سكتها الحقيقية، وبذلت شجاعتها وإخلاصها ثمنا لافتكاكها من بين أنياب الفاسدين الذين اختطفوها لسنوات طويلة كانت كالليل البهيم الحالك.
ومع انجلاء الليل بزغ فجر مؤتمر الأفالان الحادي عشر، وأسفر عن انتخاب هادئ وديمقراطي، للمهندس عبد الكريم بن مبارك أمينا عاما جديرا بالعودة المباركة لجادة الطريق القويم، انتخابٌ جعل من ممارسات البلطجة والابتزاز وفرض الأشخاص والتصورات تحت التهديد وبحدّ الخناجر والسواطير وبذهنية “الشكارة” البالية، جزءا من ماضٍ بائس بائد ولّى زمانه وصار نسيا منسيا.
أبجديات الحاضر التي فرضها واقع الجزائر الجديدة المغاير، في عهد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، الذي عاهد الجزائريين بأنّ زمن المال الفاسد في الممارسات السياسية انتهى مكانه في جزائر ما بعد الحراك المبارك إلى الأبد وإلى غير رجعة، أبجدياتٌ سيلقنها الأفالان لكلّ من يمارس السياسة، أحزاباً ووجوهاً، في العهد الجديد الذي يتقدمه أشخاص نزهاء أغلبهم من جيل الشباب وممن لم تتلوث عقولهم بعقليات متحجرة.
لقد أرسى المؤتمر الحادي عشر لحزب جبهة التحرير الوطني تقاليد جديدة قطعت مع ممارسات أشخاص غامروا بسمعة الحزب الذي لطالما أخذ منه الجزائريون دروس السياسة والوطنية في أزمنة سابقة لزمن الرداءة، أشخاصٌ قامروا بمبادئ الجبهة، لم تكن تهمهم سوى مصالحهم الشخصية الضيقة، لم يبالوا كثيرا لمصير ومستقبل العتيد المتعلّق كثيرا بمصير الجزائر ومستقبلها.
وأخيرا عادت الروح من جديد لتبث أشعتها الدافئة في أحضان جبهة التحرير الوطني، ذلك الحزب الذي عانى طويلا من الرداءة ومن أهلها السيئين، وأعاد الأمل للمناضلين في أن يروا شخصيات حكيمة ومتزنة ومخلصة ووطنية تتقلّد أموره وتنبري لتسيير دفته نحو غد أفضل يطلّ من أفق رحبة لجزائر المستقبل.
أحمد عاشور