لا يزال المغرب المدفوع بعناده ومكابرته يرفض أن يقرّ بزعامة الجزائر وأحقيتها في قيادة المنطقة المغاربية، ومؤخرا راح يتآمر مع دويلة الإمارات والكيان الصهيوني بغرض حرمان الجزائر من قيادة منطقة الساحل، عبر تأليب المجلس العسكري في مالي ضدّها ودفعه لإلغاء اتفاق الجزائر للسلم والمصالحة في مالي.
وفي الحقيقة فإنّ هذه الأحقية لا تنطلق من فراغ، فهناك عدة أسباب وعوامل متضافرة تؤهل الجزائر لأن تلعب الدور المحوري الرئيسي في منطقتي الساحل والمغرب العربي، بعضها سياسي يرتكز إلى كون النظام الجزائري شعبي يستند إلى الشرعية الشعبية، على خلاف النظام المغربي، أو المخزن، الذي يكرس انفصالا بين السلطة والشعب المغربي، هذا الأخير الذي يضعه المخزن في مرتبة الرعية التي يجب عليها أن تخضع لإرادة القصر العلوي “ولي نعمتها” كما ينظر إليه ملوك المغرب الذين يمعنون في تجسيد هذا الولاء عبر تقبيل أيدي وأرجل الملك والأمراء والركوع والسجود لهم.
لقد صنع التحام الشعب الجزائري مع مؤسسات الدولة الجزائرية وخاصة رئاسة الجمهورية والجيش الوطني الشعبي، ومنذ الاستقلال، منظومة حكم قوية على الأعداء رحيمة بالشعب الجزائري، فكانت هذه المنظومة نموذجا فريدا في المنطقة العربية والمغاربية، أهّل الجزائر إلى أن تتجاوز المحن وتكون الدولة الوحيدة التي تشهد استقرارا سياسيا وأمنيا منقطع النظير، رغم هشاشة الدول المحيطة بها.
إلى جانب ذلك تأتي العوامل الجغرافية لتضع الجزائر في قلب منطقتي الساحل والمغرب العربي، حيث تتوسطها حرفيا، ولا توجد دولة أخرى تقاسمها هذه الميزة، فهي بذلك نقطة الالتقاء بين الاتجاهات الأربع ومركز الثقل الجغرافي، إضافة إلى الموارد الطبيعية الهائلة التي تصاحب هذا التميز الجغرافي، ما يمنح الجزائر أهمية قصوى في أمن واستقرار المغرب العربي والساحل.
كما أنّ للعوامل التاريخية دورها في تأهيل الجزائر لأن تقود المنطقتين، الساحل والمغرب العربي، فلطالما مثلت الجزائر موطنا للعديد من الحضارات والممالك، وما تسمية “المغرب” التي يستند إليها نظام المخزن في إثبات شرعيته التاريخية ويحاول من خلالها إثبات شرعية مزعومة للمطالبة بأراضي جزائرية منذ فجر التاريخ، سوى إرث مشترك بين جميع دول وشعوب المغرب العربي، فقد كانت الجزائر حاضنة للمغرب الأوسط خلال حقبة تاريخية طويلة، وهي المنطقة التي تأتي في قلب المغرب العربي والإسلامي والتي حملت بعد ذلك إسم “الجزائر”.
مخاطر المراهنة على أجندات خارجية “الإمارات والكيان الصهيوني” ستجر الساحل نحو الحروب
لقد أنصف القدر الجزائر وأظهر أنها كانت دوما على حقّ حينما حذرت المغرب من مغبة الارتماء في أحضان الكيان الصهيوني، الذي يتسبب اليوم في زيادة الأعباء على ميزانية المملكة ويحمّل الشعب المغربي نفقات إضافية باهظة التكاليف نتيجة لارتفاع أسعار الغاز والنفط، على إثر أزمة البحر الأحمر التي كان السبب المباشر فيها الكيان الصهيوني بسبب عناده ورفضه دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، بحيث لو تم ذلك لما أغلق الحوثيون منفذ باب المندب في وجه الملاحة الدولية.
