الجمعة 12 ديسمبر 2025

الدورة الـ 23 للجنة المشتركة الكبرى الجزائرية – التونسية للتعاون… هذا ما قاله الوزير الأول

نُشر في:
بقلم:
الدورة الـ 23 للجنة المشتركة الكبرى الجزائرية – التونسية للتعاون… هذا ما قاله الوزير الأول

ألقى اليوم الجمعة، الوزير الأول، سيفي غريب، كلمة خلال الجلسة الموسعة للدورة الثالثة والعشرين للجنة المشتركة الكبرى الجزائرية – التونسية للتعاون
(تونس في 12 ديسمبر 2025).

وفي التالي نص الكلمة كاملةً:

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين،

– صاحبة المعالي والأخت الكريمة، السيدة سارة الزعفراني الزنزري،رئيسة الحكومة بالجمهورية التونسية،
– أصحاب المعالي الوزراء،
– أصحاب السعادة السفراء،
– السيدات والسادة الحضور،

إنه لمن دواعي السعادة والسرور أن أحل بين أهلي وإخوتي على أرض تونس الشقيقة، البلد الذي نُكِنُّ له كل المحبة والمودة والتقدير،معربا عن جزيل الشكر وتمام الامتنان نظير ما لقيت والوفد المرافق لي، من حسن الاستقبال وكرم الضيافة، وهي من الشيم العريقة المعهودة لدى الشعب التونسي الشقيق، والتي تُعبِّرُ بصدق عمَّا يجمع بلدينا وشعبينا الشقيقين من تآخي وتضامن.

ولا يفوتُنِـي بداية أن أُنوِّه بالمستوى المتميز والنوعي الذي بلغته علاقات بلدينا الشقيقين والخطوات الكبيرة التي يشهَدُها التعاون بينهما في ظل الإرادة القوية التي تحدو قائديهما، رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، وأخيه فخامة الرئيس قيس سعيد، من أجل الرقي بها إلى مصاف الشراكة الإستراتيجية والاندماجية، تكون في مستوى النضال والتضحيات المشتركة لشعبينا الشقيقين، وتُحقِّق تطلعاتهما إلى المزيد من التكامل والنفع المتبادل.

‎معالي السيدة رئيسة الحكومة،
السيدات والسادة،

إن التئام اجتماع لجنتنا اليوم يُمثل فرصة مواتية للوقوف معا على واقع علاقات التعاون والشراكة بين بلدينا، وبحث راهنها ومستقبلها، وخاصة من خلال تقييم ما تم تجسيده منذ الدورة الأخيرة للجنة المشتركة الكبرى للتعاون، بالجزائر يوم 4 أكتوبر 2023، والتي تُعْتَبَرُ الآلية المحورية لمتابعة ومرافقة الحركية الهامة التي تعرفها علاقات التعاون بين بلدينا الشقيقين.

لقد بلغت علاقات تعاوننا وشراكتنا درجة من النُّضْجِ والتجربة، تُمكننا أن نتخاطب كإخوة وجيران، بالموضوعية الضرورية، التي تضمن تعزيز وتكريس كل ما هو إيجابي ومفيد للطرفين، وتصويب وتقويم كل ما هو دون ذلك، من خلال وضع آليات مبتكرة ومُكيَّفة تسمح بتذليل أي عقبات تعترض تجسيد طموحاتنا المشتركة في مختلف المجالات.

في هذا الصدد، وكتقييم أولي، يُمكنني أن أنوه بالنتائج الايجابية والـمـُـــــرْضِيَة التي تحققت في العديد من قطاعات التعاون، حيث أُثمن عاليا التنسيق المتواصل والمكثف بين البلدين لمواجهة مختلف التهديدات الأمنية، لاسيما في مجال تأمين الحدود المشتركة، من أجل الحد من مخاطر الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للحدود والهجرة السرية والتهريب بمختلف أشكاله والاتجار بالمخدرات.

ولا زال التعاون بين البلدين في هذا المجال يخطو خطوات ثابتة وتبعث على الارتياح، كما أكدته مخرجات الاجتماع الثاني للجنة الأمنية المشتركة المنعقدة بالجزائر يومي 14 و15 جويلية 2025، الذي تم خلاله تقييم الوضع الأمني بالمنطقة ودول الجوار وتداعياته على أمن البلدين.

كما لا يفوتني أن أعرب عن ارتياحي لتوقيع بلدينا مؤخرا على اتفاق للتعاون في المجال العسكري في أكتوبر 2025، والذي يشكل لبنة إضافية في صرح التعاون الثنائي في هذا المجال هام.

وفي مجال الطاقة، الذي يمثل حلقة أساسية في التعاون الثنائي، نسجل بارتياح مساهمة الصادرات الطاقوية الجزائرية في تلبية الطلب الداخلي في تونس على الغاز الطبيعي والكهرباء، ونطمح إلى تعزيز التعاون في هذا المجال من خلال تجسيد المشاريع المهيكلة الرامية لتعزيز الربط الكهربائي الثلاثي.

