الجمعة 21 نوفمبر 2025

الجزائر–الصومال… بداية مرحلة جديدة من الانفتاح والشراكة

نُشر في:
بقلم: دزاير توب
الجزائر–الصومال… بداية مرحلة جديدة من الانفتاح والشراكة

تأتي زيارة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود إلى الجزائر في سياق دبلوماسي متجدد يعكس تحولًا واضحًا في مسار السياسة الخارجية الصومالية، نحو مزيد من الانفتاح والتنوع في الشراكات.

وتمثل الزيارة، وهي الأولى من نوعها منذ عقود، خطوة نوعية باتجاه استعادة الحضور الصومالي في الساحتين العربية والإفريقية، وذلك بعد سنوات طويلة طغت فيها الانشغالات الداخلية على السياسة الخارجية.

وتحمل هذه الزيارة رمزية سياسية لافتة، إذ جاءت عقب إعادة افتتاح السفارة الصومالية في الجزائر، في إشارة صريحة إلى رغبة مقديشو في إعادة بناء علاقاتها التاريخية مع دولة لطالما تم النظر إليها في الوعي السياسي الصومالي على أنها شريك موثوق، يجمع بين ثقل إفريقي راسخ وانتماء عربي فاعل.

وتبدو الجزائر شريكًا طبيعيًا في جهود الصومال لإعادة تموضعه في فضائه الجيوسياسي.

وتندرج الزيارة ضمن رؤية صومالية أوسع لإعادة صياغة سياستها الخارجية، والتي تقوم على ثلاث ركائز أساسية:

* الانفتاح المتوازن، من خلال بناء علاقات متعددة بعيدًا عن محاور الاستقطاب.
* الدبلوماسية التنموية، وذلك بتوجيه السياسة الخارجية لخدمة الأولويات الوطنية، كالتعليم والتنمية الاقتصادية وبناء القدرات.
* تعزيز الحضور الإفريقي، باستعادة الدور الصومالي داخل الاتحاد الإفريقي ومؤسساته

كما يمثّل هذا التوجه فرصة استراتيجية تمنح الصومال هامشًا أكبر للمناورة وجذب الدعم والاستثمارات بعيدًا عن الضغوط والشروط، بما يعزز مسار بناء دولة مستقرة وقادرة.

وتكتسي زيارة الرئيس الصومالي إلى الجزائر أهمية خاصة بالنظر إلى وزن الجزائر عربيا وإفريقيًا، فضلًا عن الظرف الإقليمي المعقد الذي يشهد إعادة تشكّل التحالفات السياسية والأمنية.

وتتجاوز الزيارة إطارها البروتوكولي لتعكس إدراكًا صوماليًا متزايدًا لأهمية تنويع الشراكات الدولية، وتخفيف الاعتماد على الخيارات التقليدية، والانفتاح على الدول صاحبة التأثير في الفضاءين العربي والإفريقي.

كما تمثل العودة إلى الجزائر أحد مؤشرات استعادة الصومال لعمقه الإفريقي، بعد فترة طويلة انحصر فيها اهتمامه في قضاياه الداخلية والمحيط العربي فقط.

كما تُعد الزيارة تعبيرًا عن رغبة صومالية في الاندماج من جديد في مشهد التعاون العربي–الإفريقي من خلال دولة لطالما لعبت دور الجسر بين المجالين.

كما تأتي إعادة افتتاح السفارة الصومالية بالجزائر لتجسد مرحلة جديدة من الحضور الدبلوماسي الصومالي المستند إلى الانفتاح والندية والمصالح المشتركة.

ولا يمكن فهم أبعاد الزيارة دون العودة إلى التاريخ المشترك الذي جمع البلدين على أساس مبادئ التحرر والدعم المتبادل.

فمنذ استقلالها، تبنت الجزائر سياسة خارجية داعمة لحركات التحرر وبناء الدولة في إفريقيا، كما حافظت على موقف ثابت تجاه الصومال، قائم على التوازن والاستقلالية.

ومنذ عهد الرئيس الصومالي عبد الله يوسف أحمد، برزت الجزائر كطرف داعم للمؤسسات الصومالية عبر دبلوماسية هادئة وفعالة، أسهمت في تعزيز الحضور الصومالي إقليميًا ودوليًا.

وشملت المواقف الجزائرية دعم البعثات الدبلوماسية الصومالية، والمساهمة في الجهود المشتركة داخل الإطار العربي، وتسهيل انخراط الصومال في المؤسسات الإقليمية.

