السبت 31 ماي 2025

العدالة تلبس الذكاء الاصطناعي: إصدار جزائري يعيد رسم مستقبل القضاء .. بقلم قانوني بصري

نُشر في:
بقلم: قانوني بصري
العدالة تلبس الذكاء الاصطناعي:  إصدار جزائري يعيد رسم مستقبل القضاء .. بقلم قانوني بصري

في زمن يتسارع فيه التحول الرقمي بوجهات غير مسبوقة، حيث تتلاقى التكنولوجيا والعدالة في ملتقى غير مألوف، يظهر كتاب “الذكاء الاصطناعي في منظومة العدالة الحديثة على ضوء أحكام التشريع والقضاء المقارن إلى غاية سنة 2025” للدكتور بتشيم بوجمعة كصرخة فكرية وقانونية تتحدى مفاهيمنا التقليدية حول العدالة، وتفتح آفاقًا واسعة للنظر في مستقبل القضاء. هذا العمل ليس مجرد كتاب تقني أو قانوني عابر، بل هو تأمل فلسفي وعلمي في جوهر العدالة الحديثة، حيث تقف الآلات جنبًا إلى جنب مع البشر لتعيد تشكيل قواعد الحكم والقضاء في عصر الذكاء الاصطناعي.
في ظل تضخم المعلومات، وتداخل القوانين مع الخوارزميات، يبرز هذا الكتاب كمرجع رصين، يستشرف واقعًا جديدًا يحتاج إلى فهم معمق، ويطرح تساؤلات جوهرية حول مدى قدرة الأنظمة القضائية على التكيف مع تطورات التكنولوجيا الحديثة. إنه نص يسبر أغوار العلاقة المعقدة بين القانون والذكاء الاصطناعي، بين التشريع والقضاء المقارن، بين الإنسان والآلة، ليكون منارة للفكر القانوني في مواجهة تحديات المستقبل.
بقلم: سماتي آمنة
في حضرة الإصدار الجديد: بين دفتي كتاب يتجاوز اللحظة:
إصدار ماي 2025 من هذا الكتاب، الذي صدر عن دار لايمة للنشر والتوزيع ، يمثل ترجمة حقيقية لرؤية متقدمة، حيث جُددت فيه المراجع، وعُمقت التحليلات، معتمداً على أحدث التشريعات والممارسات القضائية عالمياً، ليجمع بين المعرفة النظرية والتطبيق العملي في بوتقة واحدة. لا يسعى المؤلف فقط إلى عرض الحقائق، بل يدعو القارئ إلى التفكير النقدي وإعادة النظر في منظومة العدالة برؤى عصرية ومرنة.
إنه كتاب لا يمكن للقارئ المهتم بقضايا العدالة والقانون والتكنولوجيا أن يتجاوزه، بل يجب أن يكون حجر الأساس لأي نقاش مستقبلي حول الذكاء الاصطناعي وأثره العميق على منظومة العدالة.
حين تكتب العدالة بلغة الخوارزميات- الأسلوب والمنهج في الكتاب
يحمل هذا المؤلف عنوانًا مركّبًا يعكس طموحًا علميًا ونفاذًا بصريًا في استشراف مسارات العدالة في زمن الثورة الرقمية: “الذكاء الاصطناعي في منظومة العدالة الحديثة على ضوء أحكام التشريع والقضاء المقارن إلى غاية سنة 2025”. وقد صدرت هذه الطبعة المنقحة والمزودة ماي 2025 عن دار لايمة للنشر و التوزيع، تيبازة- الجزائر، في إخراج أنيق وحجم وسطي فاخر، يمتد على 148 صفحة من القطع المتوسط، مطبوعة على ورق أبيض ناعم بخط واضح، ما يجعل من تصفحه تجربة معرفية مريحة للعين والعقل معًا.
تأتي هذه النسخة الجديدة محمّلة بوعي نقدي مضاعف، أملته التحولات المتسارعة التي عرفتها مجالات التشريع القضائي وتطبيقاته عبر الذكاء الاصطناعي، حيث عمد المؤلف إلى تحيين شامل لمحتوى العمل، بإضافة مواد قانونية حديثة، وقرارات قضائية مستجدة، فضلًا عن تحديث قائمة المراجع وإعادة ضبط التحليل بما يواكب المستجدات التشريعية والقضائية حتى حدود العام 2025.
