الخميس 03 جويلية 2025

السياحة الساحلية في الجزائر: ملتقى الجمال الطبيعي والثراء التاريخي على ضفاف المتوسط

نُشر في:
بقلم: د. هناء سعادة
السياحة الساحلية في الجزائر: ملتقى الجمال الطبيعي والثراء التاريخي على ضفاف المتوسط

بقلم: د. هناء سعادة

من عنابة إلى الغزوات، تمتد السواحل الجزائرية كعقدٍ من اللآلئ على ضفاف المتوسط، بطولٍ يزيد عن 1200 كيلومتر، حيث تحتضن الشمسُ المشرقة رمالًا ذهبية، وتُزيّن الطبيعة العذراء خلجانًا آسرة، وتنسج الآثار القديمة على الشواطئ سرديات حضارات مرّت من هنا… وتركت للزائرين متعة السياحة والتاريخ معًا.

مزيج من الجمال الطبيعي والكنوز الأثرية

لا تُعد شواطئ الجزائر مجرّد أماكن للسباحة أو الاستجمام، بل هي فضاءاتٌ حية تنبض بالتنوع الطبيعي والثقافي. فبينما تجتذب شواطئ مثل “مداغ” في وهران أو “الساحل” في بجاية هواة الاسترخاء تحت أشعة الشمس، تمنح مواقع مثل “تيبازة” فرصة فريدة لاستكشاف آثار رومانية مدهشة تُطلّ على البحر، حيث يقف الزائر وجهاً لوجه مع صدى قرون من الحضارة المتوسطية.

  وهران… لؤلؤة الغرب وشاطئ “مداغ” الأسطوري  

في غرب الجزائر، يسطع نجم شاطئ مداغ، الذي يُعدّ أحد أجمل الشواطئ في حوض المتوسط. بمياهه الفيروزية، ورماله البيضاء، والمنحدرات الخضراء التي تُحيط به، يُصبح المكان جنّةً صيفية لآلاف الزوّار، وملاذًا لعشّاق الأمواج والمغامرات البحرية. والمشهد عند الغروب فوق منحدرات مداغ ليس أقل من لوحة سماوية تستحق التأمّل.

وهران، أو الباهية كما يسميها أهلها، ليست مجرد مدينة شاطئية، بل هي أيقونة حضارية تتقاطع فيها رائحة البحر مع عبق التاريخ الأندلسي والمعمار الكولونيالي والموسيقى الأصيلة. بشواطئها المتعددة، من كورنيش عين الترك إلى بوزفانة ومداغ وبلقايد، تُقدّم وهران بانوراما بحرية فريدة تمتد من السكينة إلى الحيوية الصاخبة.

شواطئ وهران ليست مجرد أماكن للسباحة، بل فضاءات للالتقاء الثقافي والاحتفال بالحياة. في عين الترك مثلًا، تعجّ المقاهي والمطاعم بروّاد الصيف، وتُقام سهرات موسيقية على وقع الراي والموشحات، بينما تستقطب الشواطئ الصخرية في رأس العين الغطّاسين وهواة الغوص الاستكشافي.

وتتميّز وهران بتنوعها الطبيعي، حيث تحتضن منحدرات خضراء مطلّة على البحر، وأماكن ساحلية عذراء تُشبه اللوحات الانطباعية، مثل الشاطئ الصغير المنزوي في “كريشتل” الذي لا يصل إليه سوى العارفون بخبايا البحر.

تعد وهران مرآة الغرب الجزائري، ووجه بحري يُداعب المتوسط صباحًا، ويُناجي النجوم مساءً، حيث يمتزج التاريخ بالحداثة، والهدوء بالفرح، في مدينة لا تنام إلا على صوت الموج.

بجاية… همسة المتوسط بين زرقة البحر وخضرة الجبال

في بجاية، تذوب الألوان بين زرقة السماء وصفاء البحر، حيث ينحدر الخليج في شاطئ “الساحل”، الملقب بـ”ريفييرا الجزائر”، وكأنه يكتب نشيدًا هادئًا من ذهب الرمال وضياء المتوسط. هناك، يصبح المشهد أكثر من مجرد طبيعة؛ إنه طقس من الروح، تؤنسه الطائرات الورقية، ويبعث فيه غروب الشمس على شرفات المطاعم المطلة على الخليج شعورًا عميقًا بالجمال والسكينة.

