لم يوفر نظام المخزن أدنى جهد كي يغتال حلم بناء الاتحاد المغاربي الذي كانت تطمح إليه شعوب المنطقة قبل قياداتها السياسية التي سعت بعضها، وخاصة الجزائر، جاهدة من أجل وضع في سكة التقدم والازدهار، وقد حاول ملك المغرب الحسن الثاني منذ اليوم الأول للإعلان عن تأسيس هذا الكيان المغاربي الجامع في 17 فيفري 1989 لأن يستخدمه من أجل أغراضه الدنيئة في بسط سيطرته على الصحراء الغربية، عبر الابتزاز تارة والاستفزاز تارة أخرى.
وقد أثبتت الأيام أن السبب الرئيس والمباشر في فشل منظومة الاتحاد المغاربي وإخفاقها في القيام بعملها من أجل تحقيق أهدافه في الشراكة والتعاون والتكامل والاندماج، هو بقاء المغرب تحت حكم نظام ملكي على خلاف دول المغرب العربي الأربعة بأنظمتها السياسية الجمهورية (الجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا ) وحتى الجمهورية الصحراوية التي يحتلها هذا النظام التوسعي، الذي سعت الجزائر جاهدة لغض الطرف عن سياسته التوسعية هذه من أجل تحقيق غاية لمّ شمل الأشقاء المغاربة تحت سقف واحد، على أمل أن يعود للمغرب رشده في يوم من الأيام حينما يرى الشعوب المغاربية وهي تجني ثمار هذا الاتحاد.
غير أنّه وللأسف الشديد، لم تتوقف الممارسات الاستفزازية من الجانب المغربي الذي كان يرى الجزائر الدولة الوحيدة التي تتقاسم حدود برية مع جميع دول المغرب العربي، ما يؤهلها من حيث المنطق الجيوسياسي لأن تلعب الدور المحوري فيه، عن استخدام ملف الاتحاد المغاربي من أجل مساومة الجزائر على هذا الدور المستحق بغرض أن تذعن لإرادته الشريرة في الإبقاء على الوضع في الأراضي الصحراوية وفق الواقع الذي يفرضه الاحتلال المخزني لها، وبالتالي التراجع عن موقفها الداعم للشرعية الدولية والنابع منها أصلا، في تأييد حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره واستقلاله.
وبعد مرور 30 سنة عن الإعلان عن تجميد اتحاد المغرب العربي من قبل وزير الخارجية المغربي وقتها عبد اللطيف الفيلالي، الذي تحتضن بلاده مقر الأمانة العامة للاتحاد، وهذا دليل آخر على تنازل الجزائر وصدق نيتها في بعث مغرب عربي قوي تكون فيه لجميع دوله الأحقية في احتضان مؤسساته دون أن تستأثر فيه الجزائر بمؤسسة من حجم الأمانة العامة، بعد مرور 30 سنة لا يزال المغرب يستخدم هذه المؤسسة التي أصبحت جثة هامدة من أجل ابتزاز الجزائر ومساومتها في أن يبقى المغرب داخل الاتحاد المغاربي حتى يحافظ على شرعيته مقابل تنازلها له عن موقفها الداعم لحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره.
لقد بلغ الغباء الممزوج بالطمع مبلغه لدى النظام المخزني المتعفن، فبعد أن استنفد جميع الوسائل لكي يجعل الجزائر تخضع لنزواته، لا يزال يعتقد أنه باختطافه للأمانة العامة للاتحاد المغاربي سيكون بمقدوره إرغام الجزائر على القبول بخزعبلاته، سلوك لا يختلف كثيرا عن تصرف الجامعة المغربية لكرة القدم التي استخدمت قميص فريق نهضة بركان ذهابا وإيابا من أجل فرض تصور المخزن على أرضية ميدان كرة القدم الذي من المفترض أن يكون بعيدا عن أي مهاترات سياسية ويظل محافظا على بياض اللعب النظيف.
ومرورا بتلفيق تهم جزافية للجزائر، على إثر عمل إرهابي استهدف فندقا بمراكش في 1994 تبين لاحقا براءتها منه، وفرض التأشيرة على الجزائريين وترحيل من كانوا يومها على التراب المغربي بطريقة قانونية، وصولا إلى تحويل القصر الملكي المغربي لمنصب الأمين العام للاتحاد المغاربي إلى منصب “دبلوماسي مغربي” في خدمة سياسات المخزن المشبوهة والرامية إلى الاستمرار في اختطاف مؤسسة مغاربية من أجل ابتزاز الجزائر، أصبح من الواجب والضروري أن تقوم الجزائر بحركة تصحيح داخل المنظومة المغاربية، ليأتي لقاء الرئيسين الجزائري عبد المجيد تبون والتونسي قيس سعيد ورئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي في الجزائر على هامش قمة الغاز، من أجل وضع تصور لعمل مغاربي جاد وواقعي بعيد عن شطط القصر الملكي المغربي.
وفي سيره نحو تحقيق أهداف عمل مغاربي منتج وفعال في صالح شعوب المنطقة، يبقى الرهان على الشعب المغربي في أن يفرض التحاقا لدولة المغرب إلى الفضاء المغاربي الجديد، ولعل بداية التفكير لتحقيق هذا الهدف تكون برؤيته لمكمن نجاح الاتحاد المغاربي في نسخته الجديدة التي ستلتحق بها موريتانيا بكل تأكيد، فالمسألة مسألة وقت، والذي يتمثل في كون دول الاتحاد المغاربي الجديد هي جمهوريات تستمد ثقلها السياسي من شعوبها المتحررة من أي سيطرة سلطوية قد يفرضها نظام ملكي واستعماري كالنظام العلوي الذي يفتعل الأزمات من أجل القضاء على أيّ مشروع وحدوي ونهضوي مغاربي.