منذ مدة ليست بالقصيرة، اخترت الصمت قدر الإمكان عن الحديث عن المغرب، إلا دفاعًا عن وطني وفي مناسبات محدودة.
ومنذ الأمس، تتوالى الرسائل التي تطلب مني التعليق على تصويت مجلس الأمن الداعم لما يسمّى “الحكم الذاتي” في الصحراء الغربية تحت السيادة المغربية.
بصراحة، هذا الموضوع بالنسبة لي لا حدث، ولا يستحق أن يشغل الجزائر أكثر مما فعل. فالجزائر — كما كانت دائمًا — تدعو إلى حل سلمي عادل لهذا النزاع الممتد منذ نصف قرن، في إطار لوائح الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن، لكن بين الأمس واليوم، تغيّرت قواعد اللعبة.
فمجلس الأمن نفسه، الذي وُجد لحفظ السلم، بات عاجزًا عن أداء دوره، بعدما أصبحت المصالح تحرّك الضمائر، والمال يوجّه البوصلة، ويميل التصويت نحو من يدفع أكثر أو يتنازل أكثر.
ولهذا كانت الجزائر سبّاقة في الدعوة إلى إصلاح مجلس الأمن، والمطالبة بمنح إفريقيا صوتًا حقيقيًا داخله، فهل يُعقل أن تُحسم قضية إفريقية في قاعات تصويتٍ بعيدةٍ عن القارة؟ وهل من المنطق أن تفصل فيها دول لم تعرف من واقعنا سوى ما خلفه استعمارها القديم؟
اليوم، وفي زمنٍ انهارت فيه المعايير وتآكلت الأخلاق السياسية، لا يمكن للجزائر وحدها أن تحارب العالم باسم المبادئ.
صحيح أن صوتها لا يزال عاليًا في حركة عدم الانحياز، وفي الاتحاد الإفريقي، وحتى في مجلس الأمن كعضو غير دائم، لكن فلنكن صريحين: طالما بقي حق الفيتو حكراً على الكبار، فالكلمة الأخيرة ليست للحق بل للقوة.
لذلك، أدعو سلطات بلدي إلى أن تُوجّه جهدها وطاقتها لخدمة مصالح الجزائر أولاً، لأن النيف والرجلة والنية الطيبة والمبادئ الصافية — رغم شرفها — لم تعُد وحدها عملةً متداولة في سوق السياسة الدولية التي تُدار اليوم بمنطقين لا ثالث لهما: القوة والمصالح.
وكلما تمسكت بهذه المبادئ ودافعت عن المستضعفين تحالف ضدها الأعداء وتكالبت عليها قوى الشر، وهذا يفوق طاقتها وقدرتها على التحمل، وتتوسع عليها جبهات المعارك الدبلوماسية التي تستنزفها، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
أما في قضية الصحراء الغربية، فهناك أمرٌ واقعٌ فُرض بمنطق القوة على شعب مستضعف، لا يملك اليوم سوى خيارين: القتال أو الرضوخ.
وفي غرة نوفمبر، هذا التاريخ الذي علّم العالم معنى التضحية من أجل الحرية، نتذكّر أن الجزائر قدّمت للإنسانية درسًا خالدًا: أن الاستقلال لا يُمنح بل يُنتزع، وأن الحرية لا تُشترى بالوعود بل تُروى بالدماء.
آنذاك، واجهت الجزائر أعتى استعمار في التاريخ — فرنسا، ومن خلفها حلف الناتو — بينما كان مجلس الأمن نفسه يُدير ظهره لها، وكانت القوى الكبرى تصمّ آذانها عن أنين الملايين من الشهداء والمجاهدين، تصفهم بالإرهابيين والمخرّبين.
لكن شمس الحرية أشرقت رغم كل شيء، وهكذا ستشرق شمس الحق دومًا، فما ضاع حق وراءه مطالب، وفي هذا اليوم من نوفمبر المجيد، نقول لكل الشعوب التي ما زالت ترزح تحت نير الاحتلال — من فلسطين إلى الصحراء الغربية — إن طريق الانعتاق واحد، ودروس التاريخ لا تتغير: ما أُخذ بالقوة، لا يُسترجع إلا بالقوة.
بقلم الاعلامي كريم قندولي