وإذا كان شاطئ “تيغرمت” البري وجهة العشاق الحقيقيين للطبيعة البكر، فإنّ ضربات الأمواج على صخوره الحمراء تعزف سمفونية بحرية لا تتكرر، حيث تتشكل كهوف طبيعية وممرات مائية تؤوي كنوزًا من الشعاب المرجانية والأسماك الملونة والقنافذ البحرية.

وعلى بعد مسافة، يظهر شاطئ “أوقاس” أكثر هدوءًا، بينما تصخب “تيشي” بالحياة، فهي قبلة العائلات والمصطافين، ببنيتها التحتية المتطورة ومياهها الضحلة الدافئة المناسبة للأطفال.

ومن لا يعرف “كاب كربون”، ذاك الرأس الصخري الذي يحتضن أعلى منارة طبيعية على ضفاف المتوسط؟ من هناك، يمتد البصر نحو الأفق الأزرق بلا نهاية، وتغدو الجبال خلفه حارسًا أبديًا لمدينةٍ ضاربة في القدم والجمال.

وللباحثين عن الجمال المخفي، فإن شاطئ “لوكيس” في منطقة “ملبو” يكشف عن صفحة نادرة من الطبيعة، بمياهه البلورية وظلال الأشجار التي تهمس بلحن البدايات الأولى.

بجاية ليست مجرد ولاية بحرية؛ إنها قصيدة كتبتها الجغرافيا بلغة البحر والجبال، بين شواطئها ومرتفعاتها وغاباتها، تتداخل الذاكرة بالتاريخ، وتغدو كل زاوية فيها دعوة مفتوحة لاكتشاف سحرٍ لا يبهت مهما تكررت الزيارة. إنها الوجهة التي لا تكتفي بإمتاع البصر، بل تلامس الروح وتُغني القلب.

 المعجزة تيشي… فسيفساء شواطئ متنوعة

تقدّم قرية تيشي، شمال بجاية، لوحةً من الشواطئ المتنوعة خلال مسافة قصيرة.. من الشاطئ العائلي النابض بالحياة، إلى “الروشر” ذي الصخور والأمواج، إلى “الحمّاديت” الهادئ برماله الذهبية، إلى شاطئ “الملعب” الذي يُوفّر الترفيه للجميع. لكل ذائقة وجهتها هنا.

مرسى بن مهيدي… هدوءُ الصيادين وسحر البحر

على الحدود الغربية، تبرز مرسى بن مهيدي كقرية صيد صغيرة تخطف القلوب ببساطتها ومراكبها الزرقاء، ومينائها المحاط بجزرٍ صغيرة. ومن جهته، يُشكّل شاطئ “موسكادا” القريب بكهوفه ومياهه النقية، وجهةً مفضّلة للباحثين عن لحظة عزلة شاعرية.

جيجل… خضرة الجبال تعانق زرقة البحر

جيجل، جوهرة متوسّطية تنفرد بشواطئها المتعرجة ومحمياتها الجبلية. شاطئ “العوانة” الشهير هو مزيج نادر من الجمال البري والمياه الفيروزية، تحيط به غابات الصنوبر والمنحدرات الصخرية. كما يستقطب شاطئ “الكهوف العجيبة” آلاف السياح لاكتشاف تكويناته الجيولوجية الفريدة.

ساحل “زيامة منصورية”… الرمال الحمراء المعجزة 

وتنفرد على سواحل جيجل “زيامة” بشاطئها ذو الرمال الحمراء التي يتغيّر لونها بتغيّر المدّ، في مشهدٍ نادر أطلق عليه السكان لقب “الساحل المرجاني”… المنطقة غير مأهولة إلى حد كبير، لكنها تُوفّر متعة الاكتشاف لعشّاق الغموض والتصوير الطبيعي. 
وبالمطلق، تُعتبر جيجل ملاذًا لعشّاق الغوص، والصيد التقليدي، والمغامرات البيئية.

عنابة… عبق الحضارة في حضن البحر

تُعدّ ولاية عنابة من بين أبرز المدن الساحلية التي تجمع بين التاريخ العريق والجمال الطبيعي. يُشكّل شاطئ “رفانة” بمناظره الخضراء ومياهه الصافية نقطة جذب لعشّاق الاستجمام والهدوء، بينما يُفضّل الشباب شاطئ “ريزي عمر” لما يوفره من أجواء حيوية ومساحات للرياضة البحرية. كما يُمكن للزائرين الاستمتاع بمشهد بانورامي فريد من أعلى “جبل إيدوغ”، حيث تتراءى شواطئ المدينة في لوحة طبيعية متدرجة الألوان.

