مع صدور أول مرسوم يحدد قواعد ممارسة الإعلام الإلكتروني بالجزائر، كانت مهنة الصحافة قد قفزت بخطوة عملاقة نحو المستقبل، إذ أنه وقبل أن يتم نشر المرسوم في الجريدة الرسمية، تحت اسم “المرسوم التنفيذي المحدد لممارسة نشاط الإعلام عبر الإنترنت ونشر الرد أو التصحيح عبر الموقع الإلكتروني”، كان قانون الإعلام الجزائري الصادر عام 2012، يخلو من أي قواعد قانونية منظمة للصحافة الإلكترونية، سواء كانت مكتوبة أو سمعية بصرية، وذلك على الرغم من كون الإعلام الإلكتروني كان حقيقة ماثلة في الواقع، وموجودا بجميع جزئياته وكافة تفاصيله، من صحفيين يمارسونه وجمهور عريض يعتمد على الأنترنت والوسائط الإعلامية المتعددة وينشط بكثافة في مواقع التواصل الاجتماعي.
وبمجرد أن أصبح بإمكان أيّ صحفي جزائري لا تقل خبرته عن ثلاث سنوات ولم يسبق الحكم عليه في قضايا القذف أو السبّ أو الشتم أو الإهانة أو التمييز أو الكراهية والتحريض عليها، أن ينشئ موقعا إلكترونيا إخباريا، سواء كان مكتوبا أو في مجال السمعي البصري، خرج قطاع الإعلام الإلكتروني الجزائري إلى مساحة الضوء بعدما كان حبيس الظلام لسنوات عديدة، وصار بوسعه أن يؤدي رسالته الإعلامية على أكمل وجه، وبدون عقدة أو قيد، انطلاقا من قانون منظم أضحت جميع المواقع الإلكترونية التي تم توطينها ضمن نطاق الإنترنت المحلي (DZ) تحتكم إليه.
بعد التأسيس دخل الإعلام الإلكتروني مرحلة التطوير والتحسين، وهي المرحلة التي واكبت أداءه لمهمته ورسالته، فمن خلال الممارسة يمكن اكتشاف الأخطاء وتلافيها مستقبلا، وكذلك إدراك مكامن النقص والقصور واستدراكها، وخلال هذه المرحلة وجد الإعلام الإلكتروني تجاوبا مع احتياجاته من قبل السلطات الوصية، ممثلة في وزارة الاتصال وعلى رأسها الوزير عمار بلحيمر، الذي عكف بداية على تحيين القانون العضوي للإعلام بما يتوافق مع أحكام الدستور الجديد والنظرة الاستشرافية للقطاع حتى يتماشى مع الواقع الجديد في المشهد الإعلامي الوطني والدولي، متوخيا في ذلك تعزيز حرية الصحافة وإيجاد التوازن المطلوب بين حرية الصحافة ومسؤولية ممارسيها في احترام حقوق الغير واستقرار المؤسسات، كما كلّف مصالحه بإعداد قانون الإشهار والذي يشهد فراغا بهذا الخصوص، لما يمثله من ضرورة بالنسبة لقطاع الإعلام الإلكتروني، الذي يحتاج للإشهار كمصدر أساسي للتمويل في ظل عدم امتلاكه لمداخيل قارة، بالموازاة مع حجم الاستثمار فيه والذي يتطلب نفقات باهظة ومكلفة.
