الأربعاء 06 أوت 2025
إعلان
ANEP PN2500006

أنا معمر قاني وهذا اعتذار خالص إلى كل الطيبين والطيبات… السلطانة الأم هي حياتي

نُشر في:
بقلم: معمر قاني
أنا معمر قاني وهذا اعتذار خالص إلى كل الطيبين والطيبات… السلطانة الأم هي حياتي

أحبّتي، أصدقائي، إخوتي وأخواتي الأعزاء…
أعتذر منكم جميعاً، ممن يسأل عني ويستفسر عن غيابي، ممن أخلفت موعداً معه، أو لم أتمكن من لقائه أو تلبية طلبه أو مشاركته فرحاً أو مناسبة…
أعتذر من كلّ من منحني محبته، واهتم بأمري، وافتقد حضوري، وتفقد أحوالي، وراعه غيابي عن مناسباتٍ ما كنتُ لأتخلّف عنها يوماً.

أعتذر لأنّني اليوم لا أملك من وقتي شيئاً…
ولا ساعة واحدة…
بل ولا حتى نفساً أو تنهيدة إلا وقد استأذنتُ فيها من مرض أمي…
أمي التي باتت في أمسّ الحاجة إلى وجودي، إلى لمستي، إلى صبري…
فأنا ابنها الوحيد، وأنا من يقع على عاتقه شرف رعايتها وخدمتها والوقوف إلى جانبها في هذه المرحلة العصيبة.

أعتذر منكم جميعاً، وقلبي خجلٌ من مقاماتكم الرفيعة، ومحرجٌ أمام قاماتكم السامقة، لكنني والله ما عدت أملك نفسي، ولا وقتي، فقد أودعتُه كلّه بين يدي من وهبتني عمرها دون أن تطلب شيئاً بالمقابل، من صنعتني بدعائها قبل فعلها، ووقفت معي حين تخلّى الجميع.

أمّي تعاني من مرضٍ يُمزق قلبي أكثر مما يؤلم جسدها، مرضٌ يستلزم وجودي بجانبها طوال اليوم، ساعةً بساعة، نفساً بنفس…
فلا دواء يُعطى دون تحايلٍ طويل، ولا خطوةٌ تُخطى دون مساعدة، ولا قرارٌ أتّخذه إلا وعيناي عليها أولاً…

لم أعد أداوم في مكتبي بمؤسسة “دزاير توب” كما عهدتموني، ولم أعد أشارك في المؤتمرات والندوات والفعاليات، رغم اشتياقي الشديد لها، وإدراكي لقيمتها وأثرها، لكنني اليوم في مرحلة أخرى، في مهمة أكبر وأعظم، أرادها الله لي، وشرّفني بها، فكان مكتبي الجديد غرفة والدتي، ومقرّ عملي هو بيتها، ومسؤولياتي تبدأ وتنتهي من عند سريرها، ومن على باب غرفتها.

بعد خمس سنوات من معاناة والدتي مع المرض، تدهورت حالتها، ولم تعد قادرة على القيام بشؤونها اليومية، فكان لزاماً عليّ أن أكون رفيقها وملازمها وخادمها، بكلّ حبّ وامتنان وفخر.
هذا واجبي، وهذه مهمّتي، وهذه أسمى مراتب الرضا في حياتي.

لقد علّمتني هذه التجربة أن كلّ نجاحٍ حصدته، وكلّ مكانة بلغتها، وكلّ إنجازٍ حققته، كان أولاً بفضل الله، ثم بفضل دعوات أمّي التي لم تتوقف عن الدعاء لي، حتى وأنا في أوج المحن.
دعواتها هي التي جعلت من “دزاير توب” واحدة من أقوى المؤسسات الإعلامية في الجزائر، توظف اليوم أكثر من 40 عاملاً، وتُوّجت بجائزة رئيس الجمهورية للصحفي المحترف.

بيتها العامر، بيت المجاهدة وأرملة الشهيد، لم يكن يوماً مجرد مسكن، بل منبع نورٍ وإلهامٍ وانتصار، فيه خططت، ومنه أطلقت، وعنه دافعت، وبه انتصرت.
بيتها هذا كان شاهداً على ولادة “دزاير توب”، وكان منطلقاً لدفاعنا عن مؤسسات الجمهورية، وعن مقومات الأمة وهويتها، في وجه حملات التشويه والفوضى.

أمّي، السلطانة كما أحب أن ألقبها، كانت دوماً رمزاً للعدل، حتى حين تعرّضتُ للظلم، وحين سُجنت ظلماً وعدواناً، لم تلجأ إلى استعطاف من كان سبباً في ألمي، بل ذهبت إليه بنفسها، وقالت:
“ما جئت لأطلب إطلاق سراح ابني، فالسجن للرجال، وإن كان مظلوماً فسيأخذ الله له حقه، يوماً ما.”
وبالفعل… دعواتها لم تذهب سدى.

اليوم، وأنا أعيش تحوّلاً جذرياً في حياتي، وفي علاقاتي، وفي اهتماماتي، أجد نفسي ممتلئاً بمزيجٍ من الحزن والفخر.
حزنٌ على حال أمّي، وخوفٌ من الأيام المقبلة، وهي في بدايات معركتها مع الزهايمر…
وفخرٌ بأنني خادمها، حارسها، وسندها…
فكلّ ما عندي، من وقتٍ، من طاقةٍ، من قلبٍ، من روحٍ… هو فداء لها، وصدقة جارية على عمرها، وعرفان لجميلها.

أحبّتي…
لم أعد أستطيع أن أكون معكم في أفراحكم ومناسباتكم، ولا أن أشارككم فرحاً بقلبٍ مطمئن، فقد انقبض صدري وازدحم قلبي بالهمّ، ولم أعد أحتمل الفرح وأنا أرى “سلطانة قلبي” تتعثر في ذاكرتها وتقاوم النسيان بأظافر الذكرى.

لكن رغم ذلك… أنا سعيد.
نعم، سعيد لأنني أخدم أمّي بيدي، لأنني أقضي أطول وقت معها، لأنني وجدت في خدمتها سعادتي الحقيقية، ووجدت في ملازمتها معنى العبادة الخالصة.
كل دقيقةٍ أقضيها معها ليست خسارة، بل مكسب عظيم، وربح لا يضاهيه مال ولا منصب.

أعتذر منكم جميعاً، وأرجو منكم السماح والدعاء…
سامحوني إن غبت عنكم، وتذكّروني بدعوة صادقة في ظهر الغيب لأمّي، علّ الله أن يشفيها، ويخفّف عنها، ويجعل مرضها كفّارةً ورحمة، وطريقاً إلى الجنة.

أخوكم ومحبّكم: معمر قاني
https://www.facebook.com/share/1CDgDyZLof/?mibextid=wwXIfr

رابط دائم : https://dzair.cc/6kvp نسخ