الثلاثاء 03 جوان 2025

الصحراء الغربية بين القانون والمواءمة السياسية: رمادية الموقف البريطاني وصمود الموقف الجزائري… بقلم آمنة سماتي

نُشر في:
بقلم: آمنة سماتي
الصحراء الغربية بين القانون والمواءمة السياسية: رمادية الموقف البريطاني وصمود الموقف الجزائري… بقلم آمنة سماتي

بينما تواصل بعض الدول الغربية مسيرة الحياد الظاهري والمواقف الرمادية، ارتفعت من الجزائر كلمة واضحة، حاسمة، ومتماسكة. الجزائر لم تتلكأ في إعلان موقفها الصارم إزاء ما عبّرت عنه بـ”الأسف” من التحول البريطاني في ملف الصحراء الغربية، حين دعمت لندن مخطط الحكم الذاتي المغربي.

بيان وزارة الشؤون الخارجية الجزائرية لم يكن مجرد ردّ دبلوماسي، بل كان إعلانًا جديدًا أن الجزائر لا تساوم على المبادئ، ولا تُهادن على حساب الشعوب المقهورة.
في وقت صارت فيه بعض العواصم تُعيد رسم خرائط الشرعية وفق مقتضيات المصالح، أعادت الجزائر بوصلة القانون الدولي إلى اتجاهها الأصلي: الحق قبل القوة، والشرعية قبل الربح.

بقلم : آمنة سماتي

عندما ينطق القانون: تقرير المصير ليس خيارًا، بل التزامًا

إنّ حق تقرير المصير ليس شعارًا سياسيًا، بل مبدأ دستوري دولي، تنص عليه نصوص قانونية مُلزمة، قرار الجمعية العامة 1514 لعام 1960 و الذي جاء في نصه “إن إخضاع الشعوب للاستعمار يُعد إنكارًا لحقوق الإنسان”، كذلك ميثاق الأمم المتحدة – المادة 1، الفقرة 2: “تطوير العلاقات الودية بين الأمم على أساس احترام مبدأ المساواة في الحقوق وتقرير المصير”، وأيضا العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية – المادة الأولى: “لكل الشعوب الحق في تقرير مصيرها بنفسها”.

كل هذه النصوص تضع أمام المجتمع الدولي واجبًا لا يحتمل التأويل: لا حلّ في الصحراء الغربية خارج إرادة الصحراويين أنفسهم. وأي طرح لا يُعرض على الشعب الصحراوي في استفتاء حر، هو من حيث القانون، باطل الأثر.

ازدواجية لندن: دعم دون اعتراف؟

إن الدعم البريطاني لمخطط الحكم الذاتي، دون الاعتراف بسيادة المغرب على الإقليم، يبدو كرقصة دبلوماسية على حبل مشدود. فمن جهة، تسعى بريطانيا لمجاراة التحولات الجيوسياسية ومغازلة الرباط، ومن جهة أخرى، تُحاول الحفاظ على التزاماتها الدولية.

لكن الحقيقة أن هذا التناقض لا يصمد أمام اختبار القانون، غمحكمة العدل الدولية، في رأيها الاستشاري لعام 1975، رفضت ادعاءات السيادة المغربية وأكدت أن الصحراء لم تكن أرضًا بلا سيد، ولكنها ليست مغربية، وبعثات الأمم المتحدة المتعاقبة لم تعتمد المخطط المغربي كأساس للحل، بل وصفه مبعوثون مثل كريستوفر روس وبيتر فان والسوم بأنه “اقتراح سياسي لا يحمل عناصر جدية لحل دائم”.

وعليه، فإن التحول البريطاني، وإن كان جزئيًا، يمثّل خرقًا لقاعدة أساسية في القانون الدولي: عدم شرعنة الأمر الواقع القائم على الاحتلال.

الحكم الذاتي المغربي: غلاف براق لجوهر مرفوض

منذ 2007، يروّج المغرب لمقترح الحكم الذاتي باعتباره “حلاً واقعيًا”. لكن واقع القانون الدولي يقول شيئًا آخر، اولا المقترح لم يُعرض قط على الصحراويين في استفتاء، ثانيا لم تُصدر الأمم المتحدة أي قرار يصفه بـ”الحل المقبول”، ثالثا لم تحظَ المبادرة بتوصية واحدة من مجلس الأمن تعتمدها كأساس للتفاوض.

و بالتالي هي مبادرة بلا سند أممي، بلا قبول شعبي، بلا شرعية قانونية. وما تفعله الرباط هو محاولة تدوير مشروعها، سنوات بعد سنوات، حتى تملّ المجموعة الدولية من المطالبة بالشرعية، وتُسلّم بالأمر الواقع الاستعماري.

الجزائر: صوت العدالة حين يصمت العالم

الجزائر ليست طرفًا في النزاع، لكنها طرف في المبدأ. ولأنها دفعت ثمن حريتها بمليون ونصف مليون شهيد، فهي تعرف جيدًا معنى أن يُنتزع حق تقرير المصير من شعب أعزل، منذ 1975، لم تتوقف الجزائر عن المطالبة بتصفية الاستعمار في الصحراء الغربية. لقد احتضنت اللاجئين، دافعت عن الملف في الأمم المتحدة، وأدانت كل الانحرافات القانونية والسياسية، ولأنها متمسكة بالشرعية الدولية، لم تتردد في تسجيل تحفظاتها على الخطوة البريطانية الأخيرة، لا من باب المواجهة، بل من منطلق السيادة الأخلاقية والشرعية.

ما بعد البيان: مسؤولية المجتمع الدولي

إذا كانت الجزائر قد أدّت واجبها الأخلاقي والقانوني، فإن الكرة اليوم في ملعب القوى الكبرى. فهل تقبل لندن بأن تُدرج دعمها في سجل التناقضات الدولية؟ وهل يُعقل أن يُفرض على الصحراويين مشروع سياسي لم يُستشاروا فيه، فقط لأنه يناسب مصالح بعض الأطراف؟

إن المجتمع الدولي مطالب اليوم، أكثر من أي وقت مضى، بالعودة إلى المبادئ الأولى التي تأسست عليها الأمم المتحدة، أهمها وأولها تصفية الاستعمار، ثانيها رفض ضم الأراضي بالقوة، وثالثا وهو جوهر المبدأ احترام إرادة الشعوب، وأي التفاف على هذه المبادئ، هو تفخيخ لبنية القانون الدولي، وتشجيع على منطق الهيمنة.

الجزائر لا تتغيّر… لأن المبادئ لا تتآكل:

البيان الجزائري لم يكن رد فعل، بل تعبير عن رؤية متكاملة لقيم الدولة. لم تخرج الجزائر عن خطابها، بل ثبّتت موقعها في خارطة المواقف النبيلة.
وفي زمن تتهاوى فيه الدول تحت وطأة البراجماتية، تظل الجزائر واحة للقانون والالتزام والاحترام للمستضعفين. وهي إذ تُسجل موقفها اليوم، تُراكم رصيدًا أخلاقيًا وتاريخيًا، لن يُمحى.

فكما ساندت جنوب إفريقيا في كفاحها، ودعمت فلسطين في محنتها، تقف اليوم مع الصحراويين لا لشيء، إلا لأن الحق لا يُقاس بميزان الربح، بل بميزان الضمير.
ومن لا يفهم ذلك… فليقرأ التاريخ جيدًا.

رابط دائم : https://dzair.cc/ti6o نسخ