18 أكتوبر، 2025
ANEP السبت 18 أكتوبر 2025

الصحراء الغربية تُسقط الأقنعة وتوحِّد اليمين واليسار في إسبانيا ضد المغرب

نُشر في:
بقلم: أحمد عاشور
الصحراء الغربية تُسقط الأقنعة وتوحِّد اليمين واليسار في إسبانيا ضد المغرب

في مشهد سياسي نادر الحدوث داخل البرلمان الإسباني، اجتمعت قوى متناقضة أيديولوجيًا —من أقصى اليمين إلى اليسار— على موقف واحد ضد الاتفاق التجاري بين الاتحاد الأوروبي والمغرب، الذي يشمل منتجات مصدرها الصحراء الغربية. فقد صوّت كل من حزب فوكس اليميني المتطرف، والحزب الشعبي المحافظ، وحركة سومار اليسارية لصالح مبادرة تطالب الحكومة الإسبانية بمعارضة تعديل الاتفاق التجاري مع الرباط، بحجة أنه ينتهك أحكام محكمة العدل الأوروبية ويمنح “شرعية اقتصادية لاحتلال غير معترف به دولياً”.

الصحراء الغربية.. بوصلة تكشف تناقضات السياسة الإسبانية

تأتي هذه الخطوة بعد أن ألغت محكمة العدل الأوروبية، في أكتوبر 2024، اتفاقَي الزراعة والصيد البحري الموقّعين بين الاتحاد الأوروبي والمغرب، معتبرة أن تطبيقهما على أراضي الصحراء الغربية تم دون موافقة الشعب الصحراوي، وهو ما يشكل خرقًا صريحًا للقانون الدولي.

ورغم وضوح الحكم، تحركت المفوضية الأوروبية بسرعة غير مسبوقة لإعادة صياغة الاتفاق مع المغرب، في محاولة لتجاوز العقبات القانونية، فيما يصرّ النظام المغربي على أن المنتجات القادمة من الأقاليم الصحراوية “يجب أن تواصل دخول الأسواق الأوروبية بامتيازات جمركية”، كأنها قادمة من أراضٍ مغربية خالصة.

تحالف المصالح… ضد ازدواجية مدريد

اللافت أن هذا التحالف الثلاثي —الذي يجمع بين خصوم ألداء في السياسة الداخلية الإسبانية— يعكس تحولاً في المزاج البرلماني الإسباني تجاه علاقة مدريد بالرباط. فبينما يواصل حزب سانشيز الاشتراكي الحاكم دعم خطة الحكم الذاتي المغربية منذ الانعطافة الدبلوماسية الكبرى عام 2022، بدأ التململ يتصاعد داخل الساحة السياسية الإسبانية، حتى من أحزاب يسارية كانت في الماضي أقرب إلى مواقف الحكومة.

ويشير مراقبون إلى أن هذا التصويت يضع الحكومة الإسبانية في مأزق مزدوج: من جهة، علاقاتها الاستراتيجية مع المغرب في مجالات الهجرة والأمن والطاقة؛ ومن جهة أخرى، الضغوط القانونية والسياسية المتنامية داخل الاتحاد الأوروبي الرافضة لأي خرق لأحكام القضاء الأوروبي أو تجاهل لحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره.

الصحراويون: بين خيانة أوروبا وصمت مدريد

من جهته، أعلنت جبهة البوليساريو أنها ستطعن في أي اتفاق جديد يتضمن منتجات الصحراء الغربية، ووصفت محاولات بروكسل والرباط بـ“التحايل السياسي والاقتصادي لتبييض الاحتلال”. كما حذّرت من أن “الاتحاد الأوروبي يغامر بمصداقيته القانونية حين يتجاهل حكم محكمته العليا”.

أما منظمات المجتمع المدني الصحراوي، فقد اتهمت الاتحاد الأوروبي بـ“توفير غطاء اقتصادي لضمٍّ غير شرعي”، فيما عبّرت شخصيات إسبانية بارزة عن حرج مدريد الأخلاقي والسياسي تجاه ملف تعتبره الأمم المتحدة “قضية تصفية استعمار لم تُحسم بعد”.

من مدريد إلى الرباط: الدبلوماسية على صفيح ساخن

تزامن التصويت مع توتر متزايد على ضفتي المتوسط، حيث تتابع الرباط عن كثب التحولات في الموقف الإسباني، وسط مخاوف من أن يتحول البرلمان الإسباني إلى منصة ضغط على الحكومة لتبني موقف أكثر حيادًا في ملف الصحراء.

ويقول مراقبون إن المخزن المغربي الذي اعتاد التعامل مع مدريد من موقع القوة، خصوصًا بعد ابتزازها بورقة الهجرة والحدود، قد يجد نفسه اليوم أمام مشهد أوروبي أكثر صرامة وتفككًا في المواقف، ما يضع استراتيجيته “الاقتصادية-الدبلوماسية” في مأزق حقيقي.

من الواضح أن ملف الصحراء الغربية لم يعد قضية حدودية بين المغرب والبوليساريو فقط، بل تحوّل إلى مؤشر سياسي يكشف التناقضات الأوروبية ويعيد تشكيل موازين القوة في العلاقات بين الرباط ومدريد.
التحالف الذي جمع “فوكس” اليميني و“سومار” اليساري ضد اتفاق يخص المغرب ليس صدفة، بل صرخة سياسية تقول إن الاستقرار لا يُشترى بالصفقات، وإن العدالة الدولية لا تُلغى بالمصالح التجارية.

رابط دائم : https://dzair.cc/nhjf نسخ