2 سبتمبر، 2025
ANEP الثلاثاء 02 سبتمبر 2025

أزمة الرّباط مع تونس تفضح حقيقة الاحتلال المخزني ونهب ثروات الشعب الصحراوي

نُشر في:
بقلم: أحمد عاشور
أزمة الرّباط مع تونس تفضح حقيقة الاحتلال المخزني ونهب ثروات الشعب الصحراوي

الأزمة بين المغرب وتونس لم تعد مجرّد توتر دبلوماسي عابر، بل تحولت إلى محطة تكشف بوضوح حجم عزلة المغرب في المنطقة بسبب تشبثه بسياسة توسعية تقوم على احتلال الصحراء الغربية ونهب ثرواتها. فالقشّة التي قصمت ظهر العلاقات تعود إلى صيف 2022، حين استقبل الرئيس التونسي قيس سعيّد زعيم جبهة البوليساريو إبراهيم غالي على هامش مؤتمر “تيكاد 8″، وهو استقبال أثار غضب الرباط التي اعتبرت ذلك مساسًا بموقف الحياد، بينما في الحقيقة كان تعبيرًا عن رفض تونس الانخراط في سياسة فرض الأمر الواقع التي يسعى المغرب إلى ترسيخها بالقوة.

ردّ المغرب باستدعاء سفيره في تونس ثم منحه منصبًا دستوريا ليؤكد أن عودته غير مطروحة، فيما قابلت تونس الخطوة بترقية سفيرها في الرباط داخل مؤسسات الدولة. ومنذ ذلك الحين غابت أبسط أشكال التواصل الرسمي، حتى البرقيات البروتوكولية، وهو ما يعكس أن القطيعة ليست مؤقتة بل خيارًا استراتيجيًا. لكن خلف هذه المواجهة تكمن حقائق أعمق: تونس، ومعها الجزائر وليبيا، باتت ترى بوضوح أن قضية الصحراء ليست نزاعًا داخليًا كما يروج المغرب، بل قضية تصفية استعمار، وأن استمرار الاحتلال يفتح الباب أمام انتهاكات حقوقية ونهب منظم لثروات طبيعية تعود لشعب آخر.

المغرب يواصل استغلال الفوسفات والثروات البحرية للصحراء الغربية بتواطؤ مع شركات أوروبية وصهيونية، في وقت يعيش فيه الصحراويون تحت حصار سياسي واقتصادي. هذا النهج القائم على الاستفادة من موارد ليست له جعل الرباط في مواجهة متزايدة مع حركات التضامن الدولية ومع المواقف المتصاعدة داخل الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة. لذلك، كان طبيعيًا أن ترى تونس أن الاصطفاف إلى جانب العدالة التاريخية والشرعية الدولية أقرب لمصالحها ولرأيها العام من الانجرار وراء محاولات المغرب جرّها إلى مربع الاعتراف بالاحتلال.

في البعد الاقتصادي، ورغم أن المبادلات بين تونس والمغرب كانت ضعيفة أصلاً، فإنها ازدادت هشاشة تحت وطأة الأزمة. خسرت الرباط نزاعًا أمام منظمة التجارة العالمية بخصوص صادرات الكراس التونسي، ثم تراجع التبادل التجاري أكثر بفعل القطيعة السياسية. لكن ما هو أهم من الأرقام هو البعد الرمزي: فالمغرب الذي يروّج لنفسه كقوة إقليمية منفتحة يجد نفسه غير قادر على الحفاظ حتى على علاقات سوية مع بلد جار عربي وإفريقي مثل تونس.

كما أن خطوة المغرب في استئناف العلاقات مع الكيان الصهيوني ساهمت في تعميق الشرخ. فبينما يواصل الشعب التونسي التعبير عن تضامنه القوي مع فلسطين، اختار المغرب المضي أبعد في التطبيع مقابل اعتراف شكلي من تل أبيب بـ”سيادته” على الصحراء الغربية. هذا التناقض يجعل أي محاولة تونسية للتقارب مع الرباط مكلفة سياسيًا داخليًا، خاصة مع استمرار المجازر في غزة التي تذكّر الرأي العام بمدى خطورة التطبيع على الحقوق العربية.

من هنا يمكن القول إن الأزمة لم تعد قابلة للحل بالطرق التقليدية. فالمغرب ماضٍ في سياساته المبنية على إنكار حقوق الصحراويين واستغلال مواردهم، وتونس من جانبها ترى أن الحفاظ على سيادتها واستقلالية قرارها لا يمكن أن يتم إلا عبر دعم الشرعية الدولية والاصطفاف مع الجزائر في هذا الملف. وعليه، فإن الأزمة الحالية ليست سوى انعكاس لانكشاف المغرب سياسيًا وأخلاقيًا أمام جيرانه، بسبب إصراره على الاستفادة من ثروات لا يملكها وحرمان شعب بأكمله من حقه في تقرير المصير.

رابط دائم : https://dzair.cc/uckl نسخ