معالي السيدة رئيسة الحكومة،
السيدات والسادة،

لقد عرف حجم المبادلات التجارية بين البلدين ارتفاعا خلال السنوات الأخيرة، حيث بلغ 2.30 مليار دولار سنة 2024، يُـهَيْمِنُ قطاع المحروقات على تركيبتهِ السِّلَعِيَّة. ورغم أن تونس تحتل المرتبة الثانية إفريقياً من بين الشركاء التجاريين للجزائر، إلا أن البيانات الإحصائية تُشير إلى أن المبادلات البينية تبقى دون مستوى قدرات البلدين.

ولذلك يتعين العمل من أجل دفع التعاون والشراكة نحو المزيد من التكامل والاندماج، عبر توفير الشروط المناسبة لرفع التبادل التجاري خارج المحروقات، ولاسيما من خلال إزالة جميع المعوقات البُنْيَوِيَّة أو الظرفية التي تقف حاجزاً أمام تطوير وانْسِيَابِيَّة حركة المبادلات التجارية. وفي هذا الإطار، نؤكد بشكل خاص على أهمية عقد اجتماعات اللجان التقنية الفرعية لمرافقة التبادل التجاري ووضع الأطر التنظيمية المناسبة لتسهيل انسياب السلع والخدمات بين البلدين، وتكريس الثقة بين المتعاملين الاقتصاديين من الجانبين.

معالي السيدة رئيسة الحكومة،
السيدات والسادة،

إن تعزيز التبادل التجاري يجب أن يرتبط بحركية مشابهة على مستوى ترقية الشراكة الاستثمارية بين البلدين، وهو ما تتجلى معه الحاجة الـمُلِحَّة لتكثيف التواصل بين المستثمرين ورواد الأعمال من البلدين، ووضع أطر مؤسساتية وقانونية تتناسب مع المتغيرات الاقتصادية المحلية والتحولات الدولية، وتساهم في بعث ديناميكية فعلية للشراكة بين البلدين.

إن وتيرة الإصلاحات الاقتصادية التي يشهدُها البلدان والفُرص الكثيرة التي يُتيحها التزامُهما ببناء شراكة متكاملة ومُندمجة، تُشَكِّل حافزا أساسيا للشروع في تجسيد العديد من المشاريع المشتركة.

ولعل عدد المشاريع المسجلة لدى الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمارات ناهزت قيمتها 350 مليون دولار، ونوايا الاستثمار التي تكاد تقارب هذا المبلغ، كلها مؤشرات تبعث على التفاؤل بمستقبل الشراكة وتبعث على مواصلة العمل من أجل الدفع بها قدما.

وفي هذا السياق، فقد أكدت الآفاق الواعدة للشراكة التي تم استعراضها يوم أمس خلال المنتدى الاقتصادي الجزائري-التونسي حجم الفرص المتاحة للتعاون، ولذا يتعين تكثيف التنسيق من أجل مرافقة المتعاملين المعنيين وتهيئة الظروف المناسبة لهم لتجسيد مشاريعهم ومنح علاقاتنا الثنائية المحتوى الاقتصادي الذي طالما شَدَّدَ قائدا بلدينا على أهمية الرقي به وتعزيزه.

معالي السيدة رئيسة الحكومة،
السيدات والسادة،

تتميز العلاقات الجزائرية-التونسية بالترابط المتجذر بين شعبين تجمعهما الثقافة والتاريخ واللغة والدين، فضلا عن تاريخ نضالي مشترك وإيمان راسخ أيضا بالمصير المشترك.
وبذلك، يشكل الجانب الإنساني جوهر هذه العلاقة المتينة، باعتباره الأساس الحقيقي والقوي للتواصل والتضامن بين بلدينا الشقيقين.

وفي هذا المضمار، يتعين مواصلة العمل من أجل تكييف وتطوير الإطار القانوني لتَنَقُّلِوإقامة الأفراد بين الجانبين، وتشجيع التواصل الثقافي في مختلف أشكاله وصوره، وتكثيف التظاهرات العلمية والثقافية والرياضية، فضلا عن تعزيز التبادل الطُّلابي.

ولعل إعادة تشغيل خط السكة الحديدية بين عنابة وتونس في أوت 2024، بعد انقطاع دام سنوات طويلة، يُشكل سانحة للتأكيد على أهمية تكثيف التعاون في مجال النقل وتَيْسيرِ التواصل بين البلدين، وتوفير شروط ديْمُومَتِه وتحسين الخدمات المرتبطة به.
كما أن موافقة الجانبين على إنشاء “مركز ثقافي” لكل بلد لدى الآخر، سيساهم في تعميق التقارب، ودليل إضافي على العناية التي توليها حكومتا البلدين للبعد الثقافي في علاقاتهما الثنائية.

