2 سبتمبر، 2025
ANEP الثلاثاء 02 سبتمبر 2025

الإشاعات الرقمية.. سلاح خفي لزعزعة الثقة والاستقرار

تم التحديث في:
بقلم: دزاير توب
الإشاعات الرقمية.. سلاح خفي لزعزعة الثقة والاستقرار

عرفت منصات التواصل الاجتماعي في الآونة الأخيرة انفجاراً في تداول الأخبار الكاذبة، حيث أصبحت بعض الصفحات الوهمية المحسوبة على أعداء الوطن، تستعمل الشعارات البصرية لوسائل إعلام معروفة لإضفاء المصداقية على معلومات مزيفة.

هذه الممارسات تعكس خطورة تطور أساليب التضليل، إذ لم يعد الأمر يقتصر على نشر إشاعات بسيطة، بل وصل إلى توظيف تقنيات الخداع البصري لإقناع المتلقي بصحة محتوى لا أساس له.

وفي هذا السياق، لم تسلم المنصات الإعلامية الجزائرية من هذه الموجة، حيث تعرضت “دزاير توب” في أكثر من مناسبة لعمليات فبركة استهدفت هويتها البصرية واستُعمل شعارها في نشر إشاعات لا علاقة لها بخطها التحريري.

الأخطر أن هذه الممارسات لم تعد مجرد مبادرات فردية معزولة، بل تحوّلت إلى تحركات منظمة ذات أهداف سياسية تتجاوز حدود البلاد. إذ تستعمل بعض الجهات هذه الحملات الرقمية كوسيلة للتأثير على الرأي العام الجزائري، وإضعاف الثقة في مؤسسات الدولة، وخلق حالة من الفوضى المعلوماتية التي تتيح تمرير رسائل معينة في ظل غياب التحقق والتدقيق.

هذا الواقع يضع الجزائر أمام تحديات متزايدة في مجال الأمن الإعلامي، ويؤكد أن مواجهة الأخبار الكاذبة لا يمكن أن تقتصر على الردود الظرفية، بل تتطلب استراتيجية وطنية شاملة تُشرك الإعلام، السلطات، والمجتمع المدني في بناء وعي جماعي يحصّن الساحة الرقمية من التضليل.

استهداف الرمزية السياسية..

الإشاعة الأخطر على الإطلاق جاءت قبل أسبوعين، حين انتشرت أخبار كاذبة تتحدث عن تواجد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون خارج البلاد، حيث تم اللجوء إلى صورة مفبركة بالذكاء الاصطناعي أعدها خائن الوطن وعميل فرنسا محمد سيفاوي.

هذه الخطوة تعكس مستوى متقدم من التضليل الرقمي، حيث لم يعد مروجو الإشاعات يعتمدون فقط على النصوص أو الصور التقليدية، بل صاروا يوظفون أدوات الذكاء الاصطناعي لإنتاج محتوى يبدو واقعياً ويصعب على المتلقي العادي التحقق من زيفه.

الفيديو الذي نشره سيفاوي على منصة “يوتيوب” لم يكن عفوياً، بل جاء بخطاب معد مسبقاً، ما يوحي بوجود ما يشبه “غرف مظلمة” متخصصة في إعداد حملات إعلامية تستهدف الجزائر بشكل مباشر.

الأخطر في هذه القضية أن الحملة اعتمدت على استغلال المنصات الرقمية المفتوحة لنشر خطابها التضليلي، في وقت امتنعت فيه حتى بعض القنوات التلفزيونية المعروفة بعدائها للجزائر عن تمرير هذه الكذبة الفاضحة، إدراكاً منها لانكشافها السريع وعدم قابليتها للترويج عبر وسائل الإعلام التقليدية.

هذا المشهد يكشف عن انتقال التضليل من مستوى الإشاعة التقليدية إلى مستوى الهجمات الرقمية الممنهجة، حيث يجري استغلال التطور التكنولوجي في تقنيات الذكاء الاصطناعي والفيديوهات المركبة (Deepfake) لصناعة سرديات زائفة تستهدف زعزعة الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة. وهو ما يفرض على الجزائر التعامل مع هذه الظاهرة باعتبارها تهديداً أمنياً وإعلامياً في آن واحد، لا يقل خطورة عن الحروب التقليدية.

