كلمة الإنسانية اندثرت من قاموس الانسان، ندثرت من ضميره، من أحاسيسيه ومشاعره، من كيانه الإنساني، هل يتخيل العقل أشخاص يستهزئون من أصحاب الإعاقة ويتنمرون عليهم في كل مكان وينظرون لهم نظرة ازدراء كما لو أنهم اختاروا الإعاقة بأنفسهم.
ثقتهم العمياء بأنفسهم أعمت بصيرتهم على النظر لحجمهم الحقيقي وطبيعتهم البشرية الضعيفة، أنت إنسان أيما كنت في الحياة فقد خلقت من طين من نطفة، ضعيف جدا تتأثر بالمؤثرات الخارجية، الفيروسات و الأمراض، وبكل الأمراض الجسدية والنفسية.
وأصحاب الإعاقة الذين ينظر لهم المجتمع نظرة احتقار مثلهم مثل كل البشر شاءت الظروف والأقدار أن يحصل لهم هكذا بسبب حادث أي كان هذا الحادث، أو خلقوا ليجدوا أنفسهم هكذا، هل تتخيل أنك لا تملك يدين لتمارس بهما أنشطتك اليومية، هل تتخيل أنك لا تملك قدمين كي تذهب لأي مكان تريده ؟.
هل تتخيل أنك لا تسمع حتى أبسط الأشياء صوت أمك وأبيك أو حتى ابنك، وهل تتخيل أنك لا تبصر حتى ضوء الشمس، ولا تستطيع أن تتكلم أو حتى أن تعبر عن غضبك وتصرخ بأعلى صوتك أن اختنقت أو حزنت ؟.
هل تتخيل وتتخيل … كم ستتخيل ؟، أشياء بسيطة جدا لكن غيرك الذي تستهزء به محروم منها، هل خلقت من أجل أن ترحم أخاك الإنسان أم لكي يصبح وجودك لعنة عليه وعلى أنفاسه ؟، قال أحد الذين يعانون من ذوي الاحتياجات الخاصة أن الناس يجرحونه بكلمة أنت معاق
تساءل واستنكر هل الإعاقة يوما كانت في الجسد أو العقل والتفكير، وما ذنبه هكذا كان سؤاله، وكان في محله، لأن الإعاقة هي إعاقة التفكير السطحي و الأناني، عندما تقصي غيرك وتعتقد أنك في حماية قصوى وأنه لن يحدث لك ما حدث له.
من قال أنك أنت وأنا، أو أي إنسان آخر لن يحدث لنا شيء في حياتنا ؟، صحتك بيد الله وليست بيدك أنت، عندما أرى الأطفال الذين يعانون من السرطان، الذين يفقدون كل لذات الحياة ويتعالجون بالكيميائي وكل يوم يسقط شعرهم ويخجلون من مواجهة المجتمع بدون شعر ووجه مشرق بالحياة، يعانون ويكابدون، أشعر بالاختناق، وأقول ماذا لو كنت يوما مكانهم، هل سأكون قوية مثلهم ؟، هل سأتحمل ما يتحملونه يوميا ؟.
أقول ماذا لو فقدت صحتي يوما من الأيام وأصبحت عاجزة، أنا أو أنت أو أنتيط كلنا بشر ضعفاء، كلنا لسنا بمعزل عن أي مرض أو حادث يفقدنا حاسة لم نكن نشعر بقيمتها يوما من الأيام، وذلك الشخص الذي يتنمر على أصحاب الاحتياجات ليس إنسان بل جاهل لأنه نسي أن الذي ابتلى غيره بإمكانه أن يسلط عقابه عليه هو بالذات، وارحموا كي ترحموا و ضع نفسك مكان ذلك الشخص أنت اليوم في نعمة كبيرة جدا احمد الله عليها وارحم غيرك الذي ابتلاه الله بفقدان صحته و حاسة أنت لا تشعر بقيمتها إلا عندما تفقدها، ارحموا خاصة هؤلاء الناس يكفيهم ما هم فيه ،لماذا كل هذا التجريح و النظرات لهم تذكروا أن الله رحيم جدا و أوصى بالرحمة و من لم يرحم لن يرحم لكن الغريب هو هذا المجتمع
أستحضر في هذه لحظة حلقة في برنامج تليفزيوني لداعية الدكتورة الرائعة هالة سمير حاولت إحدى السيدات إحراجها و توجهت لها بسؤال بمنتهى الوقاحة تمثل في “هو انتي ليه يا دكتورة اتجوزتي واحد مشلول ”
حاولت أن تحرجها بسؤالها و كأنها ارتكبت ذنب و لكن الذي فعلته الدكتورة هالة سمير رفع شأنها جدا في نظر كل من يتابعها ،قلت كم هي حقيقية ،كم هي صادقة ،كم هي غير مزيفة ،كم هي نبيلة و إنسانة صالحة ،كل الصفات لا أستطيع حتى أن اصفها بها لأنها لا تعبر و لو قليلا عن شخصيتها الراقية و الطيبة
لم تتهرب الدكتورة هالة من الإجابة لأنها امرأة قوية اجابتها
“المشلول هو مشلول العقل
و المشلول هو مشلول القلب
أدين بكل فضل له و بكل خير له
الإعاقة هي إعاقة القلب ان الله لا ينظر إلى صوركم و لا إلى اجسادكم
و لكن ينظر إلى قلوبكم
و انا ما شوفتش فيه حاجة تستدعي انو ارفضو
من جاءكم من ترضون دينه و خلقه فزوجوه
الراجل راجل صالح يحب الله ،المهم الزوج الذي يتقي الله
و انا عمري ما شوفتو مشلول ”
كلام في منتهى الرقي قالته الدكتورة هالة ،كم شعرت أنني احترمها و اقدرها في هذه اللحظة ،امرأة تقدس مفهوم الحب للحب نفسه ،في زمن أصبح فيه الحب للمظاهر، وليس لذات الشخص ،هي أخلصت للحب و فهمت كل كلمة من كلماته
في نظرهم الشخص الذي يعاني من احتياجات ليس من حقه أن يحب و أن يتزوج و أنه ينقصه الكثير ،بينما الرجل الحقيقي لا يعيبه شيء ،هو يكون مشلول فقط عندما لا يكون رجل حقيقي و شهم ،كاذب و مزيف من إمرأة لامرأة، من سيناريو لسيناريو من فيلم لفيلم
الرجل المشلول ذلك الذي يكذب كثيرا، ذلك المنافق وليس الرجل الذي شاءت الظروف أن يفقد صحته ،لكن قلبه سليم وروحه نظيفة المشلول هو ذلك الذي يملك كل شيء لكنه مشلول في عقله، لا يخاف الله وغير صادق وأمين، هذا الفرق والمجتمع للأسف لا يميز بين المشلول الحقيقي مثل ما وصفته الدكتورة هالة سمير، مشلول القلب والعقل.