كما قدمت الجزائر دعمًا مباشرًا للقوات الإفريقية (أميصوم)، انطلاقًا من قناعة بأن استقرار الصومال جزء من استقرار القارة.

وتميزت المقاربة الجزائرية بأنها بعيدة عن الحسابات الضيقة، وقائمة على الشراكة واحترام السيادة، ما أكسبها ثقة الصوماليين.

واليوم، تجدد الجزائر استعدادها لمساندة الصومال، سواء في مجال مكافحة الإرهاب، أو دعم الأمن البحري، أو تعزيز القدرات المؤسسية.

ومثّل توقيع اتفاق التعاون في التعليم العالي والبحث العلمي إحدى أهم نتائج الزيارة، باعتباره نقطة انطلاق جديدة لشراكة طويلة الأمد.

ويتضمن الاتفاق تبادل المنح الدراسية للطلبة الصوماليين، دعم الجامعات الصومالية ورفع قدراتها المؤسسية، تعزيز التعاون في مجالات العلوم والتكنولوجيا، وكذا الاستفادة من التجربة الجزائرية في إصلاح التعليم العالي والبحث العلمي.

وتم توقيع الاتفاق بحضور رئيسي البلدين، ما يعكس بعده السياسي والاستراتيجي، كما يجسد قناعة مشتركة بأن التعليم والبحث العلمي ركيزة أساسية للتنمية وبناء الدولة الحديثة.

ويفتح هذا التعاون آفاقًا واسعة أمام الطلبة والباحثين الصوماليين، ويُسهم في تطوير البنية الأكاديمية الصومالية بالاستفادة من الخبرات الجزائرية.

إضافة إلى ذلك، يمثل إعادة فتح السفارة الصومالية في الجزائر خطوة محورية تحمل أبعادًا متعددة، أهمها الإرادة سياسية لإعادة التموضع والانفتاح على شريك إفريقي محوري، وتسهيل التعاون العملي، حيث أن وجود سفارة فاعلة يعزز التنسيق ويسرّع تنفيذ الاتفاقيات، فضلاً عن خدمة الجالية والطلاب، من خلال تمثيل المصالح الصومالية وتعزيز العلاقات الاقتصادية والثقافية.

إضافة إلى مواكبة المتغيرات الإقليمية، لأن تعزيز العلاقات مع الجزائر يمنح الصومال قوة إضافية في مواجهة الضغوط الخارجية، وبذلك تتجاوز هذه الخطوة كونها إجراء إداريًا لتشكل جزءًا من رؤية استراتيجية صومالية لبناء شراكات متوازنة.

كما يمثل السفير يوسف أحمد حسن، الذي تسلّم مهامه مطلع 2025، نموذجًا لدبلوماسية صومالية أكثر فاعلية، فقد نجح خلال فترة قصيرة في إعادة تنشيط العلاقات الثنائية بعد سنوات من الركود، وتعزيز الحضور الصومالي في الإعلام والفضاء الرسمي الجزائري، والتحسين من صورة الصومال لدى النخب السياسية والأكاديمية، فضلاً عن تقوية الحوار السياسي بين البلدين.

وبهذا، يمكن القول أن زيارة الرئيس حسن شيخ محمود إلى الجزائر تمثل محطة مفصلية في مسيرة الدبلوماسية الصومالية الحديثة، فهي تعكس انتقال السياسة الخارجية من مرحلة الانكفاء إلى بناء شراكات استراتيجية قائمة على الندية والاحترام المتبادل.

ووفرت الجزائر نموذجًا لشراكة متوازنة يمكن للصومال البناء عليها في علاقاته مع بقية الدول الإفريقية والعربية.

كما أضفت الجهود الدبلوماسية للسفير الصومالي زخمًا إضافيًا على الزيارة، عبر تحويلها من حدث رمزي إلى مسار عملي يشمل ملفات التعليم والتنمية والدبلوماسية.

وتحمل الرسالة التي تبعث بها هذه الزيارة إلى المجتمع الدولي مضمونًا واضحًا، وهي أن الصومال يعود إلى الساحة الإقليمية كدولة فاعلة تسعى لصياغة سياستها وفق مصالحها، بعيدًا عن التبعية والهوامش.

اقرأ أيضًا

×
Publicité ANEP
ANEP PN2500018