هل ابتلع ظهور تبّون الأفاعي المتحفزة؟؟؟   / بقلم الإعلامي نصر الدين بن حديد ..إعلامي جزائري مقيم في تونس …

كحلوش محمد

رغم أنّه بدا نحيفًا ومجهدًا بعض الشيء، إلاّ أنّ ظهور الرئيس عبد المجيد تبّون، من خلال كلمة توجه بها إلى عموم الشعب الجزائري، جاء ليقطع اليقين بالشكّ، بخصوص حالته الصحيّة وبالتالي قدرته على ممارسة مهامه الدستوريّة، عندما ذهبت الأقاويل وامتدّت الإشاعات لتعلن الوفاة أو العجز التام، ومن ثمّة ذهاب البلاد مجدّدا (وفق ذات المصادر) في نسخة جديدة ممّا عاشته البلاد طوال العهدة الرابعة على الأقل من حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.

إضافة إلى الأبعاد الداخليّة الصرفيّة، أي عدم ظهور رأس السلطة التنفيذيّة إلى العلن لفترة زادت عن شهر، في غياب لأيّ معلومات مفصّلة ودقيقة عن الحالة الصحيّة لرئيس البلاد، جاء الظرف الاقليمي وكذلك الدولي على قدر كبير من التوتّر ليحمل الغياب عن الأضواء وكذلك الكلمة التي توجه بها إلى الشعب الجزائري، أكثر من معنى لدى دول الجوار أوّلا، وكذلك لدى جميع العواصم المهتمّة بالشأن الجزائري :

أوّلا : ظرف إقليمي بين عدم الاستقرار والتوتّر، منذ اندلاع ما يُسمّى الربيع العربي، خاصّة لدى دول الجوار، وعلى الأخصّالقطر الليبي الذي يعيش تقسيمًا على أرض الواقع، بين تعطّل أو بطء جميع المصالحات، أو على الأقلّ عدم انطلاقها فعليّا، بما يضمن وحدة هذه البلاد، أوّلا، وقيام سلطة مركزيّة تحتكر السلاح بمفردها، دون الميلشيات والقوات الأجنبيّة، تكون قادرة على ضمان الاستقرار ضمن أبعاده العسكريّة والامنيّة، وكذلك، بل أساسًا الاقتصاديّة ومن ثمّة الاجتماعيّة.

ثانيا : أحداث «الكركرات» وعودة الصراع بين جبهة البوليزاريو والنظام المغربي إلى واجهة الأحداث، في تزامن مع الحملة الاعلاميّة التي أطلقها «المخزن» محمّلا الجزائر ليس فقط ما يراه من تبعات، بل اعتبار الجار الشرقي هو من يقف وراء هذه الأحداث.

ثالثًا : دخول أطراف عربيّة على الخطّ، بدءا باعتبار الطرف المغربي «على حقّ»، وصولا إلى فتح قنصليات في مدينة العيون الصحراويّة.

رابعًا : التطبيع المعلن من قبل «المخزن» مع الكيان الصهيوني الغاصب، أو بالأحرى الخروج به من وراء الستار إلى العلن، وما صاحب (منذ أمد طويل) من ريبة جزائريّة من هذه العلاقة، دون إغفال الاصطفاف الأمريكي المعلن والصريح، عبر اعتبار الرئيس الأمريكي دونالد ترمب أنّ الصحراء الغربيّة «مغربيّة» وكذلك الاصطفاف الفرنسي المتزايد إلى جانب الموقف المغربي.

وسط هذه الأجواء غاب الرئيس الجزائري عن الأنظار وفي خضمها عاد ليظهر عبر حساب تويتر من خلال فيديو، يمثّل في ذاته، نقطة تحوّل قبل الحديث عن محتوى الكلمة.