لقد بينت الأحداث الإقليمية المحيطة بالجزائر والمتزامنة مع إرساء قواعد الإعلام الإلكتروني الوطني وسعي الوزارة الوصية الدؤوب لتطويره، وبدافع من توجيهات رئيس الجمهورية، أهميته البالغة الأثر في مواجهة حملات دعائية مغرضة وشرسة شنتها مواقع مغربية وجيوش من الذباب الإلكتروني، بإيعاز من نظام المخزن وأجهزته المخابراتية والأمنية، كان الهدف منها ضرب الوحدة الوطنية وإثارة الفتنة والفوضى داخل الوطن، بداية بفضيحة بيغاسوس التي كشفت مخططات المخزن الدنيئة والخبيثة في التجسس على مؤسسات الدولة الجزائرية ومسؤولين جزائريين، وما تلى ذلك من مؤامرات حاكها النظام المخزني باستخدام عناصر منظمتي الماك ورشاد الإرهابيتين، من داخل الجزائر وخارجها بلغت ذروتها خلال الحرائق المفتعلة عبر عدد من ولايات الوطن، وخصوصا في منطقة القبائل التي تتّسم بحساسية خاصة، بسبب مزاعم منظمة الماك التي تدعي استقلالها عن الجزائر، هذه الدعوى المزعومة التي حاول نظام المخزن استثمارها بطريقة مفضوحة داخل أروقة الأمم المتحدة، وسعى لأن يكسب من خلالها نقاطا لصالحه تؤهله لفرض منطقه في ما يتعلق بالقضية الصحراوية، التي ذهب بعيدا من أجل تغيير الحقائق بخصوصها، فأعلن تطبيعه مع الكيان الصهيوني بما يعني ضمنيا وفعليا تخليه عن جميع حقوق الشعب الفلسطيني، إضافة إلى سعيه لفرض واقع جديد على الجزائر جارته الشرقية، عبر ربط علاقات وثيقة مع عدو تاريخي لها، قامت بعد إعلانها الشهير عنها بالسماح لوزير خارجية الكيان الصهيوني أثناء زيارته للمغرب بإطلاق تصريحات عدائية ضد الجزائر، لكن مساعي المخزن باءت كلها بالخسران المبين وسرعان ما تلقى ضربة موجعة لم يكن ينتظرها أو يحسب حسابها من الدبلوماسية الجزائرية التي أعلنت قطيعتها معه.
خلال هذه الأحداث المتلاحقة التي مست بالأمن القومي الجزائري في الصميم، انبرى الإعلام الإلكتروني الجزائري، ومن منطلق المسؤولية الأخلاقية في الدفاع عن الوطن، دون أي خلفيات أخرى تجعله يلتزم بخط افتتاحي معيّن أو ينهمك بالتزاماته الإعلامية التي تأسس من أجلها، حتى ولو أثر ذلك على مداخيله ونسبة متابعته ومشاهدته، وهذا بالفعل، وغيره أكثر، ما حدث مع جريدة دزاير توب الإلكترونية، التي كرّست جميع منصاتها سواء موقعها الإخباري بنسختيه العربية والفرنسية والذي يشهد زيارات يومية تفوق 100 ألف زيارة، أو صفحاتها على موقع فيسبوك، الرئيسية والتابعة، والتي تستقطب بالمجمل نحو 5 ملايين معجب ومتابع، يطالعون من خلال روابط ما ينقله الموقع من أخبار وتحليلات تستهدف تفنيد ودحض مزاعم النظام المخزني، وإظهار الحقيقة التي يحرص على إخفائها وراء أكاذيبه المفضوحة خاصة ما تعلق بمحاولاته اليائسة لإقحام الجزائر كطرف في القضية الصحراوية، وكذلك نقل نشاط الدبلوماسية الجزائرية وبياناتها بهذا الخصوص، إضافة إلى ما تبثه قناتها الإلكترونية من فيديوهات قصيرة وفيديوهات غرافيكية، تستهدف تفكيك المغالطات وتوضيح الملتبس والمشتبه، بأسلوب يعتمد الاختصار ويتفادى الملل كون هذا المحتوى موجه نحو جمهور وسائل التواصل الاجتماعي الذي يضم أغلبية من الشباب تبحث عن الأسرع والأسهل والأخفّ.