الكتاب مكتوب بلغة عربية فصيحة رصينة، تتوزع بين الأسلوب التحليلي القانوني والأسلوب التفسيري التبسيطي، وهو ما يجعله مناسبًا لعدة شرائح من القراء: من القضاة والباحثين، إلى طلاب كليات الحقوق، وصولًا إلى المهتمين بالذكاء الاصطناعي كتقنية تزداد تغلغلًا في بنى الدولة الحديثة.
ما يميز الدكتور بوجمعة ليس فقط إلمامه الأكاديمي العميق، وإنما قدرته على المزاوجة بين الطرح النظري الرصين وبين تتبع التطبيقات الميدانية، وهو ما يظهر جليًا في هذا الكتاب الذي لا يكتفي بالوصف، بل يغوص في روح النصوص القانونية ليكشف عن معانيها المتجددة في عصر الخوارزميات.
ولعل من أبرز ما يلفت في هذه الطبعة الثانية، أنها لا تعيد فقط تقديم مادة سبق تداولها، بل تقترح إعادة بناء التفكير القانوني نفسه، من خلال مساءلة الموروث القضائي بعيون رقمية، واقتراح صيغ عدالة تستجيب لتحديات الذكاء الاصطناعي من دون التفريط في قيم الإنصاف والشرعية.
من الذكاء الاصطناعي الى العدالة التنبؤية- عصب الاطروحة ومحاورها الكبرى
حين يلج القارئ إلى صفحات هذا الكتاب، لا يواجه فقط أطروحة علمية تدور حول الذكاء الاصطناعي، بل يجد نفسه أمام بناء فكري مُحكم، صيغ بأسلوب متين، يمزج بين روح الباحث القانوني ودهاء المحلل التكنولوجي. الدكتور بتشيم بوجمعة لا يقدّم معلومات جاهزة، بل يحرّك الذهن القانوني ويستفز الحسّ النقدي، من خلال بنية تأليفية واضحة المعالم ومحكمة التنظيم.
يقوم الكتاب على هيكل ثنائي الفصول، كل فصل منه ينهض برؤية متكاملة، تنفتح على مفاصل دقيقة في إشكالية الذكاء الاصطناعي داخل منظومة العدالة. الفصل الأول يضع الأساس المفاهيمي والتحليلي، ويأخذنا من التكنولوجيا إلى الخوارزميات إلى العدالة التنبؤية، عبر لغة رصينة توفق بين الإيجاز والعمق. بينما ينتقل الفصل الثاني إلى ما هو أشد تعقيدًا: ممارسة الذكاء الاصطناعي فعليًا في ساحة القضاء، ضمن رؤى مقارنة وإسقاطات عملية وواقعية.
يعتمد الكاتب في عرض المباحث على منهج تحليلي مركّب، ينهل من مصادر قانونية وفنية متقاطعة، ويراعي الطابع المقارن بين النظم التشريعية والأنظمة القضائية. فالقارئ يلمس بوضوح كيف يتم الانتقال من الجانب الإجرائي إلى الجوانب المفاهيمية، ثم إلى الرهانات التشريعية والاجتهادات القضائية، دون أن يفقد النص تماسُكه أو يتنازل عن دقته الأكاديمية.
لغة الدكتور بوجمعة دقيقة، لا تستسهل المفاهيم، لكنها لا تُغلق الأبواب أمام القارئ غير المتخصص. فهو يُجيد تطويع المصطلحات التقنية من مثل “العدالة التنبؤية”، “الخوارزميات القضائية”، و”النمذجة الرقمية”، دون أن يجعلها تبدو كحواجز أمام الفهم، بل كأدوات لتحفيز التأمل والتفكير.
أما من حيث الشكل، فكل فصل من الفصول يتوزع على مباحث ثم مطالب ثم فروع، بما يمنح الكتاب إيقاعًا أكاديميًا صارمًا، لكنه غير جاف. هو كتابٌ يكتبه صاحب منهج صارم لا يخلو من حيوية، وباحث يوازن بدقة بين التعقيد المعرفي ووضوح الرسالة.
