8 أكتوبر، 2025
ANEP الأربعاء 08 أكتوبر 2025

إيران تحتضن مؤتمر “نحن والغرب”: مواجهة فكرية جديدة ضد الهيمنة الغربية

نُشر في:
بقلم: أحمد عاشور
إيران تحتضن مؤتمر “نحن والغرب”: مواجهة فكرية جديدة ضد الهيمنة الغربية

أعلنت طهران عبر موقع مؤتمر “ما و غرب” (نحن والغرب) عن تنظيم مؤتمر وطني علمي كبير تحت عنوان «آراء وفكر الإمام السيد علي الخامنئي حول الغرب»، حيث من المقرر أن ينعقد المؤتمر في 4 نوفمبر 2025، وذلك في مدينة بوشهر الإيرانية، ويُتوقّع أن يجمع المؤتمر باحثين ومفكرين من الداخل الإيراني وربما من الخارج، لمناقشة محاور تتعلق بفهم الغرب، ودور الغرب في النظام العالمي، ومواجهة الهيمنة الغربية، ونظرية الحضارة والمقاومة.

المؤتمر، الذي يُنظم تحت إشراف مؤسسة الأبحاث الثقافية للثورة الإسلامية، يهدف إلى تحليل الرؤية الإيرانية تجاه الغرب ونقد مفاهيم الهيمنة والاستعمار الثقافي، مع التركيز على بناء بدائل فكرية ومعرفية تُعزز مفهوم “الاستقلال الحضاري” في مواجهة ما تصفه طهران بـ”التبعية للمنظومة الغربية”.

محاور المؤتمر

يشير موقع مؤتمر “ما و غرب” إلى أن المؤتمر هو امتداد لسلسلة من الندوات التمهيدية التي عقدت في مناطق مختلفة من إيران، تناولت مواضيع مثل تحليل الاستراتيجية الإيرانية في مواجهة الاستكبار، واستشراف دور الفكر والمقاومة في مواجهة النفوذ الغربي. ولا تغفل الدعوة أن هناك منشورات وكتبًا مخصصة لدعم بحث المشاركين، ومواقع إلكترونية توفر مصادر القراءة مثل الكتب حول “الدراسات الغربية” و”ثنائية الأمة والمجتمع” وغيرها.

و يتناول المؤتمر مجموعة من المحاور الجوهرية، أبرزها: ماهية الغرب في الوعي الإسلامي ونقد المنظور الغربي للعالم؛ الاستعمار الجديد وأدواته الاقتصادية والإعلامية والثقافية؛ دور المقاومة الفكرية والسياسية في مواجهة الغزو الثقافي؛ وكذا إمكانية بناء نموذج حضاري إسلامي مستقل في مواجهة الهيمنة الغربية.

كما ينفتح المؤتمر على نقاشات فلسفية ومعرفية حول العلاقة بين “العقل الغربي” و”الروح الشرقية”، وكيفية صياغة خطاب ثقافي مقاوم يستند إلى الأصالة الإسلامية، ويستفيد من التجارب الإنسانية الحديثة دون الوقوع في فخ التقليد أو الاغتراب.

مشاركة مؤسسات علمية واسعة

تشارك في المؤتمر عدة جامعات إيرانية ومراكز بحثية كبرى، ضمنها جامعة طهران، جامعة الإمام الصادق، وجامعة بوشهر، إضافة إلى مفكرين من خارج إيران، سيقدمون أوراقًا بحثية حول مفهوم “الهوية الحضارية” في ظل العولمة.

وقد حُدد تاريخ 21 سبتمبر 2025 كآخر موعد لتقديم البحوث الأكاديمية، بينما تُعقد الندوات التحضيرية في عدد من المحافظات الإيرانية استعدادًا للحدث الرسمي في الرابع من نوفمبر المقبل.

