مناورة دبلوماسية أخرى فاشلة للسفير الفرنسي الأسبق كزافييه درينكور ضد سيادة الجزائر

مناورة دبلوماسية أخرى فاشلة للسفير الفرنسي الأسبق كزافييه درينكور ضد سيادة الجزائر

في مقابلة أجراها مؤخرا مع القناة التلفزيونية المغربية “ميدي 1″، أطلق كزافييه درينكور، السفير الفرنسي السابق في الجزائر، مرة أخرى سلسلة من الانتقادات المثيرة للجدل والتي لا أساس لها من الصحة، حيث استهدف من خلالها السياسة الخارجية والهوية الوطنية للجزائر، ولا تكشف تصريحات درينكور عن افتقاره إلى ضبط النفس الدبلوماسي فحسب، بل تكشف أيضًا عن إحباطه العميق من موقف الجزائر الحازم بشأن سيادتها وروايتها التاريخية.

وقد زعم درينكور، الذي شغل منصب المبعوث الفرنسي إلى الجزائر خلال فترة حساسة بشكل خاص، أن تحول الرئيس إيمانويل ماكرون نحو المغرب كان نتيجة لفشله المزعوم في المصالحة مع الجزائر. وبحسب درينكور، فإن جهود ماكرون الطموحة لاستعادة العلاقات مع الجزائر، والتي تضمنت إيماءات رمزية مثل الاعتراف بالجرائم الاستعمارية التي ارتكبتها فرنسا وإعادة رفات مقاتلي المقاومة الجزائريين، قوبلت بـ”مقاومة” و”عناد” من جانب القيادة الجزائرية. ومع ذلك، في روايته، أغفل درينكور عن قصد حقيقة مفادها أن مطالب الجزائر لم تكن تتعلق ببساطة بالمجاملات الدبلوماسية، بل كانت متجذرة في الجروح غير الملتئمة للتاريخ الاستعماري وفشل فرنسا في معالجتها بشكل مناسب.

إن رواية درينكور منحازة بشكل ملحوظ، حيث تصور مبادرات فرنسا على أنها كريمة وردود أفعال الجزائر على أنها لا تقل عن التعنت؛ ففي تحليله، لا يبالغ درينكور في “كرم” ماكرون المفترض فحسب، بل يقوض أيضًا المخاوف المشروعة للجزائر بشأن ماضيها الاستعماري، ومن المعروف أن فرنسا، على الرغم من سلسلة من الإيحاءات الرسمية، لم تكفر بعد بشكل كامل عن إرثها الاستعماري الوحشي في الجزائر، وهي الأمة التي تحملت أكثر من قرن من الاستغلال والعنف والمحو الثقافي المنهجي. ومحاولة درينكور لتصوير هذا باعتباره فشلاً دبلوماسياً من جانب الجزائر هي إهانة للذاكرة الجماعية للشعب الجزائري.

وعلاوة على ذلك، فإن محاولة درينكور لمقارنة جهود المصالحة الفرنسية الفاشلة مع الجزائر بالتطبيع السريع للعلاقات مع المغرب ليست مضللة فحسب، بل إنها تعكس عدم فهم – أو ربما تجاهلًا متعمدًا – لتعقيدات السياسة الخارجية الجزائرية. إن القطيعة الدبلوماسية التي استمرت ثلاث سنوات بين فرنسا والمغرب، كما يعترف درينكور، كانت بسبب فضيحة تجسس شملت أجهزة الاستخبارات المغربية، وليس مجرد مناورات سياسية. لقد كان خرق الثقة من جانب فرنسا مع المغرب هو الذي أدى إلى هذا الخلاف المؤقت، إلا أن درينكور اختار تجاهل هذه الحقيقة غير المريحة لصالح رسم صورة للكرم الفرنسي والعناد الجزائري.

وعلاوة على ذلك، فإن تعليقات درينكور بشأن “ملف الذاكرة” وقضايا التأشيرات تسلط الضوء مرة أخرى على تجاهله لحق الجزائر المشروع في معالجة الظلم الذي ارتكبته فرنسا. إن القانون الفرنسي لعام 2005 الذي احتفى بالاستعمار لم يكن مجرد خطأ تشريعي؛ بل كان إهانة متعمدة لكرامة الجزائريين، وقد تسببت عواقبه في ضرر لا رجعة فيه للعلاقات الفرنسية الجزائرية، كما أن مطالبة الجزائر لفرنسا بالاعتراف بجرائمها ضد الإنسانية ليست مجرد تكتيك سياسي بل التزام أخلاقي، ومحاولة درينكور التقليل من أهمية هذه القضية تتحدث كثيرًا عن الموقف الفرنسي المستمر من الإنكار والغطرسة عندما يتعلق الأمر بتاريخها الاستعماري.

وفي مقابلته، أكد درينكور أيضاً على استمرار الخطاب المناهض لفرنسا في الجزائر، متهماً إياها بتعزيز مناخ القومية المعادية لفرنسا. ورغم أنه من الصحيح أن الجزائر لا تزال تتذكر نضالها التحرري، فإن هذا بعيد كل البعد عن الموقف غير العقلاني أو العدائي. فهو احتفال باستقلال تم تحقيقه بشق الأنفس، وانعكاس لقدرة الأمة على الصمود، وتحدٍ للمحو التاريخي الذي حاولت القوى الاستعمارية السابقة محوه. والواقع أن اقتراح أن تتخلى الجزائر عن ذاكرتها الثورية من أجل الدبلوماسية ليس ساذجاً فحسب، بل إنه أيضاً مسيء.

إن رواية درينكور عن الفترة التي قضاها في الجزائر مشبعة بالاستعلاء، حيث يصف البلاد بأنها مكان للفخاخ الدائمة والمخاطر الخفية. وتكشف ملاحظاته حول حذر القيادة الجزائرية في التفاعلات الدبلوماسية عن إحباطاته أكثر من أي فهم حقيقي للمصالح الوطنية للجزائر. إن تأكيده على أن الجزائريين يجب أن ينسوا تاريخهم ويقبلوا الإيماءات الفرنسية غير المكتملة للتكفير لا يؤدي إلا إلى تعزيز الفجوة بين النظرتين الفرنسية والجزائرية للعالم.

وإنّه لمن الواضح أن تعليقات درينكور تمثل تمريناً في تبرير الذات وليس دبلوماسية صادقة، فمزاعمه حول حسن النية الفرنسية ونكران الجزائر للجميل تكشف عن تردد عميق الجذور داخل دوائر فرنسية معينة في التعامل بصدق مع واقع الجزائر ما بعد الاستعمار. وبدلاً من الاعتراف بالتعقيدات التي تحيط بأمة ناضلت من أجل الاستقلال والسيادة، فإن تعليق درينكورت يقع في فخ إلقاء اللوم على الضحية عن الجرائم التي ارتكبت ضدها.

وفي الختام، فإن تعليقات درينكور ليست مجرد إهانة لكرامة الجزائر فحسب، بل إنها أيضاً عرض محرج لعجز فرنسا عن مواجهة ماضيها الاستعماري. إن مقاومة الجزائر المستمرة للمبادرات الدبلوماسية الفرنسية لا تنبع من عدم الرغبة في الانخراط، بل إنها تنبع من مطالبة مبررة بالعدالة والاعتراف والاحترام. وإلى أن تتصالح فرنسا بشكل كامل مع ماضيها وتعالج الجروح العميقة التي خلفتها في الجزائر، فإن أي محاولات للمصالحة ستظل جوفاء وبلا جدوى.