اسمه لايزال يدوي بين الخشبات الثلاث لملعب خيخون، كتب اسمه بأحرف من ذهب مع المنتخب الوطني الجزائري في الفترة الممتدة ما بين 1975 و1986، كان أول من حرس عرين الخضر في نهائيات نهائيات كأس العالم، إنه مهدي سرباح صانع الأفراح الذي فارق الحياة مخلفا ورائه مسيرة كروية حافلة بالإنجازات.
لا يمكن أن نذكر منصب حراسة المرمى في تاريخ المنتخب الجزائري، من دون ذكر الحارس مهدي سرباح، فقد طاوله في هذا المنصب عبر التاريخ وهاب رايس مبولحي فقط، حيث جاء سرباح بعد أساطير الحراسة مثل ناسو ووشان وعبروق وحنشي، وبقي في منصبه برغم تعدد المدربين من مخلوفي وسعدان ورايكوف ولموي وروغوف، إلى أن حلّ محي الدين خالف، فكان له رأي آخر، بضخ حارس شاب كان يؤمن كثيرا بمواهبه وهو حارس شبيبة القبائل مراد عمارة ولم يكن حينها قد بلغ العشرين.
سرباح الفتى اليافع الذي برز في نهائي الألعاب المتوسطية
ذاع صيت مهدي سرباح وعمره 23 سنة في نهائي الألعاب المتوسطية سنة 1975 التي لعبت في الجزائر، حيث تلقى هدفا في بداية المباراة من تسديدة من 30 مترا، من اللاعب الفرنسي لافوكا، في المباراة النهائية الشهيرة بين “الخضر” وفرنسا في إطار ألعاب البحر المتوسط أمام أنظار 100 ألف مناصر في ملعب 5 جويلية المعشوشب اصطناعيا، وكان على رأسهم الرئيس الراحل هواري بومدين، ومع ذلك قلب مهاجم القبة كاوة وجناح
مولودية العاصمة بتروني ومدافع تيزي وزو منقلاتي الموازين، برغم من هدف ثاني هز شباك سرباح من ركلة جزاء فرنسية.
طاول عمالقة ألمانيا في موقعة خيخون
ورُصّع عنق سرباح ورفاقه بالميدالية الذهبية في مباراة تاريخية، ثم انتزع شهرته العالمية في مباراة ألمانيا الاتحادية الشهيرة في خيخون في 16 جوان سنة 1982، عندما طاول العملاق روباش مهاجم هامبورغ الشهير بطوله وقوته البدنية، والأساطير برايتنير ورومينيغي وليتبارسكي، وكان ضمن صانعي الملحمة التاريخية بالفوز على ألمانيا الاتحادية بهدفين لهدف واحد وهي أول مباراة أخرجت الجماهير احتفالا إلى الشوارع، قبل أن يعتزل في صمت، وحتى عندما اختار التدريب في أول الرحلة، فضل الابتعاد إلى دول الخليج العربي، ولاحظ الناس أن مهدي سرباح أقل المتحدثين من جيل خيخون، إذ يملأ البقية البلاتوهات الكروية، ويغيب سرباح الطيب والخلوق، إلى أن كان أول المغادرين إلى العالم الآخر، من المشاركين في كأس العالم، من الأجيال الأربعة التي شاركت في هذه المنافسة من سنة 1982 إلى سنة 2014، من لاعبين ومدربين، تاركا من خلفه أمجادا بخمس بطولات مع القبائل والقبة وميداليات مع “الخضر” في الألعاب المتوسطية والألعاب الإفريقية ومشاركة واحدة في كأس العالم في مونديال إسبانيا حيث تلقى خمسة أهداف أمام ألمانيا والنمسا والشيلي.
“ذكريات حارس مرمى” الكتاب الذي يخلد إنجازات الأسطورة سرباح
وفقدت الكرة الجزائرية وجها كرويا من طينة الكبار، ويتعلق الأمر بالحارس الدولي السابق مهدي سرباح عن عمر ناهز 68 سنة بعد معاناته من مرض عضال، وهو الأمر الذي خلف الكثير من الحزن وسط الجماهير الكروية والشعب الجزائري بشكل عام، ما يعكس مكانة سرباح كدولي سابق نقش اسمه بأحرف من ذهب، وهو الذي تألق مع المنتخب الوطنية والأندية
التي حمل ألوانها خلال السبعينيات والثمانينيات، مثلما ترك كتابا يخلد انجازاته في ظاهرة تبدو نادرة لدى نجوم الكرة التي نادرا ما تفكر في تأليف مذكرات وإصدارات من هذا النوع.
ولم تخف الجماهير الجزائرية تأثرها بخبر وفاة الحارس الأسطوري مهدي سرباح الذي ترك بصمة نوعية في سجل الكرة الجزائرية، سواء مع المنتخب الوطني أم بألوان الفرق التي حمل ألوانها طيلة مشواره الكروي الذي جمع بين التألق فوق المستطيل الأخضر وسمو الأخلاق، ما جعله يحظى باحترام الجميع.
