يُبدي المخزن باستمرار ومنذ سنوات، من خلال ما ينشره إعلامه من تحليلات تقلب الحقائق وتكذّب الواقع، حالةً تفاؤليةً جدُّ مرتفعة تصل إلى حدّ الشعور بالارتياح، بخصوص ما يعتبره موقفا فرنسيا “مؤيدا” لطرحه حول النزاع على الصحراء الغربية، الذي يرى أنه من الممكن حلٌّه عبر “مقترح الحكم الذاتي”، رغم أنه لا يلقى اهتماما سوى بعض المجاملات من فرنسا بدافع من تحقيق مصالحها في المغرب، وحتى ما بدر من إدارة الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، بخصوص ما أسماه “الاعتراف بمغربية الصحراء، والذي كلّفه تطبيعا مجانيا مع الكيان الصهيوني، وسرعان ما تجاوزت الإدارة الأمريكية الحالية هذا الاعتراف بعد أن وضعته في ثلاجة مواقفها التحايلية.
وزيرة الخارجية الفرنسية، كاترين كولونا، خلال زيارتها للمغرب الأسبوع الماضي، وبينما كانت تُجري مؤتمرا صحافيا، سكبت الماء البارد على رأس ناصر بوريطة الذي كان يشاركها الإجابة على تساؤلات الصحفيين، حتى أن الدهشة بدت واضحة على ملامحه، وهي تردّ على سؤال حول موقف فرنسا من النزاع على الصحراء الغربية، بأنْ أكّدت بكلامها الذي لا يحتمل اللبس بأن موقف بلادها معروف من قبل الأصدقاء وحتى غيرهم، لافتة إلى أن هذا الموقف له ميزتين هما الوضوح والاستمرار.
وفي سياق توضيحها لهذا الأمر “الواضح والمستمر”، صرحت كاترين كولونا، بأن فرنسا تدعم وقف إطلاق النار وجهود المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، وكذلك استئناف المفاوضات بين الطرفين، بما يفضي إلى حل “عادل وواقعي”.
يبدو أن هذا الكلام الذي استبقت به الوزيرة الفرنسية ردها على سؤال الصحفية المغربية، هو فعلا ما تقتنع به فرنسا كتصوّر للحل في الصحراء الغربية، إنه تصوّر متماهٍ مع الشرعية الدولية التي لطالما أصرت عليها الجزائر، وبذلك فإنه وحتى يكون الحل مستندا إلى جهود المبعوث الأممي و”عادلا وواقعيا”، ومحبِّذا لأن يظهر إلى الوجود بعد مفاوضات بين الأطراف، التي تعترف بها فرنسا، ينبغي أن يكون نابعا من مبدأ حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، هذا ما تؤمن به فرنسا وتصرّح به حتى ووزيرة خارجيتها تطأ بقدميها بساط مبنى وزارة الخارجية المغربية وعلى مسمع ومرأى من بوريطة والصحافة المحلية، دون أدنى حرج.
لكن يبدو أن للمغرب قابلية مذهلة للعيش في الأوهام والتلذذ بالأحلام، ويبدو أيضا أن فرنسا تدرك هذه الحالة النفسية المنفصمة عن الواقع الذي يوجد عليها نظام المخزن، فلا بأس بترويج بعض المجاملات والكلام المعسول، ما دام أنّه لن يغير من الحقائق ومما تعتقد به فرنسا شيئا، حينما ختمت كلامها عن موقف فرنسا الرسمي والأممي، ليحين موعد الأحاديث غير الرسمية التي تأخذ شكل برامج “ما يطلبه المستمعون” الإذاعية، فلفتت إلى أن فرنسا باعتبارها “شريكا وصديقا” للمغرب فإنّ موقفها “في صالح المغرب” في ما ذهب إليه من “مشروع الحكم الذاتي”، دون أن توضحّ إن كانت تعني التأييد بكلامها الملتبس وغير الواضح كما كان في الأوّل عندما تحدثت عن الشرعية الأممية.
بالمختصر فإن موقف فرنسا الذي قالت عنه كاترين كولونا بأنه “في صالح المغرب”، ما هو إلا سراب يحسبه الظمآن ماءً، ما هو إلا مجاملات تتطلبها زيارتها إلى بلد تريد فرنسا تحصيل المزيد والكثير من المصالح الاقتصادية والسياسية منه، وكذلك الدعم الدولي الأكيد.
لكن يبقى موقف فرنسا الرسمي، الذي تخاطب به العالم وتلتزم أمامه به، نابعا من قرارات الشرعية الأممية التي تؤكد بما لا يدع مجالا للّبس، حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، وكذلك دعم مهمّة بعثة المينورسو من أجل إجراء استفتاء بهذا الخصوص.
أحمد عاشور