القالة… لؤلؤة الحدود الشرقية وملاذ العشّاق الحقيقيين للطبيعة

في أقصى الشرق الجزائري، تبرز القالة كتحفة بحرية وبيئية متفردة، تتعانق فيها الشواطئ مع المحميات الطبيعية والغابات الكثيفة. تُعدّ شواطئ القالة من بين الأجمل والأكثر نقاءً في البلاد، حيث تمتزج الرمال الذهبية بالمياه الزرقاء الكريستالية في تناغم أخّاذ.

يُعتبر شاطئ “العوينات” مثلًا وجهة مثالية لمحبي السكينة والتأمل، بينما يستقطب شاطئ “المسلية” العائلات لهدوئه وخدماته الجيدة. أما شاطئ “كاب روزا” الشهير، فيتميّز بجماله الفطري وتنوّع بيئته البحرية، ما يجعله من أبرز مواقع الغوص والاستكشاف في الجزائر.

وإلى جانب السباحة، توفّر القالة تجربة بيئية فريدة بفضل قربها من الحظيرة الوطنية التي تضم بحيرات عذبة مثل بحيرة طونغا، حيث تلتقي الطيور المهاجرة والمياه الهادئة، مما يُضفي على زيارتها طابعًا ساحرًا يتجاوز مجرد السياحة الشاطئية نحو تواصل حقيقي مع الطبيعة.

بالإضافة إلى كنوز الساحل في القالة وسكيكدة وبجاية ووهران وعنابة، تزخر ولايات ساحلية أخرى في الجزائر بشواطئ ساحرة ومناظر طبيعية تخطف الأنفاس، تجعل من البلاد وجهة بحرية متكاملة تستحق الاكتشاف.

سكيكدة… جوهرة الشرق الساحلية

تُعدّ ولاية سكيكدة من أبرز الوجهات الساحلية شرق البلاد، حيث تُقدّم شواطئها مزيجًا من الجمال الطبيعي والتاريخي. من “وادي بيبي” الهادئ، إلى “مارينا دور” المائية، إلى “مارسا زيتون” بمطاعمها الصغيرة ومياهها الضحلة، وصولاً إلى “خريف” البرية التي لا تُطال إلا عبر مسالك وعرة، تُجسّد سكيكدة لوحةً حية لكل عاشق للبحر.

القل: جبال خضراء تعانق زرقة المتوسط

تُعدّ مدينة القل الواقعة غرب ولاية سكيكدة واحدة من أروع الجواهر الساحلية الجزائرية وأكثرها تنوعًا جغرافيًا وبيئيًا. تتّسم المنطقة بمزيج فريد من الشواطئ الرملية والممرات الجبلية المكسوّة بغابات الصنوبر الكثيفة التي تلامس زرقة البحر، مما يمنح الزائر تجربة استثنائية تجمع بين الهدوء البحري والمغامرة الجبلية.

يُعتبر شاطئ “المكان الجميل”، الواقع بين منحدرات صخرية شاهقة، من بين الأجمل في شمال إفريقيا، بمياهه الفيروزية ونقائه البيئي الذي يجذب عشاق الغوص والاستجمام. كما يُعدّ شاطئ “الكاف لصفر” قبلة لمحبي العزلة والطبيعة البكر، حيث تُحيط به الغابات وتمنحه هالة من السكينة والخصوصية.

زرالدة… واحة للجزائريين قرب العاصمة

في الضاحية الغربية للعاصمة، تستقطب زرالدة العائلات الباحثة عن الراحة دون الابتعاد كثيرًا، حيث يوفّر شاطئ “البلو بيتش” بمياهه الصافية وموقعه المحمي، متنفّسًا حقيقيًا بين الصنوبر والصبار في منطقة تجمع بين السكينة والخدمات العصرية.

تيبازة… حين يروي البحر أسطورة الحضارات

تيبازة ليست مجرّد مدينة ساحلية؛ إنها قطعة فريدة من التاريخ الممزوج بجمال الطبيعة، حيث تتقاطع أمواج البحر مع أعمدة الحضارات القديمة. تقع هذه المدينة الفاتنة على مسافة قصيرة من العاصمة الجزائر، لكنها تفصل الزائر عن الزمن المعاصر لتأخذه في رحلة بين أطلال الرومان، والآثار البونية، والنقوش البيزنطية، وسط مشهد طبيعي يأسر الألباب.