على المستوى الداخلي، شكّل غياب الرئيس وابتعاده عن الأضواء «معضلة» ضمن الأبعاد البروتوكوليّة الصرفة، بدءا بالتصديق على نتائج الاستفتاء على الدستور ونهاية بالموافقة على ميزانيّة البلاد، إضافة إلى البعد «الرمزي» لوجود رئيس يمارس نشاطه بصفة طبيعيّة، خاصّة وأنّ الرئيس يعاني من فيروس كورونا، الذي أصاب ولا يزال أعدادا من الجزائريين.

وسط هذه المناخ الداخلي والأجواء الاقليميّة والتطوّرات الدوليّة الخطيرة، خاصّة مع بروز اصطفاف جديد يقسم الصفّ العربي شطرين، بين «المهرولين إلى التطبيع» (وفق التوصيف المستعمل من قبل الرئيس تبّون) من جهة، مقابل صفّ يمتنع عن التطبيع ويرفضه، جاء الرئيس صوتًا وصورة، ليعدّل المشهد، ويعود بل يعيد عقارب الساعة إلى موقعها.

من ذلك، تجد الجزائر نفسها أمام معادلة جديدة :

أوّلا : اصطفاف بعض الدول العربيّة (مثل الإمارات العربيّة المتحدة) جهرًا وعلانيّة إلى جانب «المخزن» المغربي، وما يعني ذلك من رغبة هذه الإمارات من توسيع نفوذها وبسط هيمنتها ومن ثمّة تدخلها إلى هذه المنطقة من المغرب العربي، بعد تدخلها المعلن والصريح في كلّ اليمن وليبيا.

ثانيا : اصطفاف الرئيس الأمريكي ترمب المعلن ومعلومات عن مساعدة عسكريّة بمليار دولار من قبل الولايات المتحدة، في انتظار السياسة الذي سيتبعها خلفه الرئيس المنتخب جوزيف بيدن، عند تسلّمه السلطة في العشرين من شهر جانفي.

ثالثًا : إضافة إلى «البؤرة» الليبيّة التي تشكّل هاجسًا مزمنًا بالنسبة بالسلطات العسكريّة الجزائريّة، يأتي التهديد بفتح «الجبهة» الصحراويّة/المغربيّة، إضافة إلى التوتّر المزمن جنوب البلاد في دول الساحل والصحراء، خاصّة في مالي والنيجر، بوجود الارهاب والوهن الذي أصاب بنية الأنظمة الحاكمة.

 

أمام هذا «الهلال» الممتدّ شرقا من الحدود مع ليبيا إلى الحدود مع المغرب غربًا تجد الجزائر ذاتها أمام تهديدات متفاوتة الأبعاد، سواء بسبب تراجع أو غياب نفوذ السلطة المركزيّة في كلّ من ليبيا والنيجر ومالي، أو العداوة المعلنة والصريحة من قبل «المخزن» المغربي، تملك الجزائر عديد الأوراق، بدءا باستعدادات عسكريّة ممتازة، وصولا إلى اصطفاف شعبي عند الحاجة.

إضافة إلى الجبهات العسكريّة الممكنة، تأتي الجبهة الداخليّة «الخاصرة الرخوة» التي تسعى دول عديدة، أساسًا المغرب وفرنسا إلى النفاذ من خلالها وضرب وحدة البلاد ومن ثمّة استقرارها. لذلك يأتي تحصين هذه الجبهة أحد أهمّ وأوكد المهام «الدفاعيّة» ضمن خطط المواجهة التي وجب أن تعتمدها القيادة الجزائريّة.

كذلك، الجزائر التي لم تكن ترى في الانتماء إلى الأحلاف العسكريّة القائمة ضرورة، بل كثيرا ما تعاملت مع هذه التشكيلات بعين الريبة، مهما كانت هويّة المنتمين إلى أيّ حلف، قد ترى ذاتها مجبرة على إعادة صياغة رؤيتها العسكريّة، عندما تيقّنت أنّها موضوع هجوم حلف صريح وليس دولة واحدة…

بقلم الإعلامي نصر الدين بن حديد ..

إعلامي جزائري مقيم في تونس …

شارك المقال على :