وما يميز هذا العمل في النهاية، هو أنه لا يقدم “وصفة جاهزة” للذكاء الاصطناعي في القضاء، بل يرسم خريطة ذهنية شاسعة، تنبه القارئ إلى التحديات المستقبلية وتحثّه على التفكير الجاد في التشريعات والسياسات والممارسات. هو كتاب كتبه مؤلفٌ يعرف تمامًا كيف يسائل الواقع، ويُقلق الراكد، دون أن يفقد انضباطه الأكاديمي أو التزامه المنهجي
من قلب النصوص إلى نبض الواقع القضائي
يشكّل كتاب “الذكاء الاصطناعي في منظومة العدالة الحديثة على ضوء أحكام التشريع والقضاء المقارن إلى غاية سنة 2025” عملاً تأسيسيًا جريئًا في طرحه، شاملًا في تغطيته، إذ لا يكتفي بمجرد عرض المفاهيم أو سرد التجارب، بل يغوص عميقًا في الأنساق القانونية ويستنطق التجارب المقارنة في أبعادها التشريعية والقضائية والفنية.
ينقسم العمل إلى فصلين رئيسيين، كل منهما يتناول محورًا محوريًا ضمن ثنائية التكامل بين التنظير المفاهيمي والتحليل القضائي والتطبيقي.
أما الفصل الأول ، يسلك المؤلف مسارًا تحليليًا يبدأ من البدايات: كيف ولجت تكنولوجيا المعلومات إلى مجال العدالة؟ وما التحولات التي أحدثتها في حل النزاعات؟ ثم، كيف تطورت هذه التكنولوجيا لتنتج مفهومًا أكثر تعقيدًا: العدالة التنبؤية؟
يتناول المؤلف هذه الأسئلة ضمن مقاربة متعددة الأبعاد: إجرائية، مفاهيمية، وظيفية. من المنصات الرقمية إلى الخوارزميات، ومن تصوّر العدالة كإجراء إلى تصورها كمعطى تنبؤي، يقدّم هذا الفصل أرضية فكرية غنية تساعد القارئ على إدراك التغير البنيوي الذي أحدثه الذكاء الاصطناعي داخل المنظومة القضائية.
الفصل لا ينجرّ وراء الإبهار التكنولوجي، بل يضع العدالة التنبؤية في ميزان النقد: هل هي أداة للنجاعة، أم خطر على استقلالية القاضي؟ كيف تعمل الخوارزميات؟ وهل يمكن الوثوق بها؟ هل تكرّس صورة نمطية مكرورة للحكم القضائي، أم تفتح أفقًا نحو دقة أكبر وموضوعية أعلى؟ هذه الأسئلة لا تُطرح بغرض التأمل فقط، بل يُجاب عنها بأمثلة تحليلية تُسندها تجارب واقعية من القانون المقارن.
وفي الفصل الثاني، فينتقل الكاتب من النظرية إلى التطبيق، ومن المفهوم إلى القرار القضائي، ليستعرض التشريعات الحديثة والممارسات القضائية الفعلية التي أدخلت الذكاء الاصطناعي في منازعات فعلية.
يطرح المؤلف رؤيته لتشريع مستقبلي خاص بالذكاء الاصطناعي، لا بوصفه ترفًا قانونيًا، بل ضرورة ملحّة أمام القاضي المعاصر. فبين مبررات تطوير المنظومة، وتفاصيل استخدام الأدوات الذكية في المحاكم، يقدم الكتاب معطيات دقيقة عن ممارسات واقعية جارية في عدد من الدول، منها من بلغت أشواطًا متقدمة، ومنها من ما تزال تتلمس طريقها.
