وزارة الشؤون الدينية تصدر فتوى بخصوص الإفطار سهوا في رمضان
أجاب عضو اللجنة الوزارة للفتوى محمد العربي شايشي، عن سؤال خاص بالإفطار في رمضان سهوا، حسبما ورد في صفحة وزارة الشؤون الدينية عبر الفيسبوك.
السؤال:
شربت في نهار رمضان سهوا، وأخبرني أحد الزملاء ألا شيء علي، وذكر لي حديثا أن رسول الله ﷺ قال (فقد أطعمه الله وسقاه)، فهل علي قضاء هذا اليوم أم لا ؟ وشكرا.
الجواب:
من أكل أو شرب ناسيا أو ساهيا في نهار رمضان يجب عليه قضاء ذلك اليوم، قال الشيخ خليل: “وقضى في الفرض مطلقا”. قال الشيخ الدردير: “أي عمدًا أو سهوًا أو غلبة أو إكراهًا، وسواء كان حرامًا أو جائزًا أو واجبًا، كمن أفطر خوف هلاك، وسواء وجبت الكفارة أم لا، كان الفرض أصليًّا أو نذرًا”.
وأصل ذلك ما قاله مالك في الموطأ “من أكل أو شرب في رمضان ساهيا أو ناسيا أو ما كان من صيام واجب عليه أن عليه قضاء يوم مكانه”.
وسأل سحنون ابن القاسم فقال: أرأيت من أكل أو شرب أو جامع امرأته في رمضان ناسيا، أعليه القضاء في قول مالك؟ قال: “نعم، ولا كفارة عليه”.
وهذا القول تُسنده الأدلة التالية:
1- قول الله عز وجل: (ثم أتموا الصيام إلى الليل) البقرة:187، والذي نسي أو سهى فأكل أو شرب لم يتم الصيام إلى الليل، فوجب عليه القضاء بصيام يوم تام إلى الليل.
2- قوله تعالى: (فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) البقرة: 184. فالآية أصلٌ في أن الإفطار موجب للقضاء، لدلالة المقتضي، وتقديره “فأفطر فعدةٌ..”، والصائم الذي أكل أو شرب ناسيا مفطرٌ فيُخاطب بالقضاء.
3- للصوم ركنان، ركن النية، وركن الإمساك، وتَخَلُّف ركن الإمساك موجب لتخلف حقيقة الصوم. والصوم والفطر ضدان، فلا يجتمعان.
قال ابن العربي في شرح الموطأ: “فأما القضاء فلا بد منه؛ لأن صورة الصوم قد عُدمت، وحقيقته بالأكل قد ذهبت، والشيء لا بقاء له مع ذهاب حقيقته، كالحدث يبطل الطهارة سهوا جاء أو عمدا، وهذا الأصل العظيم لا يرده ظاهر محتمل التأويل”.
4- قياس الإمساك على النية، فكما يجب القضاء بفقد النية مطلقا فكذلك يجب القضاء بفقد الإمساك مطلقا بجامع أن الكلّ ركن.
قال الباجي: “والدليل على صحة ما نقوله أن ما يفسد الصوم بعدمه على وجه العمد فإنه يفسده بعدمه على وجه النسيان كالنية”.
وقال القاضي عبد الوهاب المالكي: “ولأن كل فعل لا يصح الصوم مع شيء من جنسه عمدا على وجه، فلا يصح مع سهوه، أصله ترك النية”.
5- القياس على تارك ركن من أركان الصلاة أو الحج ناسيا، أو مرتكبٍ لناقض من نواقض الوضوء ناسيا
قال ابن رشد: “وأما القياس فهو تشبيه ناسي الصوم بناسي الصلاة، فمن شبهه بناسي الصلاة أوجب عليه القضاء كوجوبه بالنص على ناسي الصلاة”.
6- قياس الأولى: إذا كان المريض يجب عليه القضاء، مع أنه أشد عذرًا، فالناسي من باب أولى.
قال القاضي عبد الوهاب البغدادي: “ودليلنا على وجوب القضاء أنه مكلف حصّل أكلا في رمضان كالعامد، ولأنه أكل في صوم مفترض لا يسقط بالمرض كالمريض، ولأن القضاء إذا وجب على المريض مع كونه أعذر من الناسي، كان يجب على الناسي أولى”.
7- أن إيجاب القضاء هو أحوط وأبرأ للذمة، وإبراء الذمة يقينا لا يكون بمشكوك فيه، إنما يكون بيقين، وصيامٌ متفق على صحته أفضل من صيام مختلف في صحته. والخروج من الخلاف مطلوبٌ، ويكون بفعل ما اختلف في وجوبه، وترك ما اختلف في تحريمه، وأصله قوله صلى الله عليه وسلم : (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ) رواه الترمذي وأحمد، وقوله صلى الله عليه وسلم : (فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه) متفق عليه.
