25 أكتوبر، 2025
ANEP السبت 25 أكتوبر 2025

إدارة ترامب تنحرف عن مسار الشرعية الدولية.. والبوليساريو ترفع الصوت: لا تفاوض تحت الإملاء الأمريكي

نُشر في:
بقلم: أحمد عاشور
إدارة ترامب تنحرف عن مسار الشرعية الدولية.. والبوليساريو ترفع الصوت: لا تفاوض تحت الإملاء الأمريكي

في لحظة دقيقة من مسار القضية الصحراوية، خرجت جبهة البوليساريو بموقف واضح وصارم: لن تشارك في أي عملية سياسية أو مفاوضات على أساس مشروع القرار الأمريكي الذي يُعرض على مجلس الأمن بشأن الصحراء الغربية. هذا الموقف لم يكن مجرد ردّ فعل عابر، بل تحذير استراتيجي من انحراف خطير في مسار التسوية الأممية، ومحاولة لفرض “حل جاهز” يُجهض جوهر القضية: حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره بحرية.

المسودة الأمريكية، كما تسربت تفاصيلها، تُفرغ العملية السياسية من مضمونها حين تجعل من المقترح المغربي للحكم الذاتي الإطار الوحيد الممكن للتفاوض، متجاهلة الأساس القانوني للصراع كما كرّسته الأمم المتحدة منذ 1975: أن الصحراء الغربية إقليم غير متمتع بالحكم الذاتي، وشعبه صاحب الحق الحصري في تقرير مصيره. بهذا المعنى، لا يمكن اعتبار المسودة مجرد تعديل تقني، بل تحولاً جذرياً في الموقف الأمريكي، من “الوسيط المعلن” إلى “المنحاز الفعلي” للمخزن.

هذه الخطوة تأتي في سياق أوسع من الابتزاز السياسي الذي تمارسه واشنطن في ظل إدارة ترامب عبر ملفات الطاقة والأمن والهجرة، مستثمرةً في هشاشة النظام المغربي وعلاقاته الملتبسة مع اللوبيات الغربية، وفي مقدمتها اللوبي الفرنسي الذي يسعى لتثبيت “شرعية” الأمر الواقع. ما نراه اليوم هو محاولة أمريكية لتكييف القانون الدولي مع ميزان المصالح، لا العكس.

لكن حسابات واشنطن لا تنسجم مع حسابات الميدان ولا مع نبض الشعوب. فالصحراويون الذين صمدوا عقوداً في وجه الاحتلال، لا يمكن أن يُخدعوا بمشاريع تُسوّق باسم “الواقعية السياسية”، بينما هي في جوهرها تكريس للاحتلال تحت غطاء دبلوماسيّ جديد. إن إعلان البوليساريو رفضها لهذا المسار لا يمثل تحدياً للأمم المتحدة، بل دفاعاً عن ميثاقها وعن مصداقية قراراتها، التي باتت اليوم مهددة بسطوة المصالح الغربية على مبادئ الشرعية الدولية.

الجزائر من جهتها — الداعم الثابت لحق تقرير المصير — تجد العالم بات أمام مفترق حاسم: فالتطورات الأخيرة تُثبت أن القضية لم تعد محصورة في نزاع إقليمي، بل أصبحت اختباراً لصدقية المنظومة الأممية وقدرتها على مقاومة منطق الهيمنة. ولهذا، فإن الموقف الجزائري المتمسك بخيار الاستفتاء لا يعكس تعنتاً كما يروّج له الإعلام المغربي، بل تمسكاً بمبدأ لا يسقط بالتقادم ولا يُلغى بقرارات مفصّلة على مقاس المستعمر الجديد.

في المقابل، يواصل النظام المغربي استثمار القضية سياسياً ودعائياً، محاولاً تصوير الحكم الذاتي كـ“حل نهائي” يضمن الاستقرار، بينما هو في الحقيقة تجميل للاحتلال وتبييض للهيمنة. إن هذا الخطاب، المدعوم من باريس وواشنطن، لا يخفي حقيقة أن المغرب يعيش أزمة شرعية داخلية خانقة، وأنه بات يستخدم الورقة الصحراوية كدرعٍ ضد السخط الشعبي المتصاعد، وكسلاحٍ دبلوماسي لابتزاز الغرب.

من هنا، يصبح تحذير البوليساريو لمجلس الأمن ليس مجرد احتجاج دبلوماسي، بل صرخة في وجه التواطؤ الدولي: فحين تتحول الأمم المتحدة إلى منصة لإعادة تدوير مشاريع القوى الكبرى، وحين تُفرغ قراراتها من مضمونها، تفقد العدالة الدولية معناها.

إن الحل العادل لن يولد من دهاليز المكاتب الأمريكية، ولا من مقايضات باريس والرباط، بل من اعتراف صريح بأن الشعب الصحراوي وحده يملك القرار في مصيره. وما لم يستيقظ الضمير الأممي من سباته، فإن المنطقة ستدخل مرحلة جديدة من التوتر، تتحمل واشنطن ومعها حلفاؤها الغربيون كامل مسؤوليتها.

رابط دائم : https://dzair.cc/pfsa نسخ