الأربعاء 26 نوفمبر 2025

الجمهورية الصحراوية تُدوّي في لواند.. والمخزن يبتلع صدمة جلوسه وجهاً لوجه مع الرئيس إبراهيم غالي والوفد المرافق له.. بقلم: معمر قاني

تم التحديث في:
بقلم: معمر قاني
الجمهورية الصحراوية تُدوّي في لواند.. والمخزن يبتلع صدمة جلوسه وجهاً لوجه مع الرئيس إبراهيم غالي والوفد المرافق له.. بقلم: معمر قاني

لم يكن أحد يتوقع أن تنقلب لواندا إلى مسرحِ كشفٍ بهذا القدر من الفجاجة، حيث تتهاوى الروايات المصنوعة في مطابخ المخزن كما تتهاوى أوراق الخريف تحت أول نفخة ريح. فبعد نصف قرن من الصراخ بأن “الجمهورية الصحراوية مجرد سراب”، جاءت القمة الإفريقية–الأوروبية لتكشف، بدمٍ بارد، أن السراب لم يكن سوى انعكاس الوهم المغربي، وأن الحقيقة كانت تمشي على قدمين، وتصافح الوفود، وتجلس بثقة على الطاولة نفسها التي جلس عليها الوفد المغربي نفسه، وإن كان ذلك في صمت يشبه صمت من التُقط متلبساً بالكذب.

كانت لواندا هذه المرة مسرحاً بلا ستائر ولا مراوغات، مشهداً أفلت من الرقابة المغربية التي اعتادت أن ترسم للعالم صورة على مقاسها، وصورة أخرى لشعبها على مقاس خداعها، فالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية حضرت بكل تفاصيل الدولة: رئيسها إبراهيم غالي، علمها، ممثلوها، خطابها الرسمي، لا ضجيج، لا بهرجة… فقط وجود ثقيل يضرب كل الأساطير المغربية في مقتل، أما الوفد المغربي، فكان حاضراً بحجم الغياب: جسداً بلا خطاب، وموقفاً بلا حجة، وصمتاً يشبه اعترافاً غير معلن بأن شاشة الدعاية التي اعتاد عليها لم تعد تصلح خارج الحدود.

المثير للسخرية أن المخزن كان قد أعدّ لشعبه “نصراً مسبقاً” قبل أن يبدأ المؤتمر، سرّب المسودة الأولى للقمة، وأوهم الداخل بأن أوروبا منحت الرباط تفويضاً لم يُمنح لأي طرف آخر، ثمّ خرج الناس يحتفلون بلا ذنب سوى أنهم وثقوا في مؤسسات رسمية لا تتقن سوى صناعة الغبار ليمشي عليه المواطن معتقداً أنها طرق معبّدة، ثم جاءت النسخة النهائية، فاختفت من التلفزيون المغربي كما تختفي الحقيقة من خطاب رسمي، وحين ظهرت الحقيقة من لواندا، ظهرت مثل صفعة باردة على خدٍّ كان يتهيّأ لاحتفال.

الجلوس وجهاً لوجه بين المغرب والجمهورية الصحراوية لم يكن مجرد حدث بروتوكولي، بل كان سقوطاً ناعماً لجدارٍ بُني من القش، المخزن الذي يقاتل منذ عقود لإثبات أن “الدولة الصحراوية غير موجودة”، وجد نفسه مضطراً لجلوس مشترك مع هذه الدولة “غير الموجودة”. مشهد أكثر قسوة من كل الهزائم الدبلوماسية السابقة، وأكثر فصاحة من ألف بيان رسمي، هذه ليست “تيكاد“، ولا “بريكس“، ولا قمة ثنائية يمكن للرباط أن تشوش عليها. هذه منصة كبرى، يرتفع فيها الصوت الإفريقي عالياً، ولا يُسمح فيها للدعاية بأن تفرض ألوانها على المشهد.

ولأن الحقائق المؤلمة لا تأتي وحدها، فقد جاء حضور الجمهورية الصحراوية في لواندا ليعيد التذكير بأن الاعتراف الدولي ليس منشوراً على منصة المخزن، ولا خبراً مفبركاً بثلاث كاميرات، بل حصيلة شرعية اكتسبتها دولة عبر العقود، وراكمتها بممارسة السيادة داخل المنظومة الإفريقية. أما المغرب، فظل يعالج أزمته الوجودية مع هذه الحقيقة بتوزيع المسكنات الإعلامية، حتى لم يعد جسده قادراً على امتصاصها.

إن الحقيقة التي خرجت من لواندا لم تكن بحاجة إلى خطابات مطولة، ولا إلى انتصار رمزي، ولا إلى لغة خشبية، يكفي أن تجلس الجمهورية الصحراوية في مقعدها الشرعي ليذوب صوت المخزن كما يذوب الجليد تحت الشمس، ويكفي أن يُترك المغرب لحظة واحدة دون ميكروفونه الرسمي حتى تتعرى هشاشة روايته كلها، أمام إفريقيا، أمام أوروبا، والأهم، أمام شعبه الذي لم يعد يملك ترف تصديق الخرافات المجانية.

لقد انتهت قصة المسودات، وانهار آخر حصون الوهم، وبقيت الحقيقة وحيدة في القاعة: هناك دولة اسمها الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، دولة قائمة، ثابتة، معترف بها في الاتحاد الإفريقي، دولة تحضر وتشارك وتُوقّع، بينما المخزن يقف عند الباب، يراجع آخر نشرات التضليل التي فقدت صلاحية الاستعمال.

في لواندا، لم يكن المشهد مجرد مؤتمر، كان كشفاً وجودياً، كان لحظة انكسار بين واقع دولي لا يكترث للدعاية، وسردية مغربية لا تعيش إلا داخل حدودها، وما بين الحقيقة والخيال ظهرت الصحراء الغربية، حاضرة بشحمها ولحمها، بينما سقطت الرواية المغربية مثل حجر ألقي من علٍ بلا شبكة أمان.

رابط دائم : https://dzair.cc/u8lr نسخ

اقرأ أيضًا

×
Publicité ANEP
ANEP PN2500018