26 أكتوبر، 2025
ANEP الأحد 26 أكتوبر 2025

احتجاجات “جيل زد” في المغرب تدخل شهرها الثاني ومطالب متجددة بإطلاق سراح المعتقلين

نُشر في:
بقلم: أحمد عاشور
احتجاجات “جيل زد” في المغرب تدخل شهرها الثاني ومطالب متجددة بإطلاق سراح المعتقلين

رغم محاولات التهدئة الرسمية، ما تزال احتجاجات “جيل زد” تفرض حضورها في المشهد المغربي بعد مرور أربعة أسابيع على انطلاقتها. ورغم تراجع زخم التظاهر مقارنة بالبدايات، فإن الرسالة التي يبعثها الشباب إلى السلطة لا تزال نفسها: الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، وخصوصًا الإفراج عن المئات من المعتقلين الذين ما يزالون خلف القضبان منذ الموجات الأولى للاحتجاج.

مساء أمس السبت، خرجت مجموعات من الشباب في عدد من المدن المغربية، من الرباط إلى الدار البيضاء، ومن طنجة إلى فاس، في وقفات رمزية رفعوا خلالها شعارات من قبيل: “المعتقل ارتاح ارتاح، سنواصل الكفاح”، و”هي كلمة وحدة، الفساد عطا الريحة”. وفي الوقت الذي كانت فيه قوات القمع المخزني تراقب التجمعات من بعيد دون تدخل مباشر، فضّل المحتجون تنظيم وقفات قصيرة وسريعة، حرصًا على تفادي المواجهة وتكرار سيناريو الاعتقالات الجماعية الذي شهدته الأسابيع الأولى.

وبحسب الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، بلغ عدد الموقوفين منذ بداية الحراك أكثر من ألفي شخص، بينهم أكثر من ثلاثمائة قاصر، فيما لا يزال نحو ألف معتقل رهن الحبس الاحتياطي، وبعضهم حُكم عليهم بعقوبات قاسية وصلت إلى خمس عشرة سنة سجناً. ووصفت الجمعية هذه الممارسات بأنها قمع ممنهج لحرية التعبير، معتبرة أن الاعتقالات تهدف إلى ترهيب الجيل الجديد وإخماد صوته.

وفي هذا السياق، فإن حركة “جيل زد” ليست سوى الوجه الجديد لمطالب قديمة طالما رفعتها فئات مختلفة في المغرب، من حراك الريف إلى احتجاجات جرادة، وصولاً إلى الإضرابات الاجتماعية في القطاعات العمومية. غير أن ما يميز هذا الحراك هو طبيعته اللامركزية واللّاقيادية؛ فلا وجود لرموز أو متحدثين باسم المحتجين، ولا انتماءات حزبية أو نقابية واضحة. إنها ثورة رقمية تتشكل عبر المنصات الاجتماعية أكثر مما تتشكل في الشارع. جيل الإنترنت هذا لا ينتظر زعيماً ليتحدث باسمه، ولا يثق في وعود السياسيين، بل يصنع وعيه عبر الهاتف الذكي وشبكات التواصل، وهو ما يجعل التعامل الأمني معه صعبًا، لأن الحراك يتحرك أفقياً وسريع الانتشار، كما يصعب احتواؤه أو التفاوض معه عبر القنوات التقليدية.

وفي الجوهر، يعبر هذا الجيل عن أزمة ثقة عميقة بين المخزن والشعب المغربي. فالشباب الذين نشأوا على شعارات “النموذج التنموي الجديد” و”الجهوية المتقدمة”، لم يروا على أرض الواقع سوى ارتفاع الأسعار، وتراجع الخدمات، واستمرار الامتيازات نفسها بيد الفئات ذاتها. لقد سئموا من التبريرات ومن خطاب “الاستقرار أولاً” ومن تحميل الأوضاع للظروف الدولية أو الأزمات الخارجية.

ورغم كل ما يقال عن احترام الحق في التظاهر، فإن الواقع الميداني يظهر عكس ذلك. فالسلطات تتعامل مع الاحتجاج كتهديد أمني لا كمطلب اجتماعي، وهو ما يعمّق الفجوة بين الجيل الجديد والدولة. فبدلاً من فتح حوار وطني حول أسباب الغضب، تكتفي الحكومة بإرسال رسائل متناقضة: حديث عن الإصلاح في النهار، واعتقالات في الليل.

القضية لم تعد مجرد ملفات قضائية، بل اختبار سياسي حقيقي لمدى استعداد النظام المغربي للاعتراف بتغير المجتمع. جيل اليوم لا يشبه الأجيال السابقة: لا يخاف من الحديث عن الفساد، ولا يقبل أن يُعامل كقاصر سياسي. إنهم يطالبون بما يعتبره أي مواطن في دولة ديمقراطية حقاً بديهياً: الشفافية، الكرامة، والمحاسبة.

إن تجاهل القصر الملكي لهذا الغضب لن يؤدي إلى إخماده، بل إلى تراكمه بصمت. والتاريخ القريب أثبت أن الاحتجاج في المغرب لا يموت، بل يتحوّل من شكل إلى آخر. فكما وُلد حراك الريف من صرخة محسن فكري، وولدت احتجاجات جرادة من موت عمال الفحم، قد تولد موجة جديدة من رحم قمع جيل زد، أكثر نضجاً وأقل قابلية للاحتواء.

ولا يمكن فصل احتجاجات جيل زد عن الذاكرة الجماعية للحركات السابقة، فالشعارات تكاد تتطابق: الحرية للمعتقلين، العدالة الاجتماعية، رفع التهميش. وكأن الدولة لم تستخلص أي درس من السنوات الماضية. وبدل معالجة جذور الأزمة — التعليم، التشغيل، العدالة المجالية، غياب الثقة — ما زالت تتعامل مع الأعراض لا مع المرض. لكن هذا الجيل لا ينسى. لقد رأى كيف حوكم نشطاء الريف، وكيف أُقصيت أصواتٌ كثيرة فقط لأنها طالبت بالتنمية. لذلك لم يعد يثق في الحلول الترقيعية. وهو حين يخرج إلى الشارع، لا يفعل ذلك بدافع المغامرة، بل بدافع الكرامة والذاكرة. واليوم، لم يعد السؤال هو: لماذا يحتج الشباب؟ بل: إلى متى ستتجاهل السلطة أصواتهم؟

إن الحوار الحقيقي يبدأ بالاعتراف، والاعتراف يبدأ بالإفراج عن المعتقلين. فهؤلاء ليسوا مجرمين، بل مواطنين عبّروا عن وجع وطنهم. القمع قد يُسكت الصوت، لكنه لا يُخمد الفكرة، وجيل زد، بجسارته ووعيه الرقمي، يُثبت يوماً بعد آخر أنه المرآة التي تعكس وجه المغرب الحقيقي: بلدٌ يريد أن يعيش بكرامة، لا أن ينجو بصمت.

رابط دائم : https://dzair.cc/35in نسخ