الثلاثاء 24 جوان 2025

أسرار انخراط دويلة الإمارات في المشروع الصهيوني الموسّع لإعادة تشكيل الشرق الأوسط

تم التحديث في:
بقلم: أحمد عاشور
أسرار انخراط دويلة الإمارات في المشروع الصهيوني الموسّع لإعادة تشكيل الشرق الأوسط

منذ ظهور ملامح ما عرف لاحقًا بـ “صفقة القرن”، لم تكن الإمارات بعيدة عن تفاصيل هذا المشروع، بل كانت في مقدمة الداعمين الذين تبنوا الخطة وروّجوا لها على الصعيد الإقليمي. وقد شاركت بفاعلية في ما يُعرف بخطة إسرائيل الكبرى لإعادة تشكيل الشرق الأوسط.

في ذلك الوقت، لم يكتفِ محمد بن زايد، ولي عهد أبوظبي، بالاطلاع على الخطة فحسب، بل كان من أوائل المؤيدين لها. وقد عمل على تحويلها من رؤية مشتركة أميركية-إسرائيلية إلى واقع ملموس على الأرض يستند إلى معطيات جديدة.

**2019.. عام التحوّل المفصلي**

شهد عام 2019 انعقاد جلسات مغلقة في قصر الحكم بأبوظبي تناقش استراتيجية تم تقديمها لمحمد بن زايد من قِبل فريق الأمن الإماراتي. الاستراتيجية صاغتها لجنة مشتركة من “المعهد الصهيوني للأمن القومي” في تل أبيب تحت عنوان “شرق أوسط بعد التسوية الكاملة”، وهو العنوان الذي تحول لاحقًا إلى المسمى غير الرسمي لصفقة القرن.

**ملامح الخطة: إعادة تشكيل ديمغرافيا وسياسة الشرق الأوسط**

الخطة استندت إلى أربعة مبادئ رئيسية تكشف عن توجهاتها:

1. إخلاء فلسطين التاريخية من أغلبية فلسطينية في جميع المناطق؛ سواء في الضفة، الداخل الفلسطيني، أو قطاع غزة.
2. منع وجود حكومات عربية تعارض إسرائيل أو تقف عقبة أمام مشروعها الإقليمي.
3. حسم كافة النزاعات الحدودية لصالح إسرائيل بشكل نهائي.
4. تعزيز قيادة إقليمية جديدة تتزعمها إسرائيل وتمنحها الشرعية تدريجيًا.

هذا التصور يرسم شرق أوسط “مصمّم حسب المقاس”، خالٍ من المقاومة، ومهيأ لهيمنة إسرائيل في ظل تراجع ملموس للسيادة العربية نتيجة القوى الخارجية والهيمنة الاقتصادية.

**محمد بن زايد: من داعم إلى منفذ**

في تلك المداولات، أبدى محمد بن زايد استعداده للمضي قدمًا مع الخطة، معتبراً أنها تمثل فرصة لإعادة هيكلة التحالفات الإقليمية في ظل تراجع النفوذ الأميركي التدريجي وصعود إسرائيل المحمي أميركيًا. بدأ العمل على فتح قنوات مع القيادة الإسرائيلية وترويج فكرة “السلام مقابل الازدهار”، حيث أسس لتطبيع العلاقات تحت غطاء التعاون الاقتصادي والثقافي وصولًا إلى الإعلان رسمياً باتفاقيات إبراهام في أغسطس 2020.

**وثيقة مايو 2021**

لاحقاً كشفت وثيقة سرية في مايو 2021 عن حجم الدور الإماراتي في المشروع. وجاء في الوثيقة: “إسرائيل تريد أرضًا بلا سكان فلسطينيين ودولًا طيِّعة. ولتحقيق ذلك، يتم ضرب إيران كخطوة أولى.” وكان الرد الإماراتي متوقعًا؛ حيث تم الاصطفاف خلف إسرائيل وتسويق المشروع في المغرب والبحرين وحتى مصر، مع تلميحات للسعودية بشأن الانضمام.

**سياسات استهداف غزة: الإعمار بشروط والتهجير بحُجّة الإغاثة**

في غزة، تحولت المعابر إلى أدوات تهجير ضمن سياقات “الإغاثة”، بينما أصبحت مشاريع إعادة الإعمار مشروطة بما يضمن تغييرات ديمغرافية تمنع عودة المهجرين. الإمارات لعبت دورًا بارزًا في إعادة إعمار غزة بعناوين ظاهرها المساعدات، لكن جوهرها يركز على تعزيز مخططات الاحتلال تحت ذرائع تنموية.

**ما وراء غزة: استهداف الضفة وإضعاف الفلسطينيين داخلياً**

لم تتوقف الخطة عند القطاع؛ فالمراحل التالية تشمل:

– التوسع الاستيطاني وتقويض أي وجود فعلي للسلطات الفلسطينية في الضفة.
– إفراغ مناطق معينة من السكان الفلسطينيين باستخدام أدوات اقتصادية وسياسية.
– تصعيد الضغوط على فلسطينيي الداخل الإسرائيلي لدفعهم نحو الهجرة القسرية تحت وطأة الظروف.

كما تسعى إسرائيل إلى توسيع نفوذها ثقافيًا لتعريب صورتها وتقديم نفسها كجزء طبيعي ومسلم به من المنطقة.

**الصراع مع إيران: معركة محسوبة**

عندما تصاعد الضغط على إيران، لم يكن محمد بن زايد بعيدًا عن المسار التمهيدي لهذا الصراع. كانت المواجهة جزءًا أساسيًا من الخطة لإزالة ما تعتبره إسرائيل العقبة الأخيرة أمام فرض سيطرتها إقليميًا.

الفلسطينيون خارج دائرة التأثير، بينما تصاغ الخرائط وترسم المصائر فوق رؤوسهم دون أن يكون لهم صوت في ذلك.

في هذا المشهد، يقود محمد بن زايد رهانًا يتمحور حول إعادة تشكيل القضية الفلسطينية لتتماشى مع ما يُطلق عليه “السلام الإسرائيلي” الجديد، عبر الدفع نحو تهميش الفلسطينيين وتحويلهم إلى كيانات معزولة ومتنازعة، فاقدةً للتأثير والحضور القوي.

من هنا، يتضح أن الدور الإماراتي في الخطة الإسرائيلية الكبرى ليس مجرد خطوة عابرة أو تكتيكًا مؤقتًا، بل يُعد جزءًا لا يتجزأ من رؤية استراتيجية تبناها محمد بن زايد لإعادة رسم ملامح المنطقة وفق أسس مختلفة.

التحالف مع إسرائيل لبناء “شرق أوسط جديد” يجد في الإمارات شريكًا متحمسًا على أتم الاستعداد لتقديم كل ما يتطلبه الأمر بهدف تعزيز مكانتها في النظام الإقليمي القادم. أما القضية الفلسطينية، فهي الثمن الباهظ الذي ارتضاه البعض مقابل صياغة “شرعية جديدة” تتشكل بما يخدم الاحتلال وأهدافه.

رابط دائم : https://dzair.cc/8dyb نسخ