كما يسلط الفصل الضوء على الاجتهادات القضائية المعاصرة التي تبنّت أو ناقشت تدخل الذكاء الاصطناعي في الأحكام، محللًا اتجاهاتها، مرجعياتها، ومآلاتها. ويتوجّه أخيرًا نحو المستقبل، متسائلًا بجرأة: كيف سيكون شكل القاضي القادم؟ هل ستظل الأحكام منتَجًا إنسانيًا صرفًا، أم أنها ستُصاغ بتعاون “هجيني” بين العقل البشري والخوارزميات؟ وأين تقف المسؤولية الأخلاقية والجنائية في هذا التقاطع بين الإنسان والآلة؟
ما يجعل الكتاب مميزًا، ليس فقط تنوع الموضوعات، بل الطريقة التي تُنسج بها هذه الموضوعات في نَسَق تحليلي متماسك. فالكتاب لا يُغفل التشريع، بل يتقصّى أدق تفاصيله في ضوء التحولات الرقمية. ولا يكتفي بالقضاء النظري، بل يعرض لاجتهادات قضائية حقيقية من أنظمة قانونية متعددة. كما أنه لا ينفصل عن الواقع، بل يضع نصب عينيه التطبيقات العملية التي باتت اليوم أمرًا واقعًا في العديد من المحاكم.
وبينما يطرح التحديات، لا يغفل عن الفرص. يوازن بين الرؤية النقدية لسلبيات الذكاء الاصطناعي، ووعودِه الكبرى في تحقيق عدالة أسرع، وربما أكثر حيادية. إنه كتاب يتكلم لغة القانون، ويفكر بعقل التقنية، ويكتب من قلب معترك تحولات العدالة.
اجتهاد علمي في قلب المجهول التشريعي
في زمن تتسارع فيه الثورة الرقمية وتتقاطع فيه المبادئ القانونية مع الابتكارات التقنية، لا يعود التأليف القانوني ترفًا فكريًا، بل يتحول إلى ضرورة بحثية ومؤسِّسة. وضمن هذا السياق، يقدِّم كتاب “الذكاء الاصطناعي في منظومة العدالة الحديثة على ضوء أحكام التشريع والقضاء المقارن إلى غاية سنة 2025” إضافة علمية نوعية تفرض حضورها داخل المكتبة القانونية العربية، وتستحق التقدير حتى على الصعيد المقارن.
الكتاب ليس مجرد محاولة لفهم علاقة الذكاء الاصطناعي بالقانون، بل هو اجتهاد معمّق يسعى إلى صياغة لغة قانونية جديدة تتحدث مع التقنية دون أن تفقد مرجعياتها، وتُقوِّم الذكاء الاصطناعي دون أن تُجافيه، وتحاور اجتهادات القضاء المقارن دون أن تفقد صوتها الوطني.
ما يضفي على العمل وزنه الحقيقي، هو جمعه بين الصرامة الأكاديمية من جهة، والانخراط في إشكاليات واقعية معاصرة من جهة أخرى. فالكاتب، الدكتور بتشيم بوجمعة، لا يكتفي بمقاربة النصوص كما هي، بل يعيد قراءتها على ضوء رهانات العدالة القادمة، ويتحرّى عن البُنى القانونية التي قد تحتاج إلى إعادة تفكيك أو إعادة تأسيس، إذا ما أردنا مواكبة التحول الرقمي بما لا يُفرغ العدالة من بعدها الإنساني.
كما أن الكتاب يتجاوز حدود التكرار الأكاديمي المنتشر في بعض المؤلفات التي تتناول الذكاء الاصطناعي من زاوية تقنية باردة أو فقهية جامدة، إذ يجمع بين الطموح النظري والوعي العملي، ويتعامل مع القارئ القانوني كفاعل في التحول، لا مجرد متلقٍّ له.
ولعلّ من أبرز ما يُحسب لهذا الإصدار هو قدرته على استشراف مستقبل المنظومة القضائية دون أن يقع في فخ الخطاب المروّج أو الإنشائي. فهو لا يعد القارئ بثورة قضائية مثالية، بل يضع أمامه إمكانيات التحول وحدودَه، ويحمّله مسؤولية التفكير في مآلاته.
من هنا، يمكن القول إن الكتاب يشكّل مرجعًا تأسيسيًا للباحثين، القضاة، المشرّعين، وطلبة القانون الراغبين في التعمق في إشكالية الذكاء الاصطناعي في القضاء، من زاوية تحليلية واقعية، ومن منظور قانوني لا يذوب في التقنية، ولا يخاصمها. وهو أيضًا دعوة ضمنية لإعادة التفكير في القاضي، القانون، والعدالة في زمن بات فيه الإنسان شريكًا للآلة في اتخاذ القرار، وربما في تحديد المصير.

رابط دائم : https://dzair.cc/6zi2 نسخ