أما ما ورد في حديث أبي هريرة في الصحيحين من قوله صلى الله عليه وسلم: (من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليُتِمَّ صومَه فإنما أطعمه الله وسقاه)، فتوجيهه كما يلي:
1- هذا الحديث لم ينص على القضاء ولا على عدم القضاء، كما أنه لم ينص على الصحة ولا عدم الصحة. ولا يلزم من وجوب إتمام الصوم وقوعه صحيحًا، والقصد من الإتمام احترام حرمة الشهر، فيكون معنى (فليتم صومه) أي فليتم إمساكه، والشريعة تنص على إكمال العبادة ولو كانت فاسدة، ونظائر ذلك كثيرٌ، ومثال ذلك وجوب إتمام الحج الفاسد والعمرة الفاسدة على من أفسدهما بجماع.
2- أن عبارة (فليتم صومه) تدل فقط على رفع الإثم والحرج لا على إسقاط القضاء، والقواعد العامة للشريعة الإسلامية تدلّ على أن الناسي والساهي والمخطئ لا إثم عليهم، بدلالة النصوص الصريحة القطعية، كقوله تعالى: (وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به، ولكن ما تعمّدت قلوبكم) الأحزاب:5، وقوله ﷺ (إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) رواه ابن ماجه.
قال الإمام القرافي في الذخيرة بعد أن ساق حديث أبي هريرة: “وهذا يقتضي نفي الإثم لا نفي القضاء”.
وتكون مخاطبته بالقضاء من باب الحكم الوضعي الذي يقضي بارتباط الأسباب بمسبباتها. والإفطار سبب للقضاء، والإتلاف سبب للضمان.
3- ما جاء في بعض الروايات عند الدارقطني وغيره: (فلا قضاء عليه ولا كفارة)، هي زيادة مختلف في صحتها، وقد قال ابن يونس في الجامع لمسائل المدونة بعد عرض أدلة المالكية على وجوب قضاء الناسي: “فإذا ثبت هذا فما رووه من الحديث غير ثابت عندنا”. وعلى فرض صحة هذه الزيادة، فهي خبر آحاد قد خالف القواعد والأصول العامة التي تقضي بأن كل عبادة تقيّد تحصيل حقيقتها بتوافر الشروط والأركان وانتفاء الموانع، إن اختل فيها شرط أو ركن لا تجزئ ولا تسقط عن صاحبها. وهذا الأصل العام دلّت عليه النصوص الصريحة المتظافرة؛ من مثل ما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)، وما جاء في صحيح البخاري عن أسماء بنت أبي بكر الصديق – رضي الله عنهما – قال: “أفطرنا على عهد النبي ﷺ يوم غيم، ثم طلعت الشمس”، قيل لهشام: فأمروا بالقضاء؟ قال: “لابد من القضاء”.
4- عدم التنصيص على القضاء في حديث أبي هريرة للعلم به، لأن حذف ما يُعلم جائزٌ في اللغة والشرع، ونظيره ما جاء في حديث الرجل الذي واقع امرأته وهو صائم، حيث أمره النبي ﷺ بالكفارة وسكت عن القضاء، ومع ذلك فالفقهاء اتفقوا على وجوب القضاء على من وقع منه الجماع في نهار رمضان.
5- إسقاط القضاء أُخذَ من حديث أبي هريرة بدلالة الإشارة، ودلالة الإشارة من باب اللازم غير المقصود، وهي عند جمهور الأصوليين آخر دلالات المنطوق غير الصريح وأضعف دلالاته، وإذا عورضت – في مسألتنا – بالأصول العامة التي تأسست على النصوص الصريحة المتظافرة لم تكن دلالة الإشارة معتبرة من باب أولى.
6- أن هذا الحديث خاص بصيام النفل، والنفل لا يجب قضاؤه إلا بالفطر العمد، ولا علاقة للحديث بصيام رمضان. ورواية البخاري ومسلم ليس فيها ذكرٌ لرمضان، وهي بصيغة (من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم…)، إنما جاء التصريح برمضان عند ابن خزيمة والدارقطني. واختلاف أحكام النفل عن الفرض أمر معهود شرعا، فلو صلى النافلة مستندا أو جالسا مع قدرته على القيام لصحت صلاته، بخلاف صلاة الفريضة فإنها تبطل بذلك.
الخلاصة: من أكل أو شرب ناسيا أو ساهيا وهو صائم ارتفع عنه الإثم، لكن يُخاطب بقضاء صوم الفرض لا النفل.