ما كشفه الخبر الأخير من أن الزفزافي — أحد الرموز المعروفة للمعارضة وأيقونة حراك الريف— يتعرّض لتهديدات بالقتل وتصفية جسدية، ليس مجرد حادثة أمنية عابرة. إنه جزء من مسلسل قمع ممنهج يُعيد رسم خريطة دولة البوليس والقمع في المغرب، حيث يُمكن أن تتحوّل كلمة إلى تهديد، وفيديو إلى حكم بالإعدام قبل أن تُفتح المحكمة.
أول ما يثير الغضب هو أن التهديدات جاءت علانية ومعلنة، والشخص المستهدف — مع ذلك — مُطالب بأن يصمت! النيابة العامة تُمنح مهلة 72 ساعة فقط “للتفاعل” مع فيديو التهديد، كما لو أن حق الحياة يُقايض بورقة رسمية.
هذا التصرف يعكس ليس فقط ضعف مؤسسات العدالة في منظومة المخزن، بل إمعانًا في الترهيب والتسلط: الفرد مطالب بالدفاع عن حياته كما لو كانت جريمة، والسلطة — بدلاً من توفير الحماية — تضعه في خانة المطلوب عليه إثبات براءته أمام “عصابة مجهولة”.
إنها رسالة مفادها: “من انتقدنا أصبح هدفًا.” الزفزافي اليوم، أيُّ ناشط آخر غدًا، أيُّ معارض أو مطالب حقوقي أو متظاهر سلمي — لأن القمع لا يأخذ عنوانًا ثابتًا، بل يُوزّع عشوائيًا حسب المزاج الأمني. سياسات التخويف التي تراكمت منذ سنوات في حق حرية التعبير، التجمع، الاحتجاج، تنال اليوم ذروتها: ليس فقط تكميم للأفواه، بل تهديد صريح للحياة.
وهنا تكمن خطورة ما يحدث: حين تصبح الدولة — بكل مؤسساتها — طرفاً في التهديد، حين تُجرّم كل شكل من أشكال المعارضة أو المطالبة، فإننا أمام دولة لا تحكم بالقانون، بل بخوف الرعب والصمت الجبري، ويصبح “العنف الأمني” هو اللغة الرسمية لإدارة الخلاف، و”الردع” هو المنهج السائد للتعامل مع الشعب المتطلع للحرية والعدالة.
جدير بالذكر أن هذا ليس أول اعتداء على الصوت الحرّ، بل هو امتداد لسلسلة من الاعتقالات والمحاكمات بحق شباب “جيل زد”، متظاهرين سلميين، مدونين، ناشطين — في محاولة مخزنية صريحة لمنع أي مسار احتجاجي، من وسط الشعب، من أن يتحول إلى جسر للحقوق والعدالة.
لكن غضب الشارع والضمير لا يمكن إسكاتهما، والتهديد لا يُطمئنُ أحداً. اليوم الزفزافي، وغدًا ربما كل من رفع صوته ضد ظلم المخزن.
أما الرد الحقيقي — وليس مجرد بيانات استنكار — فهو: إيقاف آلة القمع، ضمان الحماية لكل معارض، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، ثم مساءلة كل من يهدد حياة مواطن باسم “الأمن الوطني”.
من أعطى سلطة المخزن هذا الحق؟ ومن سمح بأن تصبح تهديدات القتل قضية تُطرح كصفقة بين “مهلة 72 ساعة” وحق الحياة؟
إن لم يُجابه هذا التعسف الأمني بالقانون، وبصدور حكم يحمي الإنسانية، فليس أمام المغرب — ولا أمام شعبه — سوى أن يختار: بين دولة تُقام على الخوف والرعب، أو دولة تنطلق من الكرامة والعزة.