“دزاير توب” كانت خلال هذه الأحداث وما أعقبها من تصريحات مسيئة ومشينة تفوّه بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ضد الأمة الجزائرية ودولتها وسلطتها، وما تلاها من ردود فعل قامت بها مؤسسات الدولة الجزائرية تجاه فرنسا، بمثابة المحارب الذي سبّل نفسه مستبقا جميع المواقع والجرائد الإلكترونية الأخرى، فتخندق في مقدمة الصفوف، متسلحا بإيمانه بالمبادئ الوطنية وبضرورة الدفاع عن الجزائر، دون أن تطلب منه أي جهة ذلك، ولا طمعا في مقابل مادي، غير مبالٍ بالمخاطر المحدقة ومآلات ما هو مقدم عليه، ومستخدما كل ما يمتلكه من وسائل، على قلتها وتواضعها، حيث سخّرها في مهمة الرد على الهجمات العدائية التي كانت تهدف إلى شق صفوف الشعب الجزائري وإضعافه، من خلال بث الفتنة والفوضى بين صفوفه، كما حرصت الجريدة عبر برامجها المقروءة والمصورة على توطيد اللحمة بين الجزائريين في هذه المرحلة الحساسة، والتي ازدادت خطورتها خلال حادثة مقتل جمال بن إسماعيل، حيث عكفت ومنذ بدايتها على توضيح مرامي الحاقدين على الجزائر، الذين راحوا يستثمرون في هذه الحادثة من أجل النفخ في نار الفتنة وتأجيجها بما يخدم أهدافهم الحقيرة في المساس باللحمة الوطنية.
لم يخلُ هذا الدفاع الشرس والمستميت من قبل جريدة دزاير توب الإلكترونية عن الدولة الجزائرية ومؤسساتها من تكاليف باهظة، أثرت على أدائها الإعلامي، فقد تعرضت لهجمات إلكترونية مكثفة أدت إلى حجب موقع الجريدة في العديد من المرات، كما أن صفحتها الرئيسية على الفيسبوك، والتي تضم 3 ملايين ونصف مشترك، حُرمت من الشارة الزرقاء وما ينجر عن ذلك من فقدانها لامتيازات معنوية ومادية، خاصة في ظل شح مواردها المالية إلى جانب نفقاتها الكبيرة والكثيرة على إعداد هذه البرامج، لكن الواجب الأخلاقي في النضال والكفاح ضد أعداء البلاد، والمسؤولية الوطنية في الدفاع عن الجزائر أغلى بكثير ولا تقارن بأي تقدير أو عائد مادي، وهو ما حفز الطاقات الشابة التي تزخر بها هذه المؤسسة الإعلامية على إتمام مهمتها الوطنية النبيلة على أكمل وجه وأتمّه.
وعلى الرغم من عدالة وأخلاقية القضية التي أخذتها “دزاير توب” على عاتقها في الدفاع عن الوطن ضد مخططات أعدائه في جانبها الإعلامي، لم يكن ما يوجّهها في ذلك ويحفزها على فعله مجرد عواطف الانتماء أو الهوية الجزائرية، أو حتى انفعالات غريزية تجاه أعداء الوطن، ولكن انطلاقا من مسؤوليتها المهنية في أداء رسالة إعلامية جادة وإيصالها بأمانة إلى المتلقي الجزائري، بكل موضوعية تخلو من أي تطرف أو تعصب أو أحقاد حتى على المعتدين وبالأخص الشعب المغربي الشقيق الذي نكن له كل المحبة والاحترام، على الرغم من أنه لا حياد في قضايا الوطن، إضافة إلى التزامها برصيد كبير من العقلانية في الطرح بعيدا عن الإسفاف والابتذال أو الانسياق وراء استفزازات الإعلام المضاد الذي شن حملاته العدائية المسعورة وأطلق ذبابه الإلكتروني عبر هجمات شعواء لا تلتزم بأي معيار أخلاقي أو أدنى حد من المهنية، وقد واجهت “دزاير توب” كل ذلك بمسؤولية وأمانة أكسبتها مصداقية لدى جمهورها المتزايد نظرا لما أحرزته من نجاح في مهمتها الوطنية بكفاءة واقتدار.
معمر قاني