الثلاثاء 01 جويلية 2025

أطماع دويلة الإمارات في الصحراء الغربية ومنطقة الساحل تثير مخاطر إقليمية

نُشر في:
بقلم: أحمد عاشور
أطماع دويلة الإمارات في الصحراء الغربية ومنطقة الساحل تثير مخاطر إقليمية

يمتزج النفوذ الإماراتي في إفريقيا مع شبكة تحالفاتها السياسية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ففي المغرب، أبرمت الإمارات اتفاقاً ضخماً بقيمة 14 مليار دولار لتطوير مشاريع للطاقة والمياه في منطقة الصحراء الغربية، التي تشكل محور نزاع تاريخي بين المغرب وجبهة البوليساريو التي تدعم الجزائر حقها في تقرير مصير الشعب الصحراوي كونها الممثل الشرعي والوحيد له في استرداد كافة حقوقه بمقتضى ميثاق الأمم المتحدة.

هذه الاستثمارات الإماراتية أثارت استياء الجزائر، التي ترى فيها دعمًا للموقف المغربي المناهض لتقرير المصير في المنطقة. ويأتي ذلك بالتزامن مع تصاعد الاستثمارات المغربية في الصحراء الغربية بعد تطبيع العلاقات المغربية مع الكيان الصهيوني.

غير أن التوسع الإماراتي في إفريقيا لا يبدو مجرد إنجاز اقتصادي، بل هو جزء من سباق أوسع للنفوذ في عالم يشهد تحولات عميقة في خريطته الجيوسياسية.

وفي الوقت الذي تقدم فيه أبوظبي استثماراتها كأدوات للتنمية وتعزيز الاستقرار، تبرز تساؤلات جوهرية حول طبيعة هذه المشاريع: هل تمثل إضافة حقيقية نحو الاستقرار في المنطقة، أم أنها تسهم في تأجيج التوترات؟ وهل تعتبر نموذجاً لشراكة مستدامة وعادلة أم امتداداً لسياسات الهيمنة الاقتصادية التي أعقبت الحقبة الاستعمارية؟

في هذا السياق، تبدو الإمارات وكأنها تمضي قدماً في بناء نفوذها الإفريقي تحت غطاء التنمية، بينما يثير نمط هذا التوسع مخاوف من تكرار تجارب هيمنة اقتصادية دفعت القارة السمراء ثمنها لعقود.

وفي قلب القارة الأفريقية، حيث تلتقي موارد الطبيعة الغنية بتعقيدات الأزمات السياسية والاقتصادية، تعمل الإمارات على توسيع نفوذها بخطوات مدروسة ومنهجية تلبيةً لطموحاتها في السيطرة على مواقع استراتيجية، بدءًا من الموانئ الحيوية وصولاً إلى مناجم الذهب والمعادن النادرة.

فالإمارات ليست مجرد مستثمر يبحث عن فرص اقتصادية في العمق الأفريقي، بل تمثل لاعبًا إقليميًا ودوليًا يسعى إلى بناء مشروع توسعي شامل، يدمج بين المال والنفوذ، التجارة والأمن، والاستثمار والقدرة على التأثير السياسي.

من استحواذها على الموانئ إلى تنقيبها في المناجم، ومن توسيع حضورها في الحقول الزراعية إلى السيطرة على موارد الذهب، تهدف الإمارات إلى ترسيخ هيمنتها الجيوسياسية في القارة الأفريقية، معتمدة في ذلك على نهج يبدو كأنه تنموي لكنه يخفي وراءه استراتيجية شراء النفوذ.

**استثمارات تتجاوز الاقتصاد: بين التجارة والنفوذ**

في العقد الأخير، شهدت الاستثمارات الإماراتية في أفريقيا نمواً ملحوظاً، إذ تضاعفت قيمة تجارتها مع القارة من 37 مليار دولار عام 2012 إلى قرابة 80 مليار دولار بحلول عام 2022. هذا التوسع يعكس اتساع المصالح الإماراتية التي باتت تشمل قطاعات متعددة.

وعلى مدى الفترة الممتدة بين 2019 و2023، تعهدت الإمارات بمشاريع استثمارية تزيد قيمتها على 110 مليارات دولار، وهو مبلغ يفوق بثلاثة أضعاف ما خصصته الصين هناك خلال الفترة ذاتها. وتركز هذه الاستثمارات في مجالات أساسية مثل الاتصالات والطاقة المتجددة والزراعة والتعدين والموانئ، مما يبرز الطموح الإماراتي لإعادة رسم خارطة النفوذ التجاري والاقتصادي في القارة.

هذه الطموحات لا تهدف فقط إلى تحقيق الأرباح، بل تسعى أيضاً للتحكم في مفاصل التجارة العالمية ومسارات الإمدادات الرئيسية، بما يتماشى مع أجنداتها السياسية على المستويين الإقليمي والدولي.

**من سواحل أفريقيا إلى أعماقها**

الركيزة الأهم لهذه الخطة الإماراتية تكمن في السيطرة على الموانئ والشبكات اللوجستية الحيوية بأفريقيا. فقد أصبحت هذه المواقع أدوات استراتيجية تتيح نفوذاً سياسياً وتفتح الطريق للهيمنة على ممرات التجارة الأفريقية.

