بقلم: بوبكر عبيد
لم يعد قطاع السياحة على الساحة الدولية مجرد نشاط اقتصادي تقليدي؛ بل غدا رافعةً استراتيجية، وأداةً فاعلة من أدوات القوة الناعمة، ومنصةً تبني من خلالها الدول صورتها، وتُثبّت سيادتها، وتُعزّز حضورها في موازين القوى الإقليمية والدولية.
وفي هذا المشهد المتحوّل، تمتلك الجزائر نقطة تفوّق نادرة لا تتوفر إلا لقليل من الدول: تاريخاً أصيلاً، عريقاً، وعميقاً يمتد عبر الحضارات.
من طاسيلي ناجر، الذي يشكّل «الأرشيف الإفريقي» الحقيقي للإنسانية، إلى الممالك النوميدية التي أسهمت في رسم ملامح المتوسط، وصولاً إلى المدن الرومانية التي تُعد من بين الأفضل حفظاً في العالم، تبرز الجزائر لا بوصفها بلداً فحسب، بل باعتبارها فضاءً استراتيجياً تتقاطع فيه المسارات الكبرى للتاريخ الإنساني.
هذا الرصيد الحضاري يمنح الجزائر شرعية جيوسياسية متنوّعة الأبعاد:
شرعية إفريقية نابعة من قِدم حضاراتها،
وشرعية متوسطية مستندة إلى دورها المحوري في حركة التبادل عبر التاريخ،
وشرعية مغاربية بفعل إسهامها في تشكيل توازنات المنطقة،
وشرعية دولية بفضل مواقفها الدبلوماسية المستقلة.
وفي عالمٍ يخوض سباقاً محموماً على السرديات والتأثير الثقافي، لم يعد الاستثمار في التاريخ الجزائري داخل القطاع السياحي قراراً ترويجياً فحسب، بل بات خياراً استراتيجياً لترسيخ الهوية الوطنية وإبرازها.
☆ فهو تأكيد أن الجزائر ليست دولة ناشئة، بل حضارة موغلة في القدم.
☆ وتذكير بأن جغرافيتها كانت على الدوام ملتقى للقارات، وليست هامشاً جغرافياً.
☆ وطرح لرواية أصيلة أمام العالم، بعيداً عن النماذج السياحية المصطنعة الخالية من الجذور.
وهكذا تتحول السياحة التاريخية والثقافية والمتعلقة بالذاكرة إلى أداة توازن ووسيلة لعرض صورة مستقرة وموثوقة ومحترمة، مع تعزيز موقع الجزائر ضمن ديناميات المغرب العربي والساحل وإفريقيا وحوض المتوسط.
إنّ هذا الرهان يتجاوز حدود الرحلة والسفر؛
إنه يتعلق بإعادة تموضع الجزائر في المكانة التي يفرضها تاريخها ودورها الحضاري ضمن خارطة القوى المعاصرة.
