29 أكتوبر، 2025
ANEP الأربعاء 29 أكتوبر 2025

العالم على موعد مع استفتاء الحقيقة: الجزائر تُعيد التاريخ إلى اليوم الذي اعترف فيه الحسن الثاني بحق الصحراويين في تقرير مصيرهم.. بقلم/ معمر قاني

نُشر في:
بقلم: معمر قاني
العالم على موعد مع استفتاء الحقيقة: الجزائر تُعيد التاريخ إلى اليوم الذي اعترف فيه الحسن الثاني بحق الصحراويين في تقرير مصيرهم.. بقلم/ معمر قاني

يبدو أن التاريخ قرر أن يعيد نفسه، ولكن هذه المرة تحت أضواء أكثر سطوعًا وعدسات أكثر يقظة، ففي الوقت الذي يحاول فيه اللوبي الأمريكي تمرير مشروع قرار جديد في مجلس الأمن يدعم ما يسمّى بـ”الحكم الذاتي المغربي” في الصحراء الغربية، يتكشّف من وراء الكواليس أن رياح السياسة العالمية تغيّرت، وأن زمن الإملاءات الأمريكية وُضع على المحك.

فقد شهد مجلس الأمن الدولي يوم أمس الثلاثاء جلسة مغلقة بطلب من الجزائر، كانت بمثابة اختبار حقيقي لموازين القوى الجديدة داخل الأمم المتحدة، الجلسة، وفق تسريبات دبلوماسية من نيويورك نقلها مراسل فرانس 24، كشفت عن معارضة متنامية داخل المجلس للمسودة الأمريكية التي سعت إلى فرض رؤية الرباط للحل دون المرور عبر حق تقرير المصير، المبدأ الذي ظلّ حجر الأساس في كل قرارات الأمم المتحدة منذ العام 1963.

الجزائر، بدعم من روسيا والصين وعدد من الدول الإفريقية واللاتينية، دفعت بقوة نحو تعديل جوهري في نص مشروع القرار الأمريكي، التعديلات المقترحة تضمنت ضرورة ضمان حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره عبر استفتاء حرّ ونزيه تحت إشراف الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، إلى جانب التحذير من تدهور الوضع الإنساني في مخيمات اللاجئين بتندوف، والدعوة إلى زيادة التمويل الإنساني لبرنامج المساعدات الأممية.

وبحسب مصادر دبلوماسية مطّلعة، فإن موسكو لوّحت باستخدام حق الفيتو في حال إصرار واشنطن وباريس على تمرير الصيغة القديمة التي تتجاهل صراحة مبدأ تقرير المصير، وهو ما اعتُبر انتصارًا رمزيًا للطرح الجزائري الذي أعاد الصراع إلى جوهره القانوني والإنساني: شعب محتل ينتظر استفتاء وعدت به الأمم المتحدة منذ نصف قرن.

ولعلّ المفارقة التي فجّرت النقاش داخل المجلس تمثلت في إعادة تداول تصريح نادر للملك المغربي الراحل الحسن الثاني، يعترف فيه صراحة بقراره القاضي بتنظيم استفتاء في الصحراء الغربية تحت إشراف دولي وإفريقي، ذلك الاعتراف التاريخي، الذي خرج من قلب المؤسسة الملكية نفسها، يهدم كل السردية الرسمية التي حاولت الرباط ترسيخها لاحقًا حول استحالة إجراء استفتاء.

لقد قالها الحسن الثاني بوضوح: “قررنا إجراء استفتاء في الصحراء الغربية خاضع للرقابة، والمغرب يقدم دليلاً على استعداده الكامل للبقاء عضواً فعالاً في منظمة الوحدة الإفريقية والعمل من أجل انتصار مبادئها.”

كلمات كفيلة بتعرية التناقض بين الأمس واليوم، بين ملكٍ أدرك حتمية الشرعية الدولية، وحُكام اليوم الذين يراهنون على المال السياسي وصفقات التطبيع لتثبيت واقع الاحتلال.

اليوم، لا يبدو أن العالم مستعد لتكرار خطأ 2020 عندما اعترف ترامب بسيادة المغرب على الصحراء الغربية مقابل صفقة تطبيع مع الكيان الصهيوني، العالم تغيّر، وموازين القوة لم تعد كما كانت، فروسيا التي تواجه الغرب في أوكرانيا، والصين التي تفرض خطاب السيادة والاحترام المتبادل، باتتا تعتبران ملف الصحراء الغربية ساحة اختبار جديدة للنظام الدولي القائم، والجزائر، من موقعها المبدئي، نجحت في تحويل النقاش من زاوية “الحكم الذاتي” إلى صميم المسألة: الاستعمار لم ينتهِ بعد في إفريقيا.

الخلاصة أن ما يحدث في مجلس الأمن اليوم هو أكثر من معركة دبلوماسية؛ إنه صراع بين من يريد دفن القانون الدولي ومن يسعى لإحيائه، وإذا كانت واشنطن تراهن على تمرير مشروعها بالقوة، فإن العالم بدأ يرفع صوته بأن زمن الصفقات انتهى، وأن الصحراء الغربية ستبقى عنوانًا لاختبار ضمير الإنسانية.

فالتاريخ الذي دوّن اعتراف الحسن الثاني، سيكتب من جديد هذه المرة أن الأمم المتحدة رضخت للعدالة، وأن الحق في تقرير المصير لا يُشترى بالفوسفات ولا يُباع بالتطبيع.

رابط دائم : https://dzair.cc/llrw نسخ