من الجزائر وحتى جيبوتي، ومن أنغولا مروراً بالسنغال ووصولاً إلى مصر وأرض الصومال، تبرز “موانئ دبي العالمية” وشركة “أبوظبي للموانئ” كأسماء بارزة في مجال إدارة وتشغيل الموانئ الإفريقية. هذه السيطرة تشمل أكثر من تسع دول على الأقل وتمتد عبر شبكات تربط السواحل بالأعماق الاستراتيجية للقارة.

السيطرة الإماراتية على هذه البنية التحتية لا تقتصر على تحسين الخدمات اللوجستية أو تحديث النقل البحري، بل تتعدى ذلك لتمثل نفوذاً جيوسياسياً متكاملاً. فهي تتيح لأبوظبي التحكم في تدفقات الصادرات الأفريقية من ثروات طبيعية كالذهب والمعادن النادرة والألماس، كما تؤثر على الواردات الحيوية مثل الغذاء والوقود.

هذا التمركز يسمح للإمارات بتوجيه السياسات الداخلية والخارجية للشركاء الأفارقة عبر أشكال مختلفة من النفوذ تشمل صفقات أمنية مشروطة، استثمارات موجهة، أو ترتيبات سياسية غير علنية. هكذا، تُرسِّخ الإمارات موقعها ليس كمستثمر فقط، بل كقوة تسعى لإعادة تشكيل الخارطة السياسية والاقتصادية للقارة الأفريقية.

الذهب والنفط والمعادن: الثروات في دائرة النفوذ

لم تقتصر الأطماع الإماراتية على استغلال خطوط الشحن والنقل، بل امتدت إلى أعماق القارة الإفريقية الغنية بالموارد الطبيعية. مناجم الذهب في السودان ونيجيريا، واليورانيوم في النيجر، والمعادن النادرة في جمهورية الكونغو الديمقراطية، أصبحت موضع اهتمام كبير من قبل المستثمرين الإماراتيين.

تقارير عديدة كشفت عن تورط الإمارات في شبكات تهريب الذهب من نيجيريا والسودان، يرتبط بعضها بشركات مثل “فاغنر” الروسية، مما يزيد الشكوك حول دور الإمارات كبوابة لغسل الذهب وتمويل النزاعات الإقليمية.

في نيجيريا، تجري حالياً محادثات رسمية مع أبوظبي لوقف تهريب الذهب الذي ينقل غالباً إلى دبي، بينما تحدثت تقارير أخرى عن شراء الذهب من مناطق يشرف عليها المتمردون في دارفور. هذه الوقائع تبرز الجانب المظلم للأنشطة التجارية الإماراتية داخل القارة الإفريقية.

استثمارات زراعية أم استنزاف للموارد؟

جانب آخر مثير للجدل يتعلق بتوسع الاستثمارات الإماراتية في الأراضي الزراعية، خاصةً في دول تواجه أزمات حادة في المياه والأمن الغذائي.

من إثيوبيا إلى السودان، مروراً بكينيا ومدغشقر، ركزت الإمارات على زراعة محاصيل مكثفة الاستهلاك للمياه مثل البرسيم لتغذية ماشيتها في منطقة الخليج التي تعتمد بأكثر من 90% على الغذاء المستورد.

ولكن هذه الاستثمارات جاءت على حساب البيئة والمجتمعات المحلية، حيث تسببت في تآكل التربة، تفاقم الجفاف، وزيادة التوترات الاجتماعية بين السكان المحليين والمستثمرين. إلى جانب ذلك، إعادة تصدير هذه المحاصيل بأسعار مرتفعة بعد معالجتها في الإمارات يعزز من أوجه الاستغلال الاقتصادي ويعمّق الفجوة التنموية بين الدول المصدِّرة والمستثمِرة.

النفوذ السياسي تحت غطاء الاستثمار

بعيدًا عن الخطابات المتعلقة بالتنمية والشراكات المتكافئة، تستثمر الإمارات في القارة الأفريقية بهدف تعزيز مكانتها الجيوسياسية على المستوى العالمي، والدخول في تنافس مباشر مع قوى عالمية مثل الصين وتركيا وفرنسا.

ويرى بعض المحللين أن دور شركة موانئ دبي يشبه إلى حد كبير شركة غازبروم الروسية، باعتبارها أداة بارزة لتحقيق النفوذ السياسي. فالشركة تختار بعناية المواقع التي تتدخل فيها، حيث تعكس كل صفقة توجهات الدولة ورؤيتها الاستراتيجية.

غير أن تدخل الشركات الإماراتية أثار نزاعات داخلية حادة في بعض الدول الأفريقية. ففي كينيا، ألغيت صفقة لإدارة موانئ كبرى بعد اتهامات من المعارضة للحكومة بالتخلي عن السيادة الوطنية. وفي جيبوتي، جرت عملية تأميم لميناء دوراليه إثر نزاع قانوني مع موانئ دبي وسط اتهامات بالفساد. أما في تنزانيا، فقد أثارت اتفاقية مشابهة احتجاجات واسعة النطاق تلاها اعتقالات.

رابط دائم : https://dzair.cc/npux نسخ