دلالات سياسية وفكرية

يُنظر إلى المؤتمر باعتباره منبرًا استراتيجيا جديدًا تسعى من خلاله طهران إلى ترسيخ خطابها المناهض للغرب عبر أدوات فكرية وثقافية، بعدما نجحت لسنوات في تثبيت نفوذها الإقليمي بالمقاومة السياسية والعسكرية، حيث يندرج هذا الحدث في سياق السياسة الخارجية الإيرانية التي تراهن على “المقاومة المعرفية” إلى جانب المقاومة العسكرية والسياسية.

ويرى مراقبون أن تنظيم هذا المؤتمر في ظل تصاعد التوتر بين إيران والغرب حول ملفات الطاقة والعقوبات والملف النووي، يُظهر رغبة طهران في تحويل معركتها من الجبهة العسكرية إلى الجبهة الفكرية، عبر تقديم نفسها كقوة حضارية تواجه المشروع الغربي بمنطق “الوعي” لا “الصدام”، الأمر الذي يجعل من المؤتمر فرصة للعديد من الدول من أجل تحقيق تفاعل فكري، وربما لتوسيع علاقات ثقافية أكاديمية مع إيران، أو حتى “التحاور حول قضايا المقاومة والتداخل الإقليمي”، وفق ما أورده ذات الموقع.

في الداخل الإيراني، يُنتظر أن يعزز المؤتمر خطاب التيارات المحافظة والممانعة، ويسمح بفرص الالتقاء بين المفكرين الشباب والسياسات الرسمية. أما في السياق الإقليمي، فقد يُستخدم المؤتمر كمنصة لاستقطاب حلفاء إقليميين، خصوصًا من دول تواجه ضغوطًا غربية أو تطلعات متحرّرة.

تحدّيات التنفيذ

في المقابل هذه الآمال التي يضعها المنظمون على المؤتمر فإنه لا يخلو من عدة تحديات حيث أنه يحمل بعدًا دعائيًا موجهًا ضد النفوذ الغربي، ما قد يُثير نقاشات في الدول التي تربطها علاقات استراتيجية مع الغرب.

المؤتمر، رغم حجمه الرمزي، سيواجه تحديات عدة: ضمان التمثيل الخارجي، الجاذبية الفكرية أمام المنافسين في العالم الإسلامي، وكيفية تحويل المناقشات الكلامية إلى مشاريع مؤثرة على الواقع. كما أن الحضور الفعلي من خارج الحدود قد يكون محدودًا بسبب الحواجز الدبلوماسية والعقوبات.

إذًا، مؤتمر “نحن والغرب” في طهران يُعد حدثًا فكريًا استراتيجيًا في السياق الإيراني، يحمل دلالات سياسية واضحة، وقد يشكّل أحد أدوات التأثير الناعمة التي تُعيد رسم الخطاب المضاد للغرب في دول المنطقة. وهو فرصة للمراقبين العرب أن يتابعوا كيف يُدار الصدام الثقافي والمعرفي بين الشرق والغرب في هذا العصر.

صدى المؤتمر في العالم الإسلامي

وفي السياق ذاته، يتوقع محللون أن يجد المؤتمر تفاعلاً في أوساط فكرية عربية تشترك مع إيران في مبدأ رفض الهيمنة الغربية والدعوة إلى نظام عالمي أكثر توازنًا.

كما يُرتقب أن تفرز مداولات المؤتمر أوراقًا فكرية قد تُترجم لاحقًا إلى مبادرات ثقافية مشتركة بين جامعات من العالم الإسلامي، تمهد لحوار حضاري بديل يعيد تعريف العلاقة بين الشرق والغرب خارج المنظور الاستعماري التقليدي.

وبالمختصر فإن طهران تسعى من خلال مؤتمر “نحن والغرب”، إلى إعادة صياغة خطابها الحضاري وتكريس مفهوم المقاومة الفكرية، في لحظة مفصلية من التوتر العالمي، حيث تتحول الجبهات من ميدان الحرب إلى ميدان الفكر والثقافة، في معركة طويلة من أجل الاستقلال المعرفي والسيادة الثقافية.

رابط دائم : https://dzair.cc/y3qu نسخ