28 أكتوبر، 2025
ANEP الثلاثاء 28 أكتوبر 2025

الريف يغلي من جديد والمخزن يكمّم جيل “زد” كما كمّم الزفزافي

نُشر في:
بقلم: أحمد عاشور
الريف يغلي من جديد والمخزن يكمّم جيل “زد” كما كمّم الزفزافي

بينما يحاول النظام المغربي تسويق صورة “الاستقرار” و”الانفتاح” أمام الخارج، يخرج صوتٌ من داخل الزنازين ليهدم كل هذه الدعاية الرسمية. ستة من معتقلي حراك الريف، القابعين في سجن طنجة 2، وجّهوا رسالة قوية إلى العالم، يطالبون فيها بإطلاق سراح كل معتقلي الرأي، وفي مقدمتهم النقيب محمد زيان، وأبناء “جيل زد” الذين اعتُقلوا على خلفية الاحتجاجات الاجتماعية الأخيرة. رسالة تحمل من الألم بقدر ما تحمل من الوعي السياسي، وتعيد إلى الواجهة حقيقة أن المغرب يعيش مرحلة احتقان جديدة، عنوانها: جيل جديد يواجه نفس آلة القمع القديمة.

لم تكن الرسالة مجرد نداء إنساني، بل شهادة دامغة على أن سياسة المخزن لم تتغير قيد أنملة منذ حراك الريف سنة 2017. فبينما يتحدّث النظام عن “الجهوية الموسعة” و”النموذج التنموي الجديد”، لا تزال السجون المغربية تعجّ بأصوات الشباب الذين حلموا فقط بوطنٍ يليق بالعيش. وكأن قدر الريف وأبنائه أن يُعاقَبوا لأنهم طالبوا بالمستشفى والجامعة وفرص العمل، في حين تُمنح امتيازات بملايين الدولارات لشركات أجنبية مقابل الصمت السياسي والتطبيع الممنهج.

الرسالة تذكّر المغاربة والعالم بتضحيات الراحل أحمد الزفزافي، والد ناصر، الذي نذر ما تبقّى من عمره دفاعًا عن ابنه ورفاقه وعن كرامة الريف بأكمله، وتندد بما يحدث للنقيب محمد زيان، رجل تجاوز الثمانين، يحمل قضيته على كتفيه، يتنقّل بين المحاكم والسجون بوجهٍ منهك وجَلدٍ من فولاذ، فقط ليُسمِع صوت المظلومين في وطنٍ بات الصمت فيه تهمة، والكلمة الحرة جريمة يعاقَب صاحبها بالسنوات الطوال.

المعتقلون الستة قالوها بوضوح: “الدولة اختارت التزمت والتطرف في مواقفها”. جملة تكشف عقلية سلطة المخزن التي ترى في كل احتجاج “تهديدًا” وفي كل صوتٍ حر “عدوًّا”. فبدل أن تُصغي للمطالب الاجتماعية والصرخات الشبابية، اختارت المقاربة الأمنية التي لم تخلّف يومًا إلا الغضب والاحتقان.

اليوم، يمتد صدى تلك الرسالة إلى جيلٍ جديد لم يعرف الزفزافي الأب، لكنه يعي تمامًا أن الحرية لا تُوهب في المغرب بل تُنتزع. جيل “زد”، الذي خرج عبر “تيك توك” و”إنستغرام” يهتف ضد الغلاء والفساد، يواجه نفس العصا التي وُجّهت لحراك الريف. النظام الذي لم يتسامح مع من طالبوا بالمستشفى والجامعة، لن يتسامح مع من يطالبون بالعدالة الاجتماعية والسيادة الوطنية في زمن التطبيع والتضييق.

إن الربط بين سجن الزفزافي واعتقال زيان وجيل “زد” ليس مصادفة؛ إنه تأكيد على أن المخزن يخاف من الوعي أكثر مما يخاف من الثورة. يخاف من المحامي الصلب الذي يفضح فساد القضاء، ومن الشاب الذي يصوّر مظاهرة بهاتفه، ومن المغترب الذي يفضح تناقضات “المغرب الجديد” من بروكسل أو باريس.

ولعلّ المسيرة الأخيرة في بروكسل، التي تزامنت مع أربعينية أحمد الزفزافي، جاءت لتكشف أن الريف لم يمت، وأن القضية تجاوزت حدود الجغرافيا لتصبح رمزا للمقاومة المدنية في وجه نظامٍ يحتكر كل شيء: السلطة، الثروة، وحتى الكلام.

في النهاية، لا يمكن لأي نظام أن يسجن جيلًا بأكمله، ولا يمكن لألف سجن أن يخنق فكرة الحرية. فمن الزفزافي إلى زيان إلى جيل “زد”، تمتدّ خيوط الحكاية نفسها: شعبٌ يرفض الركوع، وسلطةٌ لا تتقن سوى العصا.

رابط دائم : https://dzair.cc/eoni نسخ