الأحد 29 جوان 2025

الإمارات تخلّت كلية عن القضية الفلسطينية وانشغلت بتوسيع دائرة اتفاقيات أبراهام للتطبيع

نُشر في:
بقلم: أحمد عاشور
الإمارات تخلّت كلية عن القضية الفلسطينية وانشغلت بتوسيع دائرة اتفاقيات أبراهام للتطبيع

النظام الإماراتي يعمل حاليًا بنشاط لتوسيع نطاق “اتفاقيات أبراهام” في خضم تصاعد الحديث عن خطة أمريكية-إسرائيلية، يُفترض أنها تسعى لإنهاء الحرب في غزة وفتح الأبواب لموجة جديدة من التطبيع العربي والإسلامي مع إسرائيل، دون أن تقدم أي حلول جدية للقضية الفلسطينية.

خلال الأسابيع الماضية، شهدت المنطقة تكثيفًا ملحوظًا للنشاط الإماراتي في الكواليس. مصادر دبلوماسية متطابقة، بما في ذلك من صحيفة “إسرائيل هيوم”، تشير إلى دور قيادي تقوم به أبوظبي عبر اتصالات مكثفة مع عواصم عربية وإسلامية، أبرزها الرياض ودمشق، بهدف إدخالهما في دائرة الاتفاقيات.

هذه التحركات تظهر كيف تحولت الإمارات من مجرد مُطبّع إلى لاعب إقليمي محوري يسوّق لفكرة “سلام اقتصادي-استراتيجي” مع إسرائيل، متجاهلة بذلك جوهر الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.

وفقًا للمصادر الإسرائيلية، فإن الخطة الأمريكية-الإسرائيلية تتضمن وقف الحرب في غزة ومن ثم إعادة ترتيب المشهد الإقليمي سياسيًا وأمنيًا. هذه الخطة تشمل توسيع التطبيع ليشمل السعودية وسوريا، وتمرير فكرة “حل الدولتين” بصيغة تضمن لإسرائيل السيادة على مناطق واسعة من الضفة الغربية.

في هذا السياق، تلعب الإمارات أدوارًا متعددة كوسيط، مستثمر، ومروّج سياسي، متبنية خطابًا يروج للتطبيع كأنه ضرورة إقليمية لا مفر منها.

**”حل الدولتين” كستار للتطبيع**

اللافت في الخطة الأمريكية-الإسرائيلية إدراج “حل الدولتين”، لكنه يبدو مجرد واجهة دعائية أكثر من كونه مشروعًا جديًا. إذ تُقيّد هذه الفكرة بإصلاحات داخلية للسلطة الفلسطينية وتُبقي على سيادة إسرائيل في أجزاء كبيرة من الضفة الغربية. عمليًا، يُظهر هذا التوجه تكريس واقع الاحتلال تحت مسميات جديدة، فيما يبدو الحديث عن الدولة الفلسطينية كوسيلة لامتصاص الضغوط فقط، بينما يظهر أن التطبيع هو الهدف الحقيقي والمباشر.

الإمارات من جهتها، التي طالما بررت تطبيعها بأنه لصالح القضية الفلسطينية، يبدو أنها تجاوزت تلك الحجة الآن لصالح مقاربة تعتمد على المصالح الاقتصادية والأمنية فقط، دون أي التزام واضح نحو حقوق الفلسطينيين أو إنهاء الاحتلال.

**غزة كأداة لتغيير معادلات الإقليم**

الحرب المستمرة في غزة أصبحت، حسب مصادر “إسرائيل هيوم”، نقطة تحول حاسمة تستخدم كمدخل لإعادة رسم ملامح الإقليم. الاتفاق الأمريكي-الإسرائيلي يتحدث عن إنهاء الحرب خلال أسبوعين، مع ترتيبات جديدة تشارك فيها دول عربية، بينها الإمارات، لإدارة غزة بعد تحييد حركة حماس.

هذا الدور المتوقع للإمارات قد يشهد مشاركة سياسية وأمنية مباشرة في قطاع غزة في مشاريع تقود إلى تعميق الفصل بين غزة والضفة الغربية. هذه الخطط أثارت مخاوف فلسطينية من تكريس الانقسام وتقويض فكرة الدولة المستقلة.

والأخطر في هذا المشهد هو الاقتراحات المتعلقة بترحيل أجزاء من سكان غزة الراغبين في الهجرة إلى الخارج، والتي تثير الهواجس حول تغييرات ديمغرافية محتملة قد تنتهك الحقوق الفلسطينية.

**رهانات على السعودية وسوريا**

تلعب الإمارات وفق التسريبات دور المحرك الأساسي للتطبيع مع كل من السعودية وسوريا، رغم اختلاف مواقفهما تجاه إسرائيل. أبوظبي تراهن على الأزمات الاقتصادية والسياسية في المنطقة لدفع الدول الكبرى نحو الدخول في دائرة التطبيع.

السعودية، ورغم مؤشرات الانفتاح الأخيرة تجاه إسرائيل، لا تزال تتخذ موقفًا حذرًا وترفض القفز نهائيًا على الملف الفلسطيني، خصوصًا مع حساسية موقف الشارع السعودي. أما سوريا، ورغم ترددها الكبير بسبب عزلتها الدولية والأزمة الاقتصادية الخانقة، قد تجد في عروض إعادة الإعمار ورفع العقوبات إغراءً للالتحاق بمسار التطبيع.

**نهج “التطبيع أولاً”**

الاستراتيجية الإماراتية تقوم على فك الارتباط بين التطبيع وحل القضية الفلسطينية، حيث تقدم نفسها كوسيط يعارض استمرار الصراعات التاريخية ويركز على الاستقرار والتنمية كأولويات جديدة للمنطقة. إلا أن هذا النهج يثير تساؤلات خطيرة حول إمكانية تجاهل الحقوق الفلسطينية واحتمالية انفجار الصراع لاحقًا إذا تم تجاوز المطالب العادلة للفلسطينيين.

كما تثار تساؤلات حول مدى قدرة الإمارات على إقناع دول كبرى مثل الرياض أو دمشق، إذ يعتبر التطبيع قضية معقدة تتعلق بعوامل داخلية وخارجية متعددة، وتشمل أيضًا الحسابات المتعلقة ببقاء الأنظمة نفسها.

وتسعى الإمارات حاليًا إلى تعزيز دورها كمبادرة رائدة في توسيع اتفاقيات إبراهيم، حيث ترى أن السلام مع إسرائيل لا ينبغي أن يكون مرهونًا بحل القضية الفلسطينية.

مع ذلك، فإن هذا الطريق الذي يروج له ترامب ونتنياهو ويدعمه قادة الإمارات، قد يؤدي إلى توترات أكبر في المنطقة، لأنه يبدو أنه يتم تجاهل جوهر الصراع لصالح ترتيبات سياسية واقتصادية لا تعالج الحقوق المشروعة للفلسطينيين ولا تأخذ بعين الاعتبار الغضب الشعبي في العالمين العربي والإسلامي.

رابط دائم : https://dzair.cc/ofm4 نسخ