مسيرة كروية حافلة بالإنجازات
وإذا كان الكثير يحتفظ بالصور الجميلة التي صنعها مهدي سرباح في مونديال 82 بإسبانيا، بعد مساهمته الفعّالة في الفوز التاريخي أمام المنتخب الألماني، بفضل تدخلاته التي جمعت بين الشجاعة والاستعراض، فإن النقاد والعارفين بمسيرته يجمعون على إمكاناته العالية التي جعلته يساهم في إنجازات هامة مع المنتخب الوطني، من ذلك إحراز ميدالية العاب البحر المتوسط عام 1975 ضد فرنسا، وذهبية الألعاب الإفريقية عام 1978، إضافة إلى تنشيط نهائي كأس أمم إفريقيا بنيجيريا عام 1980، ومشاركته في منافسات قارية وعالمية معروفة وبصفة متتالية إلى غاية اعتزاله منتصف الثمانينيات، كما احتفظ سرباح بعدة أرقام هامة لعدة سنوات قبل أن يحطمها تدريجيا رايس مبولحي في السنوات الأخيرة، وفي مقدمة ذلك مدة الحفاظ على الشباك وعدد المشاركات، حيث سعد سرباح أحد الحراس الأفضل مشاركة مع المنتخب الوطني.
أحسن ما أنجبت الكرة الجزائرية في منصب حراسة المرمى
من جانب آخر، فإن الأشياء التي أشاد بها الكثير تزامنا مع تألقه فوق الميدان لسنوات طويلة، وهو الذي يعد أحد أبرز عناصر جيل الثمانينيات،
فقد صدر له كتاب قبل أشهر قليلة عن رحيله، تحت عنوان “ذكريات حارس مرمى”، حرر بالفرنسية الأستاذ أحمد بوعادو، وهو كتاب تضمن ذكريات سرباح مع الجلد المنفوخ وحراسة المرمى، وذلك بداية من اتحاد الجزائر ثم انتقاله إلى شبيبة القبائل في العام 1972، وصولا إلى تجربته الاحترافية القصيرة بكندا مباشرة بعد مونديال اسبانيا 82، ثم عودته إلى الجزائر من بوابة رائد القبة إلى غاية اعتزاله في العام 1986. وخلال هذه المسيرة الطويلة والمتنوعة فقد نال تتويجات مهمة وحقق إنجازات نوعية، حيث حصل على لقب البطولة مع شبيبة القبائل عامي 1977 و1982، مثلما نال كأس الجزائر في ذات العام (1977)، كما توج بالبطولة مع رائد القبة عام 1981، في الوقت الذي حمل ألوان المنتخب الوطني لمدة طويلة، وذلك في الفترة ما بين 1975 و1985، حيث يعد أحسن حارس مطلع الثمانينيات، بفضل مشاركته التاريخية في مونديال إسبانيا وتنشيط نهائي “كان 80″، إضافة إلى مشاركته في نسختي 82 و84 من كأس أمم إفريقيا، وقبل ذلك تتويجه بذهبية ألعاب البحر المتوسط عام 1975 وذهبية الألعاب الإفريقية عام 78، ما جعل المتتبعين يجمعون بأن مهدي سرباح يعد أحد أحسن ما أنجبت الكرة الجزائرية.
كفاءة وأخلاق عالية…
وإذا كان مهدي سرباح قد رحل عنا، إلا أنه عرف كيف يكسب قلوب الناس بتألقه فوق الميدان وأخلاقه العالية خارجه، وهذا باعتراف زملائه والمدربين الذين أشرفوا عليه، ما يجعله حسب الكثير قدوة ومرجعا مهما لأي موهبة كروية تريد التألق أن ضمان النجاح يتطلب العمل الجاد والتحلي بمسو الأخلاق في الأول والآخر.
الاتحاد القطري يعزي الفاف في وفاة سرباح
عبّر الاتحاد القطري لكرة القدم، عن تعازيه القلبية للاتحاد الجزائري لكرة القدم “الفاف”، إثر وفاة الحارس الأسبق للخضر مهدي سرباح
وتلقى رئيس الفاف شرف الدين عمارة، رسالة من نظيره القطري حمد بن خليفة بن حمد آل ثاني، يعزيه من خلالها في وفاة مهدي سرباح.
ودعى رئيس الاتحاد القطري لكرة القدم، المولى عزّ وجل، أن يتغمد فقيد كرة القدم الجزائرية، برحمته الواسعة، وأن يلهم ذويه الصبر والسلوان.
عيبود لـ “دزاير سبور”:” سرباح كان من أفضل الحراس في الجزائر وتأثرنا كثيرا لرحيله”
أعرب اللاعب السابق لفريق شبيبة القبائل والمنتخب الوطني سابقا ميلود عيبود عن حسرته الشديدة لرحيل حارس عرين الخضر السابق مهدي سرباح، وقال عيبود في تصريح لقناة دزاير توب أن مهدي سرباح كان من أفضل الحراس في الجزائر بشهادة الجميع
وأضاف ميلود عيبود بأن الراحل مهدي سرباح عانى من مرض عظال في الأيام القليلة الماضية وأجرى عدة عمليات جراحية مستطردا كلامه بالقول أن هناك عدة لاعبين قدامى يعانون في صمت متمنيا الشفاء العاجل لهم .
محمد كويسي لـ “دزاير سبور” : ” سرباح كان إنسانا محترفا ورحيله ترك فراغا رهيبا”
من جهة أخرى قال الدولي الجزائري السابق محمد كويسي بأنه تأثر كثيرا لرحيل أسطورة حراسة الكرة الجزائرية مهدي سرباح ، وقال كويسي في تصريح لقناة دزاير توب بأن رحيله ترك فراغا رهيبا وسط اللاعبين القدامى بحكم أنه كان يجتمع بهم من حين لآخر
واستحضر كويسي ذكرياته مع بطل ملحمة خيخون حيث قال بأنه كان يواظب كثيرا في التدريبات ويتدرب لساعات إضافية وهو ما يدل على احترافيته والمكانة الكبيرة التي وصلها في منصب حراسة المرمى، داعيا المولى عز وجل أن يتغمده برحمته الواسعة.