ملف السيارات.. تزييف وتحريف

القضية الأبرز أيضا، تمثلت في تحريف ردّ قديم لسيفي غريب، حين كان وزيراً للصناعة، حول رسالة نائب في المجلس الشعبي الوطني تخص وكلاء السيارات الذين تلقوا مبالغ مالية دون تسليم مركبات للزبائن، الرد تضمّن إجراءات واضحة: استحداث منصة لاستقبال الشكاوى، توجيه إعذارات رسمية، وإلزام الوكلاء بإرجاع الأموال مع تعويض المتضررين.

غير أن هذا الرد أعيد تداوله بعد تعيين غريب وزيراً أول بالنيابة، لكن بصيغة مشوهة توحي بأنه يعارض استيراد السيارات الجديدة، وهو ما استُغل لتأليب الرأي العام ضد الحكومة.

في الحقيقة، الوزير سيفي غريب كان قد اتخذ منذ أشهر خطوات عملية لتصحيح الأخطاء السابقة في الملف، عبر لجان تقنية وقرارات تسعى لبعث صناعة وطنية حقيقية ومرافقة استثمارات دولية في المجال.

ومن جهتها، تصدت المنظمة الجزائرية لحماية المستهلك للتزييف، وأكدت أن الرد الأصلي يتوافق مع مطالبها منذ سنة لإجبار الوكلاء على احترام التزاماتهم، محذّرة من محاولات بعض السماسرة استغلال الملف لزرع الشكوك ودفع المواطنين للاعتقاد بأن حقوقهم مهددة.

شائعات الأسعار.. لعبة قديمة بأهداف جديدة

ملف الحليب بدوره كان هدفاً للتضليل. فقد جرى الترويج لمزاعم حول زيادات مرتقبة في أسعار الحليب المعقم. شركات الإنتاج الكبرى مثل صومام وحضنة، سارعت إلى إصدار بيانات رسمية تنفي فيها أي تغيير في الأسعار، قبل أن تؤكد وزارة التجارة بدورها التزامها بحماية المستهلك والتصدي لأي تلاعب.

هذه ليست المرة الأولى التي يُستغل فيها ملف المواد الواسعة الاستهلاك، إذ سبق أن استُعملت أخبار عن ندرة الزيت أو السكر لخلق حالة من الهلع، توظفها بعض الجهات سياسياً لضرب استقرار السوق الوطني وإضعاف ثقة المواطن في مؤسساته.

إعادة إحياء حادثة واد الحراش بنشر الأكاذيب والإشاعات

ملف آخر استُخدم لإثارة التوتر يتعلق بحادثة سقوط حافلة لنقل المسافرين في مجرى وادي الحراش بتاريخ 9 أوت المنصرم، والتي خلفت ضحايا وأثارت تعاطفاً واسعاً.

بعد أسابيع من الحادثة، انتشرت إشاعة وفاة السائق الموقوف رهن الحبس المؤقت. النيابة العامة لمجلس قضاء الجزائر نفت الخبر بشكل قطعي، مؤكدة أن التحقيق ما يزال جارياً أمام المصالح المختصة.

إعادة إحياء القضية في هذا التوقيت لم يكن بريئاً، إذ استُعملت المأساة لتهييج الرأي العام ضد السلطات، في وقت اتخذت الدولة قرارات هامة لتأمين قطاع النقل إثر اجتماع هام ترأسه رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون.

ختاما، ما يحدث اليوم يثبت أن الإشاعة لم تعد مجرد خبر ملفق، بل أداة تُستخدم بوعي كامل ضمن حرب إعلامية مفتوحة. الملفات المختارة ليست عشوائية: سيارات تمس جيب المواطن، حادثة إنسانية تعاطف معها الرأي العام، مواد استهلاكية تمثل حساسية معيشية، ورئيس الجمهورية بما يحمله من رمزية سياسية.

كل هذه الأمثلة تكشف عن محاولات منظمة لزرع التذمر والريبة في المجتمع، وفي مواجهة ذلك، يبقى الوعي الرقمي للمواطن حجر الزاوية. التحقق من الأخبار عبر المصادر الرسمية، وعدم الانجرار وراء عناوين مثيرة، أصبح اليوم واجباً وطنياً لحماية الذات والمجتمع من حملات تستهدف ضرب الاستقرار وزعزعة الثقة بين الدولة ومواطنيها.

رابط دائم : https://dzair.cc/jyvt نسخ