نهاية أسبوع مرعبة لدبلوماسية المخزن بعد الزيارة الناجحة للوزير عطّاف إلى الولايات المتحدة
أصيب المخزن مع نهاية الأسبوع الماضي بخيبة أمل كبيرة، حينما نقلت شاشات القنوات العالمية لقاء وزير الخارجية، أحمد عطاف، لدى زيارته إلى واشنطن، بنظيره الأمريكي أنتوني بلينكن.
الزيارة التي لم يكن يتوقعها القصر العلوي، الذي بدا له أنّ الجزائر حوّلت وجهتها الدبلوماسية نهائيا وبالكليّة إلى الشرق، بعد الزيارة الأخيرة للرئيس تبون إلى كلّ من روسيا والصين، وبتأجيل زيارته إلى فرنسا ظنّ مسؤولو المخزن أنّ الجزائر قطعت صلاتها تماما بالمعسكر الغربي.
خيبة الأمل هذه اشتدت وطأتها أكثر حينما أعلن كاتب الدولة للخارجية الأمريكية بلينكن في لقائه بعطاف أنّهما بحثا الشراكة الأمريكية الجزائرية وتبادلا الآراء بشأن أولويات البلدين المشتركة، بما في ذلك الاستقرار في منطقة الساحل والسلام العادل والدائم في أوكرانيا”.
بلينكن أصاب الدبلوماسية المغربية في مقتل حينما أضاف بقوله: “كما أكدنا دعمنا الكامل للعملية السياسية للأمم المتحدة بالنسبة لقضية الصحراء الغربية”، وبهذا يكون بلينكن قد وضع اعتراف الرئيس الأمريكي السابق بـ “مغربية الصحراء” خارج السياق الدبلوماسي لإدارة بايدن، التي أكدت منذ مجيئه إلى السلطة على التزام الولايات المتحدة بالشرعية الدولية في ما يخص هذا النزاع.
النقاش الدبلوماسي الذي خاضته الجزائر ممثلة بوفدها الذي قاده الوزير عطاف، مع الولايات المتحدة تميّز باجتماعات عقدت مع مسؤولين رفيعي المستوى في وزارة الخارجية الأمريكية ومجلس الأمن القومي وعدد من المتعاملين الاقتصاديين الأمريكيين، وعكس إلى أيّ مدى أضحت عليه العلاقات بين البلدين منذ تولي الرئيس تبون السلطة.
أمّا في ما يخص الوضع المضطرب في منطقة الساحل في أعقاب الانقلاب الذي أطاح بالرئيس النيجيري محمد بازوم، فقد كانت المواقف الجزائرية والأمريكية منسجمة ومتناغمة إلى حدّ التطابق، حتّى قبل زيارة الوزير عطّاف، خاصة في ما يتعلّق بالتمسك بالشرعية والتحذير من مخاطر التدخل العسكري.
وبهذا فقد عزّز التماسك بين دبلوماسيتي البلدين الرسالة الواضحة من هذه الزيارة، والتي مفادها أن الجزائر أصبحت شريكًا هامّا ورئيسيًا للولايات المتحدة في مواجهة التحديات الإقليمية، لا غنى لها عنه ولا يمكنها تجاوزه بأيّ حال من الأحوال، خاصة وأنّ رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية وعلى مدى سنوات، يؤكّدون على دور الجزائر الاستراتيجي في مكافحة الإرهاب في المنطقة.
نظام المخزن المصدوم من مخرجات هذه الزيارة أبدى انزعاجا كبيرا حيالها، لكنّه لم يكتف بذلك ولم يبق مكتوف الأيدي، حيث قام بتضخيم جهوده الإعلامية محليًا ودوليًا، في محاولة لإثارة الشعور بالاستياء داخل النظام الغربي ضد الانفتاح الدبلوماسي الجزائري على روسيا والصين.
وسرعان ما رفضت الإدارة الأمريكية المزاعم القائلة بأن سعي الجزائر للانضمام إلى منظمة “البريكس” كان بمثابة عداء للولايات المتحدة وحلفائها، على لسان المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارين جان بيير، حين كرّرت موقف بلادها بأن الدول الشريكة لها حرية التعامل مع دول متعددة، مبدّدة بذلك فكرة الاتجاه الواحد في التحالفات الدولية.
وبهذا يتضح جليا تصاعد الجزائر المتزايد وبروزها كشريك موثوق في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل من خلال زيارة وزيرة الخارجية خلال أزمة الساحل، فهذه الخطوة تعكس ثقة واشنطن بدور الجزائر كعامل استقرار إقليمي، على عكس الطبيعة الوظيفية للنظام المغربي، الذي لم يشارك بفاعلية في معالجة أزمة الساحل رغم تصوير نفسه كحليف غربي في المنطقة.
ومع استمرار تطور هذه الديناميكيات الدبلوماسية، من الواضح أن نهج السياسة الخارجية الاستباقي للجزائر يؤتي ثماره من حيث الاعتراف الدولي والشراكات، في الوقت الذي قوبلت فيه محاولات النظام المغربي لوضع نفسه كحليف وحيد للولايات المتحدة بنهج دبلوماسي شامل لواشنطن.
وفي نهاية المطاف فإنّ التقارب بين الجزائر والولايات المتحدة يؤشر على تحول مزلزل في جيوبوليتيك شمال إفريقيا، وهو تحول يترك النظام المغربي عند منعطف حاسم في صنع القرار ويدفعه حتما للتكيف مع مشهد إقليمي سريع التغير.