في “تيبازة المركز”، يمكن للزائر أن يستحم في مياه البحر وهو يحدّق في بقايا مدرج روماني أو يعبر ممرات حجرية كانت يومًا ما مسرحًا لحياة غابرة. هذا التداخل المذهل بين الطبيعة والتاريخ يجعل من السباحة في تيبازة تجربة ثقافية بامتياز. أما شاطئ “شنوة”، بمحاذاة جبل شنوة الذي يقف شامخًا على البحر، فيمنحك شعورًا مهيبًا بالسكينة والانتماء، كأنك تسبح في حضن جبلٍ حكيم يروي حكايات الشعوب الغابرة.

وليس بعيدًا عن المركز، يُطلّ شاطئ “مرسى بوهارون” بهدوئه وتاريخه، وهو الميناء الصغير الذي كان ذات زمن نقطة عبور للبضائع والبشر. اليوم، هو ملاذ للعائلات الباحثة عن الراحة في مياه ضحلة آمنة لأطفالها، وعلى أرصفته تنبعث رائحة التاريخ وروح البحر في آنٍ واحد. الباعة يعرضون الأسماك الطازجة، والقوارب ترسو ببطء، في مشهد يوحي بأن الزمن توقف هنا ليحفظ شيئًا من عراقة تيبازة.

تيبازة إذًا، ليست فقط شواطئ خلابة، بل فسيفساء من الجمال العتيق، حيث لا تنفصل الرمال عن الحجارة المنقوشة، ولا تنفكّ الطبيعة عن الذاكرة. إنها متحف مفتوح على ضفاف المتوسط، مدينة تنبض بالحياة من تحت أنقاضها، وتغني الوطن بأنغام البحر وتاريخ الأجداد.

بومرداس… منارة الراحة والنشاط البحري

تحتضن ولاية بومرداس، المعروفة بجاذبيتها الصيفية وقربها من العاصمة، شواطئ مثالية للعائلات مثل “قورسو” و”الصابلات”، حيث تتوفر جميع الخدمات والمرافق الحديثة. أما شاطئ “بومرداس بلاج” فيستقطب محبي رياضات الأمواج والغوص لما يتمتع به من تيارات مناسبة ومياه شفافة. تشهد الولاية حركية سياحية نشطة خاصة في عطلة الصيف، وتُعدّ من الخيارات المثلى لقضاء إجازة قريبة وممتعة.

تيزي وزو: سواحل خفية تأسر الزائر بجمالها الأمازيغي الفطري

رغم شهرتها بالجبال والمآثر الأمازيغية، تُخفي ولاية تيزي وزو وجهًا ساحليًا قلّ من يعرفه، لكنه لا يقل سحرًا عن أكثر المناطق شهرة في الجزائر. تمتد واجهتها البحرية الضيقة شمالًا على ضفاف البحر الأبيض المتوسط، وتحديدًا عبر بلديات أزفون، وإفليسن، ةبني كسيلة، وإفري، مشكلة بذلك شريطًا ساحليًا غير مأهول بكثافة، لكنه يزخر بطبيعة عذراء ومواقع بحرية تخطف الأنفاس.

شاطئ أزفون: جوهرة زرقاء في حضن الجبال

يُعدّ شاطئ أزفون أشهر وأهم شواطئ ولاية تيزي وزو، بل ويُصنّف ضمن أهدأ وأصفى الشواطئ في الجزائر. يُطلّ هذا الشاطئ على خليج صغير محاط بتلال خضراء تنزل بسلاسة إلى البحر، ما يخلق مشهدًا بانوراميًا نادرًا يجمع بين الجبل والماء في لوحة ساحرة. الرمال الذهبية الناعمة، وصفاء المياه وهدوؤها، يجعلان من هذا الشاطئ وجهة مثالية للعائلات ومحبي السباحة الآمنة، خصوصًا للأطفال.

تنتشر على طول الكورنيش أكواخ بسيطة لبيع المأكولات البحرية والمشروبات الباردة، كما تتوفر بعض الفضاءات للإيجار اليومي ومرافق للاستجمام، ما يعكس روح الضيافة المحلية وحرص المجتمع على تعزيز النشاط السياحي دون المساس بجمالية المكان.

