مِهنٌ مُختارة..بقلم/أسماء سالمي

مروان الشيباني

أتساءل أحياناً ، لماذا تتغنى الكتابات بالأمِ وحنانها، و تدمع الأقلام المبدعة سيولاً من حبر الكلام الشاعر بالأم وقلبها الرؤوف ، بينما نراها تتكاسل و تخِرُ قِواها فيما يناظرها من عطفِ الأب وحنانه ؟!!…..فلنقف قليلا مع هذه الايات حين قال تعالى :
“وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَىٰ نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ”( هود : 42) لهذا سأحدّثكم اليوم قليلا عن أبي الذي أحمل اسمه بكلّ فخرٍ…

والدي من مواليد”1964″ إشتغل أستاذاً منذ سنة 1987 إلى يومنا هذا…كان إماما و خًطيبا لكنّه لم يلبثْ طويلاً و توّقف عن الإمامةِ لأسبابٍ عديدة…إضافة إلى جماله الجذّاب وشخصيته القويّة اشتهر بالنزاهةِ في آدائه لعملهِ… يُعطي كلّ ذي حقّ حقّه ، لا يؤمن لا بالرشوة ولا بالتمييز خاصّـة بين أبناء زملاءه وزميلاته, مثلما نرى اليوم للأسف من ظواهر شاذّة في قطاع التعليم…أقول: لكنّهُ لا يزال مثلما عهدته ذلك الأبُ الخلوقُ الصادقُ الصدوقُ، هادئ الأعصاب لا يًحرّكُ ساكنًا مهما كان حجمُ المشكلة ، صبور عند كلّ أزمة أو مُصيبة، عديم الشّكوى و التذمّر…فطيلة 27 سنة التي مضت من عمري لم أسْمعه يشتكي إلى يومنا هذا.. هو ذلك الأمينُ الكريم عكْس ما يُشاع عن الأساتذة أنّهم بُخلاءٌ، أبي الطيّب الحنون… اللّطيف دون تصّنع أو ابتذال…فأجمل ما في والدي أنّ روحه لا تزال كورقة بيضاء كطِفلٍ صغيرٍ..خالٍ من كلّ حقدِ أو ضغينة أو كبرياء ….. عند كلّ سوء فهم يوصينا دوما أن نُسامح ونتسامَح مع الطرفِ الآخر، أن نَعتذر و أن تقبل الإعتذار مهما كانت غلطاُتً الآخرين وغلطات.

أبي رَجُـــــلٌ انطبقت عَليه أوصَافُ الملائكةِ .. أم مَـــــلاكٌ انطبقت عَليه أوصافُ الرجالِ؟
منذ ما يُقارب الخمس سنوات صار يمارسُ الفِلاحة لأنّه شَعر بالفراغِ و الوحدة بعد استقالته من حركة مجتمع السّلم، نظراَ لتغيّر في المبادئ و الأنفسِ، وحبّ المصالح الشخصية و الأطماع… وهذا ما يتعارضُ مع قوانينه ….نجدُه كلّ صباحٍ بعد صلاة الصُّبح في العُطَلِ المدرسيّة بحكم أنه لم يتقاعدْ بعدُ و أعتقد أنّ هذا عامه الأخير في سِلك التعليمِ… يُقلّب الأرضَ…يحملُ الأحجارَ ويقلّم النباتات ولا يترّفع أبدا ولا يتكبّر عن هاته المهنة(أحيانا أقول له أنا وأمّي و عمّي الأكبر حفظهُ الله: يكفيك تعبا وأخطيك من هاذ الخدمة راك تعبتي ياسر التعليم يشيّبْ و يريّبْ….فنراه يُطأطأ رأسه صامتا لا يحرّك ساكنَا مواصلا عمله دون كللٍ أو مللٍ). يقول لي تلك الأرض يخدمها ليس طمعاً في ما يجنيه من أموالٍ منها أو رغبةً منه في إثراء رصيده، لكن هي أرض الآباء و الأجداد فيها خُلِقَ ومن ثمراتِ بساتينها كبُر هو وسَائر إخواته ….. اليوم لمّا أذهب لبيتِ جدّي وقليلا ما أفعلْ، تنهمرُ الدّموعُ من مُقلتّي انهماراً تلقائيّاً ، لأنّي أحسّ أنّ التراب المبللّ هو من عرقِ أبتي و ليسَ من ماء السماء و الأمطارِ…أشعرُ أنّ الريّاح التي تهبّ هي تنهدّانه من التعب و الشقاء و ليست ظاهرةً طبيعيةَ …يُؤلمُني أنْ أرى والدي يشقى ،لكن سريعا ما تتلبّدُ أحْزاني لمّا أرى أنه يُطعِمنا رزقًا حلالاً طيّبـا مبارَكًا …أنا سعيدةُ ومحظوظة لأنّ الجميع من يَعرفنا ويعرفُه يتمنّى أن يَكون له أبُ مثل والدي.

أبي .يا صاحب القلب الكبير …يا صاحب الوجه النضير …يا تاج الزمان ..يا صدر الحنان …
أنت الحبيب الغالي ..وأنت الأب المثالي …وأنت الأمير …لو كان للحب وساماً ..فأنت بالوسام جدير …يا صاحب القلب الكبير حبي لك ليس له نظير

❤

الله يحفظ كل الاباء ويرحم من فارقوا الحياة.

شارك المقال على :