مرة أخرى، تجد العدالة المغربية نفسها في قلب جدل حقوقي واسع، بعد الأحكام الصادرة عن محكمة الاستئناف بمراكش في حق 37 شابًا على خلفية احتجاجات “جيل زد”، والتي بلغ مجموعها 92 سنة سجنا نافذا، مرفوقة بغرامات وتعويضات مالية ثقيلة. أحكام أعادت إلى الواجهة سؤال التناسب بين الفعل الاحتجاجي والعقاب القضائي، وحدود المقاربة الأمنية في معالجة قضايا اجتماعية ذات جذور عميقة.
الأحكام، التي تراوحت بين سنة وست سنوات سجنا نافذا، استندت إلى تهم وُصفت بالخطيرة، من قبيل العصيان المسلح، وتخريب الممتلكات العمومية، وإهانة موظفين عموميين واستعمال العنف ضدهم. غير أن متتبعين وفاعلين حقوقيين يرون أن توظيف هذه التهم في سياق احتجاج اجتماعي يطرح علامات استفهام حول طبيعة التعاطي القضائي مع الحركات الشبابية، خاصة حين تتحول المطالب المرتبطة بالهشاشة والتهميش إلى ملفات جنائية مثقلة بالمتابعات.
في الشق المدني، ألزمت المحكمة المتهمين بأداء تعويضات لفائدة مؤسسات الدولة بمئات الآلاف من الدراهم، في خطوة اعتبرها حقوقيون نوعًا من “العقاب المزدوج”، إذ لا يكتفي بالحرمان من الحرية، بل يضيف عبئًا ماليًا يصعب تحمله من طرف شباب ينحدر أغلبهم من أوضاع اجتماعية هشة، وهو ما يعمّق الإقصاء بدل معالجته.
وتأتي هذه الأحكام في سياق اجتماعي محتقن، يتسم بارتفاع معدلات البطالة في صفوف الشباب، وتراجع الثقة في قنوات الوساطة السياسية والاجتماعية، ما يدفع فئات واسعة إلى الشارع كملاذ أخير للتعبير عن الغضب. غير أن الرد، وفق المنتقدين، ظل محكومًا بمنطق الزجر بدل الإنصات، وبمنطق الردع بدل المعالجة الجذرية.
الوقفات الاحتجاجية التي نظمتها عائلات المحكوم عليهم ونشطاء حقوق الإنسان، لم تكن مجرد رد فعل عاطفي، بل تعبيرًا عن خشية حقيقية من تكريس سابقة مفادها أن الاحتجاج السلمي، مهما كانت خلفياته الاجتماعية، قد ينتهي بأحكام ثقيلة ورسائل ردع موجهة إلى جيل بأكمله.
ويحذر فاعلون حقوقيون من أن استمرار هذا النهج قد يؤدي إلى مزيد من الاحتقان، معتبرين أن الأمن الحقيقي لا يتحقق بتغليظ العقوبات، بل ببناء سياسات عمومية قادرة على استيعاب غضب الشباب وفتح آفاق فعلية للإدماج الاجتماعي والاقتصادي.
في ملف “جيل زد” بمراكش، لا يتعلق الأمر فقط بأحكام قضائية، بل بصورة أوسع بكيفية تدبير الدولة لعلاقتها مع جيل يطالب بالكرامة والعدالة الاجتماعية. جيل يرى في الشارع صوتًا، وفي القضاء اليوم رسالة، لكن السؤال الذي يظل معلقًا: هل تكفي المقاربة الزجرية لإطفاء غضب اجتماعي يتغذى على التهميش وانسداد الأفق؟