إفري وبوزقان: حيث العزلة تصبح نعمة

إلى الشرق من أزفون، تقع شواطئ إفري وبوزقان، وهي أقل شهرة ولكنها مخصصة لأولئك الباحثين عن تجارب ساحلية غير مألوفة. إفري، الواقعة بين مرتفعات صخرية وكهوف طبيعية، تتيح للزائرين فرصًا فريدة للغوص في مياه صافية لم تطأها كثافة السياح. يمكن رؤية الشعاب المرجانية على مسافة قريبة من الساحل، كما تنتشر في محيطها أسراب الأسماك الصغيرة، ما يجعلها منطقة مثالية لعشاق التصوير والغوص السطحي.

أما شاطئ بوزقان، فهو لوحة برية تحرسها الصخور المترامية والنباتات المتوسطية. الوصول إليه يتطلب عبور طريق ضيقة تتخللها منعرجات شديدة، لكنه يكافئ زائريه بسكينة لا تضاهى ومنظر لغروب الشمس يلامس أفقًا مفتوحًا بلا انقطاع.

شاطئ تاقزيرت: التقاء التاريخ بالموج

من المواقع الشاطئية اللافتة في تيزي وزو أيضًا شاطئ تاقزيرت، الذي يقع بالقرب من موقع أثري روماني يحمل الاسم نفسه. يمتاز هذا الشاطئ بطبيعته المتدرجة، حيث يختلط الرمل بالصخر، ويمنح الزائر تجربة مزدوجة بين السباحة في مياه دافئة والاستمتاع بجولة في المعالم الرومانية المجاورة. يحيط بالشاطئ عدد من التشكيلات الصخرية التي توفر أماكن طبيعية للجلوس والتأمل، كما تشكل نقاط مراقبة مثالية للمنطقة.

سواحل تيزي وزو: هوية أمازيغية تتنفس عبر البحر

ما يميز الشواطئ في تيزي وزو ليس فقط جمالها الطبيعي وهدوؤها، بل هويتها الثقافية المتجذرة. فالمنازل المجاورة تُزيّنها الألوان الأمازيغية، والمطاعم الصغيرة تقدم أطباقًا تقليدية مثل “أكفول” و”تاكولة”، فيما يبادر السكان المحليون إلى إرشاد الزوار وتقديم يد العون دون مقابل.

الشلف: السياحة في حضن الأطلس وتحت أجنحة البحر

أما ولاية الشلف، فتُقدّم مزيجًا مدهشًا من التضاريس، حيث تنبسط شواطئها مثل “تنس” و”واد قوسين” عند أقدام جبال الظهرة، في مشهد طبيعي ساحر تتناغم فيه قمم الجبال مع نسيم البحر. تعتبر شواطئ تنس وجهة مثالية لهواة الصيد، الغوص، والتخييم، بفضل نقاء المياه وتنوّع الحياة البحرية.

مستغانم… الأبيض والأزرق في لوحة ساحرة

على الساحل الغربي، تتلألأ مستغانم بشواطئها الرملية الناعمة ومياهها الصافية، من أشهرها “صابلات مستغانم”، و”خروبة”، و”صلامندر”، التي توفر أجواء عائلية راقية ومرافق متكاملة للراحة. كما تتميز مستغانم بخلفيتها الثقافية الغنية، إذ يمكن للسائح الجمع بين الاستجمام والتعرف على الموسيقى الأندلسية والمعمار العثماني. الغروب من كورنيش مستغانم يُعدّ من أجمل مشاهد البحر الجزائري.

عين تموشنت: الهدوء الكلاسيكي وعبق المتوسط

تقع ولاية عين تموشنت غرب الجزائر بين وهران وتلمسان، وتُعدّ من أكثر الولايات التي تجمع بين الأناقة الطبيعية والرقي الهادئ في الفضاءات السياحية. تشتهر بشواطئها النظيفة مثل رشقون، وسيدي سالم، وبني صاف التي تضم واحدًا من أقدم الموانئ الصخرية في الجزائر.

وتعتبر شواطئ عين تموشنت مثالًا في التوازن بين النشاط السياحي وحماية البيئة، مما جعلها مفضّلة لدى السياح المحليين الباحثين عن استجمام راقٍ في بيئة غير صاخبة.

