ما حدث في ملعب الشهيد حملاوي يثبت أن العنف زلزال تعاني منه كرة القدم الجزائرية / بقلم الإعلامي والكاتب الصحفي كريم قندولي

ما حدث في ملعب الشهيد حملاوي، من عنف وتكسير للكراسي مشهد مؤسف، مقزز ومخزي، ويثبت للمرة المليون أن العنف زلزال لا نعلم متى وأين يضرب، تعاني منه كرة القدم الجزائرية وجميع الفرق والأندية دون استثناء منذ عقود.

رغم المحاولات، لم تنجح السلطات الوصية في اجتثاث هذه الآفة من جذورها، وأصاب المنظومة عجز تام لكسر العدوى التي تنخر المدرجات.
ونار الفتنة كلما خمدت في ملعب اشتعلت في آخر ، لتحرق الأخضر واليابس وتفرق بين أبناء البلد الواحد ، وتسمم العلاقات بين الجماهير العريضة.

هذه الظاهرة تنميها وتغذيها وتحتضنها عدة عوامل، وهي التنشئة والتربية والدين والمجتمع والقانون واللعب النطيف والنزاهة والتحكيم…

وللأسف كل هذا تعاظم وكبر في زمننا، بسبب الإعلام والإعلام البديل في صفحات السوشل ميديا، من خلال الشوفينية والتعصب، فتجد إعلاميا مشجعا لفريق يتخلى عن حياده، ينساق من حيث يدري أو لا يدري وراء خطابات الكراهية.

تلك الفتن كالجمر ينفخ فيها مراهقون مجهولون يقودون صفحات مليونية، خلف الشاشة يتلاعبون بالرأي العام، يشجعون على العنف تارة ويبررون له تارة أخرى، بخطابات التعاطف مع المشاغبين المخربين، تحت شعار مختلفة: الزواولة، مساكن، خاطيهم، راحوا فالجرة، غلطوا فيهم، ولاد فاميلية، مغرر بهم.. وغيرها من الصفات والتبريرات…

أنتم سموهم مثلما تريدون وبرروا لهم أناّ تشاؤون، لكن هم في الحقيقة مجرمون أو يحملون بذرة الإجرام وجينات الإجرام ولهم قابلية للإجرام.

تعرفون لماذا؟ سأجيب ببساطة وبالعامية حتى تصل الرسالة للجميع:

ولد الفاميليا: لا يعتدي على الغير بالسلاح الأبيض والحجارة.

العاقل: لا يتقمص دور قطاع الطرق ويمارس الإر.هـ.ـاب لترويع الخلق في الشوراع.

الزوالي: لا يخرب سيارات الناس لي عرقوا وتعبوا باش شراوهم، وعلابالنا في هذا الوقت لي رانا فيه بلي كاين لي صبر وضيع زهرة شبابه، وجمع أمواله لسنوات وحرم نفسه من كماليات وحتى أساسيات، ليحقق حلم شراء “حديدة بأربع عجلات” سواء كانت جديدة أو قديمة، لا يهم طالما تحفظ كرامته وكرامة زوجته وأولاده.

المسكين: ما يكسرش كرسي خصصته الدولة ليجلس عليه هو وغيره، يقي “مؤخرته”من حر البيطون صيفا وبرده شتاء.

المغرر به ما يوصلش حتى للاعتداء على شرطي يقوم بمهامه.

أما لي يقولوا عليهم صغار وطايرين هذوك بالذات نقول لوالديهم ربوهم في منازلكم قبل أن يفوت الأوان ويترباو في مؤسسات إعادة التربية، وحينها لا ينفع الندم.

ملاعبنا اليوم باتت مرتعا للفساد ووكرا للمهلوسات ومكانا للسب والشتم والكفر بالله، والتعدي على الناس والممتلكات الخاصة والعامة، وإما أن تفرض الدولة هيبتها وتضرب بيد من حديد، وتطبق القانون بكل صرامة وجرأة، وإما أن يتواصل التساهل والاستسهال وسنرى أفظع من المشاهد البائسة التي باتت جزءا من كرتنا.

لا أتحدث عن دور الوالدين ولا العائلة ولا الشارع ولا المسجد ولا المدرسة، فكل هذه المكونات تعرف دورها جيدا، وللأسف لا تقوم به على أكمل وجه، لكن أتحدث فقط وحصرا، على ضرورة ووجوب الاستفاقة والتدارك لتطبيق القانون دون رحمة ولا شفقة ولا عطف أو تضامن.

من يتجاوز الحدود يعاقب من جنس عمله، حتى يكون عبرة لغيره، وهكذا فقط سنكسر سلسلة العدوى ونضع نقطة نهاية لسيناريو العنف الذي يتكرر كل أسبوع.

نحن لسنا أعنف من شعوب أوروبا التي قضت على نصف المعمورة في حروب عالمية، ولسنا أعنف من أحفاد الفايكينغ في النرويج والسويد والدنمارك، وفي كرة القدم لسنا أعنف من الهولينغانز في إنجلترا، كل هؤلاء رباهم شيء واحد وهو تطبيق القانون والعدالة، فما بالك بالمجتمع الجزائري العطوف الحنون على بعضه وتجاوز المحن والغبن والاستعمار والفقر والعشرية السوداء، أصل الكرامة ورمز الشهامة ومضرب المثل في الكرم والجود وحسن الضيافة..

في نهاية كلامي رأيت تعليقات كثيرة تهاجم قسنطينة مدينة العلم والعلماء والحضارة، بسبب ما قام به مشجعو النادي الرياضي القسنطيني في ملعب حملاوي، مثلما رأيت من قبل تعليقات مشابهة تهاجم الولايات والمدن والبلديات والقرى والمداشر والعروش، بسبب أحداث عنف جماهير أندية الجلد المنفوخ.
هذه الفكرة خاطئة فالتعميم تظليم وتشويه للسمعة والصورة، والعنف ظاهرة تعاني منها كل الجماهير وكل الولايات دون استثناء .

بقلم الإعلامي والكاتب الصحفي كريم قندولي