واليوم يدفع المغرب ثمن حمق نظام المخزن وغبائه باهظا، لقد عوّل على كذب ترامب والصهاينة والإماراتيين، الذين سيكونون أول من يتخلى عنه عندما تحين أول فرصة، بعد أن أوهموه بالمستحيل وأقنعوه بأنه من الممكن الالتفاف على الشرعية الدولية في ما يتعلّق بقضية الصحراء الغربية، وبإمكانية تحويلها إلى أمر واقع باستطاعتهم فرضه على المجتمع الدولي، ليصبح –حسب زعمهم- بوسع المغرب ضم الصحراء الغربية بمجرّد الظنّ بكونها “مغربية”، فهل بعد هذا الحمق من حمق؟
وفي سبيل تحقيق هذه الحماقة تخلى المغرب عن التعاون مع الجزائر التي لم تبخل عليه بشيء في يوم من الأيام، رغم عدوانه وتحامله عليها في مناسبات عدة، لقد رضي المغرب بأن لا يتزود بأنبوب “ميد غاز” المغاربي الأوروبي، الذي كان يعبر أراضي المملكة ويوفر الغاز للمغاربة بأسعار تفضيلية منخفضة جدا لا تثقل كاهل العائلات المغربية البسيطة، إلى جانب أنه كان يدرّ دخلا محترما من العملة الصعبة على خزينة الدولة المغربية، فلماذا آثر المغرب بحماقته الغريبة هذه أن يترك هذا الخير العميم ليبحث عن السراب في أماكن الوهم البعيد؟
وإلى جانب تسوّل الاعتراف بما ليس له به أيّ وجه حق، ممّن لا يملك هذا الحق، راح المخزن يبحث عن مصادر الطاقة التي كانت متوفرة له وبين يديه، تارة من عند إسبانيا التي تمكنت الجزائر وفي ظرف وجيز من الوفاء بالتزاماتها التعاقدية تجاهها من خلال تزويدها بخط أنابيب مباشر يصل بني صاف بألميريا، في محاولة يائسة لكي يشتري منها الغاز الجزائري بطريقة غير مباشرة وبأسعار تفوق أسعار السوق، وليس فقط تلك الأسعار التفضيلية التي كانت تتعامل بها الجزائر معه، وتارة أخرى راح المخزن يتتبع وساوس الشيطان الإماراتي الذي أقنعه بوهم “مشروع أنبوب غاز” يربط نيجيريا بالمغرب، ويمرّ في مسار طويل جدّا عبر 13 دولة إفريقية، في محاولة خائبة ويائسة لمنافسة المشروع الحقيقي والأصيل والواقعي، أنبوب غاز الجزائر أبوجا بمسافته المختصرة جدّا، والذي يمر عبر دولة إفريقية واحدة هي النيجر.
أما آن لنظام المخزن أن يدرك أن الجزائر لم ولا ولن تحتاج المغرب في أيّ شيء، حتى تتنازل له عن مبدئها الثابت في دعم الشعب الصحراوي لنيل حريته واستقلاله، ليس لأن الجزائر تبحث عن منفذ إلى المحيط الأطلسي كما يزعم هذا النظام المهترئ، ولكن لأن الجزائر ذاقت ويلات الاستعمار وتعرف جيدا ما معنى أن يتسلط الاستعمار على شعب جار وشقيق، خصوصا وأن الشرعية الدولية تقف في صفه.
كلّ ما تريده الجزائر هو أحد أمرين، إمّا أن يرجع نظام المخزن عن غيّه ويعود إلى رشده ويدعه من تلك المؤامرات الخائبة والتي لا تجدي نفعا مع الجزائر، أو أن يتفطّن أحرار الشعب المغربي لما يدبّره لهم هذا النظام الخبيث من مكائد ودسائس، الغرض منها انتزاع المغرب من أيديهم ومنحها للصهاينة المغاربة، وبعدها يصبحون مجرّد لاجئين ومشرّدين داخل المغرب وفي الخارج، وساعتها لن يجدي قولهم: “ليتنا صدقنا تحذيرات الجزائر شقيقتنا الكبرى”.