معالي السيدة رئيسة الحكومة،
السيدات والسادة،

إن هذه المحاور الاستراتيجية الواعدة لتعزيز العلاقات بين البلدين، تتطلب تبني خارطة طريق واضحة المعالم، يتم من خلالها وضع آليات عملية وفق برنامج زمني واضح لتجسيد مشاريع التعاون في القطاعات الحيوية وذات الأولوية، فضلا عن تلك التي تتيحها الفرص الهامة للشراكة والاستثمار، وخاصة تلك التي سبق اقتراحُها من قبل “لجنة التفكير والاستشراف”، خلال اجتماعها الأول، المنعقد بتونس في 8 مارس 2024، فيما يتعلق بالتعاون في مجالات الأمن الغذائي وإنتاج القمح وتحلية مياه البحر وتطوير النقل، وهي مشاريع جديرة أن يبدأ البلدان في تجسيدها.

كما يتعين أيضا التفكير بجدية في تطوير آليات التعاون التقليدية من خلال النظر في ترشيد عملها وتكييفها وإعادة هيكلتها بما ينسجم مع الآفاق الاقتصادية في البلدين.

معالي السيدة رئيسة الحكومة،
السيدات والسادة،

إن هذا الزخم الذي تشهده علاقات التعاون والتضامن بين البلدين يجد أيضا سَنَدَهُ في التطابق التام لوجهات نظر البلدين إزاء العديد من القضايا ذات الاهتمام المشترك، وتَمَسِّكِهِمَا بالدفاع عن المبادئ والقيم التي تُنَظِّم المجتمع الدولي وتحمي النظام متعدد الأطراف من الانهيار.
ففي ظل الأزمات والمآسي التي يعيشها العالم العربي، يقف البلدان بقوة إلى جانبالشعب الفلسطيني في مواجهة حرب الإبادة ومحاولات الإجهاز على قضيته من قبل الاحتلال الغاصب، ويُساندان نضاله لنيل حقوقه وبناء دولته المستقلة وعاصمته القدس. كما يتقاسم البلدان نفس الموقف إزاء ما يدور في لبنان وسوريا، البلدان الشقيقان اللذان مازالا يتعرضان لاعتداءات سافرة من الاحتلال الإسرائيلي.

هذا ويدعم بلدانا تسوية سياسية شاملة للأزمة في ليبيا الشقيقة، من خلال تمكين الأشقاء الليبيين أنفُسِهِم من تحقيق المصالحة الوطنية والإسراع في تنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية، تُفضي إلى بناءمؤسسات موحدة وشرعية وقوية، بما يحقق أمن واستقرار ووحدة هذا البلد الشقيق، بعيدا عن التدخلات الخارجية، وبما يحفظ ثرواته ويضمن تسخيرها في خدمة رفاهية الشعب الليبي الشقيق.
كما يسعى البلدان إلى جانب مصر الشقيقة،لبعث المساهمة بشكل جماعي في مرافقة الأشقاء الليبيين على هذا الدرب، كما تم تأكيده جَلِيًّا خلال الاجتماع الأخير للآلية الوزارية الثلاثية بالجزائر يوم 6 نوفمبر 2025.

وضمن ذات التوجه، يتفق البلدان على أهمية استعادة الوئام في السودان الشقيق والحفاظ على وحدته وسيادته وحقن دماء أبناءه وحماية ثرواته.

وعلى ضوء هذه التوافق والانسجام، يتعين تعميق التنسيق والتشاور حول مُجمل القضايا الإقليمية والدولية التي تَهُمُّ بلدينا، في عالم يمُوج بالتقلبات والتطورات المضطربة، قصد المساهمة في الحفاظ على استقرار منطقتنا وتعزيز مناعة بلدينا أمام مختلف التحديات والمخاطر.

معالي السيدة رئيسة الحكومة،
السيدات والسادة،

لا يمكنني أن أختم كلمتي هذه، دون أن أسدي واجب الشكر الجزيل للجنة المتابعة التي ترأسها مناصفة وزيرا خارجية بلدينا، معالي السيد أحمد عطاف وأخيه معالي السيد محمد علي النفطي، اللذان أشرفا باقتدار على عمل الخبراء وكبار المسؤولين على مدار الأيام الماضية، إلى غاية التوصل إلى النتائج الهامة المعروضة اليوم أمام لجنتنا، والتي من شأنها تعزيز الإطار القانوني والمؤسساتي للتعاون الثنائي.

وختاما، وإذ أجدد الشكر لكم الأختالفاضلة، معالي رئيسة الحكومة، على كرم الضيافة وحسن الوفادة، لا يفوتُني أن أعرب لكم عن خالص تمنياتي بأن تكون هذه الدورة محطة متميزة على درب تعزيز التعاون والشراكة والتضامن بين الجزائر وتونس، لترقى إلى مستوى الإرادة السياسية لقائدي بلدينا، وتكون عند حسن ظن وتطلعات شعبيناالشقيقين.

عاشت الجزائر، عاشت تونس
وعاشت الأخوة الجزائرية-التونسية
أشكركم على كرم الإصغاء وحسن المتابعة.

رابط دائم : https://dzair.cc/20ui نسخ

اقرأ أيضًا