تلمسان… حيث يتعانق عبق التاريخ مع سكينة البحر

تُعرف تلمسان بأنها عاصمة الأندلس الضائعة، ومدينة العلماء والأولياء والقصور المزخرفة، لكن ما لا يعلمه كثيرون هو أن هذه الولاية الساحرة تمتدّ حتى البحر، وتخفي في جيبها الغربي شواطئ نادرة الجمال تروي فصلاً صامتًا من حكايتها العريقة.

ترقد على الساحل المتوسطي، وبالتحديد في بلدية الغزوات، شواطئ “هنين”، “بوكانون”، و”سيدي بورو” كجواهر مخفية، لا تطالها صخب المدن الكبرى ولا زحف السياحة الجارفة. هنا، يتقدّم البحر في خشوع نحو مروج خضراء تنحدر بلطف من التلال، بينما تتناثر صخور بركانية سوداء على الشاطئ، في مشهد يخطف الأنفاس. الطبيعة هنا ناطقة، ولو بصمتها؛ فالماء نقيّ إلى حدّ البلّور، والرمال ناعمة تتلوّن بين الذهب والرماد، والهواء محمّل بعطر الصنوبر القادم من الجبال القريبة.

يشكّل شاطئ “هنين”، القريب من ميناء الصيد التقليدي، نقطة التقاء بين التاريخ والبحر. فبالقرب منه تقع آثار مدينة رومانية غارقة، ويقال إن بعض الأعمدة لا تزال تُرى عند الجَزر. أما “بوكانون”، فهو شاطئ بريّ بامتياز، تحيط به هضاب خضراء خالية من العمران، ما يجعله مثاليًا لمحبي العزلة، التأمل، أو الرسم على الرمال.

في “سيدي بورو”، يبرز التنوع الطبيعي: خلجان صغيرة محاطة بالصخور، مياه ضحلة وآمنة للأطفال، وممرات ترابية تؤدي إلى منصات مطلة على البحر تُشكّل لوحة طبيعية لا تحتاج إلى تعليق. أما الغروب هناك، فهو لحظة روحية بامتياز، حيث يغرق قرص الشمس في الأفق البنفسجي، ليترك وراءه سكونًا يشبه الصلاة.

ما يميز شواطئ تلمسان الساحلية، إلى جانب نقائها وصفائها، هو احتفاظها بجمالها الطبيعي، بعيدًا عن التلوث البصري والعمراني. فالمقاهي والمطاعم قليلة ومتفرقة، والبائعون المتجولون نادرون، ما يجعلها مثالية للباحثين عن الصفاء، والهدوء، وأيام بحرية بطعم الخلوة.

تلمسان، بهذه الوجهة البحرية الخجولة، تهمس لعشاقها برسالة بسيطة: الجمال لا يُصرخ به، بل يُكتشف… خطوة بخطوة، وموجة بعد موجة.

المواقع السرية… الجمال الخفي للسواحل الجزائرية

بعيدًا عن المسارات المألوفة، تكشف الجزائر عن شواطئ سريّة خلابة لا يعرفها الكثيرون. شاطئ “أغزر الدفل” غرب عنابة، هو شريط رملي ساحر مخبّأ بين رأسين صخريين، لا يُمكن بلوغه إلا عبر مسار جبلي. أما شاطئ “تالة قليلف” شرق جيجل، فلا سبيل إليه سوى بعد ثلاث ساعات من السير وسط الغابات، لكنه يُكافئ المغامرين بمشهدٍ من عالم آخر: بحيرة ضحلة بمياه كريستالية تحيطها منحدرات خضراء في مشهد لا يُنسى.

نشاطات سياحية متعددة وتجربة لا تُنسى

لا تقتصر السواحل الجزائرية  على السباحة فحسب، بل تقدّم مروحة واسعة من النشاطات مثل التزلج المائي، وركوب الأمواج، والغوص في أعماق الصخور المرجانية. كما تتوفر مناطق مخصصة للرياضات البحرية بمختلف مستوياتها، ما يجعل من هذه السواحل تجربة سياحية متكاملة ومثالية.

خلاصة المشهد

من الغرب إلى الشرق، ومن الشواطئ المعروفة إلى الخلجان السرية، تُثبت الجزائر يومًا بعد يوم أن سواحلها ليست فقط شواطئ للراحة، بل هي موعد مع الجمال، والهدوء، والتاريخ، والطبيعة التي ما زالت تحتفظ بنقائها رغم كلّ شيء. 

رابط دائم : https://dzair.cc/hxy7 نسخ