لا يزال المخزن يصدق دبلوماسية المجاملات، خاصة تلك التي تصدر عن دول إفريقية لا تصلها بالمغرب أي حدود جغرافية، وعلاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية معه ليست بالأمر الملفت حقا.
أبواق المخزن نقلت تصريحات تزعم أنها لوزراء خارجية بوركينا فاسو ومالي والنيجر وتشاد، تقول أنهم “أعربوا عن نية بلدانهم الانضمام إلى مبادرة أطلقها العاهل المغربي محمد السادس في الآونة الأخيرة، تسعى إلى “تعزيز ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي، بهدف تطوير التجارة والتواصل بين البلدان الإفريقية”.
هذه المجاملات الدبلوماسية التي لن تعرف طريقها إلى التجسيد جاءت في بيان ختامي أعقب اجتماعا وزاريا تنسيقيا عقدته تلك الدول السبت في مراكش المغربية، بمشاركة وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، كمحاولة لتطييب خاطر ملك المغرب محمد السادس الذي كان قد أعلن عن هذه المبادرة في 6 نوفمبر الماضي بمناسبة ما يسمى بـ “الذكرى المسيرة الخضراء” المزعومة، ومن هذا العنوان يمكننا معرفة المستهدف بهذه المبادرة غير البريئة، والتي زعم صاحبها أنها تهدف إلى إتاحة “فرص كبيرة للتحول الاقتصادي للمنطقة برمتها، بما ستسهم فيه من تسريع للتواصل الإقليمي وللتدفقات التجارية ومن ازدهار مشترك في منطقة الساحل”.
صناع بروباغندا المخزن يضمنّون مثل هذه المبادرات التي تموت في مكانها وزمانها في العادة، حقدهم على الجزائر ويستخدمون مساعيهم الخائبة لـ “عزلها” أو هكذا ما يمنون به النفس ويطمحون إليه، بأشياء مستحيلة التحقيق، إنهم يكابرون ويعاندون المنطق الواضح، نعم.. منطق التاريخ والجغرافيا.
حتى بوريطة رئيس دبلوماسية المخزن وهو يسوّق لهذه المبادرة الخائبة أمام نظرائه وفي تصريح مليء بـ “التشيات” العابر للقارات قال بالحرف الواحد: “وحين يرى الكثيرون المشاكل التي تعاني منها هذه المنطقة، يرى الملك محمد السادس الفرص، وحينما يتحدث البعض عن اليأس، فإن الملك يركز على الإمكانيات، وحين يرغبون في الحلول السهلة، يوصي الملك بمعالجات جذرية ووضع حلول حقيقية”، ويأتي المرء ليبحث عن هذه ال”نظرة الاستشرافية” المزعومة فلا يجد غير الهذيان والأوهام.
لكن بوريطة وهو يشيت لسيده نسي أن يمسك لسانه قليلا ففضح نفسه والمخزن من ورائه حينما أعلن عن الهدف الحقيقي من وراء خرجة محمد السادس، بقوله: “المبادرة تهدف إلى تعزيز وصول البلدان الشقيقة في منطقة الساحل إلى المحيط الأطلسي”.
من أين ستمرّ هذه “البلدان الشقيقة” إلى المحيط الأطلسي يا ترى، والجميع يعرف أنّ المخرب بلد محاصر جغرافياً، ولا يمكن لجميع الدول الإفريقية المرور إليه إلا من جهتين؛ جنوبا من الصحراء الغربية وهي أراضي محتلة لا يحق له إبداء أمنية كهذه دون أخذ رأي شعبها وقيادته إذ لا يحق له التصرف دون الاستناد إلى شرعية دولية، وشرقاً.. هناك الجزائر البلد الذي أغلق المغرب الحدود معه في 1994 دون استشارته، واليوم هو يتسول إليه من أجل إعادة فتحها وإعادة العلاقات الدبلوماسية معها.
هكذا بهذه الدبلوماسية الصبيانية يحاول محمد السادس، ذلك الملك الذي يمدّ إلى الجزائر في خطاباته “يده طويلة” ويدعي أنه يريد من ورائها الخير بينما يطعنها في ظهرها بخنجر في يده الأخرى، أن يقفز إلى المجهول حيث يبدو له أنه يتجاوز الجزائر البلد القارة ومعها الشرعية الدولية، ليبني جسورا من خيال ووهم يظن أنه بوسع دول الساحل أن تصل إلي المحيط الأطلسي عبرها، كيف ستصل؟ في الأحلام ربما، أما الواقع فله منطق مغاير تماما.