الثلاثاء 30 ديسمبر 2025

الجزائر تنهي عهدتها غير الدائمة في مجلس الأمن.. دبلوماسية الواجب لا دبلوماسية المجاملة

نُشر في:
الجزائر تنهي عهدتها غير الدائمة في مجلس الأمن.. دبلوماسية الواجب لا دبلوماسية المجاملة

أنهت الجزائر عهدتها غير الدائمة في مجلس الأمن الدولي، لكنها غادرته وهي تحمل قناعة واضحة: أن العضوية ليست مقعدًا شرفيًا ولا مناسبة بروتوكولية، بل مسؤولية سياسية وأخلاقية في لحظة دولية تتكاثر فيها بؤر التوتر وتضعف فيها سلطة القانون الدولي أمام منطق القوة والأمر الواقع. هذا المعنى لخّصه ممثل الجزائر الدائم لدى الأمم المتحدة، السفير عمار بن جامع، حين أكد أن بلاده “تغادر مجلس الأمن وقد قامت بواجبها”.

هذا التصريح لا يمكن قراءته بوصفه خاتمة خطابية لعهدة دبلوماسية فحسب، بل كموقف سياسي يعكس فلسفة الجزائر في التعاطي مع القضايا الدولية: الدفاع عن السلم والأمن الدوليين عبر حلول سياسية عادلة، تحترم سيادة الدول وحقوق الشعوب، وتمنع تحويل النزاعات إلى ساحات مفتوحة للفوضى أو الهيمنة.

دبلوماسية المبدأ في زمن الأزمات

خلال جلسة مجلس الأمن المخصصة لمناقشة الأخطار التي تهدد الأمن والسلم الدوليين، شدد ممثل الجزائر على مسؤولية المجتمع الدولي في احتواء النزاعات قبل انفجارها، لا الاكتفاء بإدارتها بعد استفحالها. وهو طرح يعكس رؤية جزائرية لطالما حذرت من منطق “إطفاء الحرائق” بدل معالجة جذور الأزمات، سواء في إفريقيا أو الشرق الأوسط أو مناطق أخرى من العالم.

ومن هذا المنطلق، جاء دعم الجزائر الواضح لموقف الصومال الرافض لأي مساس بوحدته الترابية، باعتبار أن الاعتراف بإقليم “أرض الصومال” يشكل سابقة خطيرة تنتهك ميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي، وتفتح الباب أمام تفكيك الدول عبر قرارات أحادية. موقف لم يكن معزولًا، بل منسجمًا مع دفاع الجزائر الثابت عن سيادة الدول الإفريقية ورفضها لأي حلول تتجاوز المؤسسات القارية والدولية.

فلسطين الثابت الذي لا يتغير

في السياق ذاته، أعاد السفير بن جامع التذكير بطبيعة الوضع في فلسطين، في إشارة واضحة إلى ازدواجية المعايير التي تطبع أداء المجتمع الدولي، حيث تُغضّ الأبصار عن انتهاكات ممنهجة لحقوق شعب بأكمله، بينما يُرفع شعار القانون الدولي بشكل انتقائي. هذا الربط بين فلسطين والصومال ليس اعتباطيًا، بل يعكس تصورًا جزائريًا موحدًا: لا أمن دوليًا مستدامًا دون عدالة، ولا عدالة مع تجاهل حقوق الشعوب تحت الاحتلال أو التهديد.

مجلس الأمن: من الإقصاء إلى الشراكة

أحد أهم الرسائل السياسية في خطاب ممثل الجزائر تمثلت في دعوته إلى إشراك جميع الدول الأعضاء في أعمال مجلس الأمن، سواء كانوا دائمين أو منتخبين. وهي دعوة تحمل نقدًا ضمنيًا لطريقة تسيير المجلس، حيث تحتكر قلة من الدول صناعة القرار، بينما يُطلب من بقية الأعضاء تحمّل تبعات قرارات لم يشاركوا فعليًا في صياغتها.

وفي هذا الإطار، أبرز بن جامع دور الأعضاء غير الدائمين، مؤكدًا أنهم ليسوا فاعلين ثانويين، بل عنصرًا أساسيًا في تحقيق أهداف المجلس، إذا ما توفرت لهم مساحة حقيقية للتأثير. وهو تصور ينسجم مع مطالب أوسع بإصلاح منظومة الأمم المتحدة وجعلها أكثر تمثيلًا وتوازنًا.

إفريقيا في قلب المعادلة

التنويه بمجموعة “A3+” لم يكن مجاملة دبلوماسية، بل اعترافًا بدور تكتل إفريقي سعى، خلال السنوات الأخيرة، إلى توحيد الصوت الإفريقي داخل مجلس الأمن والدفاع عن قضايا القارة. وقد حرصت الجزائر، من خلال هذا الإطار، على إبراز أن إفريقيا ليست مجرد موضوع على جدول الأعمال، بل فاعل سياسي له مصالح ورؤية تستحق الاحترام.

حصيلة تتجاوز الولاية

تغادر الجزائر مجلس الأمن، لكنها تترك خلفها سجلًا من المواقف الواضحة: رفض المساس بسيادة الدول، الدفاع عن حق الشعوب في تقرير مصيرها، والدعوة إلى نظام دولي أكثر عدلًا وتوازنًا. وهي حصيلة لا تُقاس بعدد الخطابات أو البيانات، بل بقدرة الدبلوماسية الجزائرية على تثبيت منطق المبدأ في فضاء دولي يميل أكثر فأكثر إلى منطق القوة.

بهذا المعنى، لم تكن عبارة “قامت بواجبها” مجرد تقييم ذاتي، بل خلاصة تجربة أرادت الجزائر من خلالها أن تقول إن الدبلوماسية، حين تلتزم بالقانون والعدالة، تبقى قادرة على إحداث فرق، حتى داخل أكثر المؤسسات الدولية تعقيدًا.

رابط دائم : https://dzair.cc/yhnx نسخ

اقرأ أيضًا

×
Publicité ANEP
ANEP PN2500022