أثبتت الممارسات الغريبة التي تقدم عليها السلطات الفرنسية، من خلال توقيفها التعسفي لمواطنين جزائريين على أراضيها، أنها تنتهك بانتظام أحكام اتفاقية العلاقات القنصلية التي تربطها بالجزائر والموقعة بباريس في 24 ماي 1974، وهو ما يضر بمصالح المواطنين الجزائريين وحقوقهم.
وفي هذا السياق، أكدت مصادر مطلعة لـ “دزاير توب” أن السلطات الفرنسية تمتنع وبشكل متعمد ومنهجي عن إبلاغ القنصليات الجزائرية قبل توقيف أو اعتقال المواطنين الجزائريين على أراضيها، مخالفة بذلك المادة 36 من اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية (1963)، التي تنص بشكل واضح على أنه يجب على أي دولة موقعة أن تبلغ القنصلية على الفور بمواطن أجنبي في حالة القبض عليه أو احتجازه.
إنّ هذا التجاهل الذي تصرّ عليه السلطات الفرنسية في تعاملها مع مواطنين جزائريين تقوم باعتقالهم دون إبلاغ لمصالح الممثلية الدبلوماسية للدولة الجزائرية على أراضيها، يحول دون تنفيذ الحماية القنصلية، التي تشمل المساعدة القانونية والدعم النفسي وضمان الحقوق الأساسية للمحتجزين.
وقد أثبتت العديد من الحالات الموثقة أنّ مواطنين جزائريين محتجزين في فرنسا لم يتمكنوا من الاستفادة من الدعم القنصلي، ما يمثل انتهاكاً صارخاً للاتفاقية المذكورة، من قبل السلطات الفرنسية التي تصرّ على تجاهل الحقوق الأساسية لمن تقوم بإيقافهم من المواطنين الجزائريين على أراضيها.
كما تتعارض الممارسات الفرنسية مع المعايير الدولية، ولا سيما الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، خاصة ما تعلّق بالحق في محاكمة عادلة (المادة 6 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان)، والحق في الحصول على معلومات حول أسباب الاعتقال، والحق في الحصول على معاملة إنسانية وكريمة أثناء الاحتجاز، على غرار ما أفاد به المعتقلون الجزائريون عن ظروف احتجاز مهينة ومحدودية إمكانية الاستعانة بالمترجمين الفوريين أو المحامين.
إلى جانب ذلك تفرض السلطات الفرنسية على الموقوفين الجزائريين التقيّد بإجراءات تعسفية في ما يتعلق بتقديم تصاريح المرور القنصلية، والتي تطالبهم بتقديمها على الرغم من عدم إبلاغ القنصليات الجزائرية بتوقيفهم خلال الإطار الزمني المطلوب، وتتسبب هذه الممارسة في خلق حلقة مفرغة حيث لا تتمكن القنصليات الجزائرية من التصرف بفعالية بسبب نقص المعلومات في الوقت المناسب، الأمر الذي يؤدي إلى تأخير الإجراءات الإدارية والقضائية، وبالتالي إطالة أمد احتجاز المواطنين الجزائريين.
ولم يقتصر الانتهاك الذي تمارسه فرنسا ضدّ حقوق المواطنين الجزائريين على مضمون الاتفاقية الثنائية لعام 1974، بل طال أيضا الاتفاقية الفرنسية الجزائرية لعام 1968، التي تهدف إلى ضمان حقوق محددة للمواطنين الجزائريين على أراضيها، لا سيما فيما يتعلق بالإقامة والعمل والحماية الاجتماعية، حيث أُفرغت هذه الاتفاقية تدريجياً من مضمونها كما تم الحدّ من تطبيق أحكام الاتفاقية، على إثر اعتماد مجلس الدولة والمحاكم الإدارية الفرنسية تفسيراً مقيداً لأحكامها.
ومن بين مظاهر القيود المفروضة على حقوق المواطنين الجزائريين رفضُ تصاريح الإقامة أو الحقوق الاجتماعية للمواطنين الجزائريين، على الرغم من الحالات التي ينبغي أن تشملها اتفاقية 1968.
كما أصبحت منصة ANEF (الإدارة الرقمية للأجانب في فرنسا)، التي من المفترض أن تبسط الإجراءات الإدارية، تشكّل عائقا كبيرا أمام المواطنين الجزائريين، وغالبًا ما تكون الإجراءات عبر الإنترنت معقدة وليست بديهية للغاية، مما يثبط عزيمة المستخدمين، إلى جانب أنّ القرارات التي يتم اتخاذها من خلال الصندوق الوطني للكهرباء غير واضحة، دون تفسيرات مقنعة.
وغالباً ما تكون أوقات معالجة الطلبات طويلة للغاية، مما يترك المواطنين في حالة من عدم اليقين، بل حتى حاملي الجنسية الفرنسية من الجزائريين مزدوجي الجنسية يواجهون صعوبات، الأمر الذي يثير تساؤلات حول التمييز المنهجي.
كما تظهر البعثات القنصلية الجزائرية اجتهادا ملحوظا في معالجة طلبات المرور، بمعدل معالجة يتراوح بين 70 إلى 80%، لكن السلطات الفرنسية تحاول إلقاء اللوم على الجزائر، من خلال خطابات مغلوطة وادعاءات لا أساس لها من الصحة، على غرار ما تتهم به وزارة الداخلية الفرنسية الجزائر من عدم تعاون، بينما تثبت الأرقام عكس هذه المزاعم الكاذبة التي تهدف من خلالها السلطات الفرنسية إلى صرف الانتباه عن تقصيرها خاصة فيما يتعلق بالإخطار بالاعتقالات.
لقد قامت اتفاقية 1968 على منطق التعاون والمعاملة بالمثل بين فرنسا والجزائر، غير أن القرارات الأخيرة التي اتخذتها المحاكم الفرنسية تتعارض مع هذه الروح، الأمر الذي يؤدي إلى خلق اختلال في التوازن في العلاقات الثنائية بين البلدين.