22 أكتوبر، 2025
ANEP الأربعاء 22 أكتوبر 2025

العقيدة الدبلوماسية الجزائرية تحتكم إلى المبادئ وسيادة القرار الوطني وليس لضغوطات ومصالح الدول الكبرى

نُشر في:
بقلم: أحمد عاشور
العقيدة الدبلوماسية الجزائرية تحتكم إلى المبادئ وسيادة القرار الوطني وليس لضغوطات ومصالح الدول الكبرى

أثارت تصريحات المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف الأخيرة، بشأن “مساعٍ لسلام بين الجزائر والمغرب خلال ستين يوما”، موجة من الاستغراب في الأوساط السياسية العالمية، ليس فقط بسبب بعدها عن الواقع، بل لأنها تكشف خللًا جوهريًا في فهم واشنطن لطبيعة العقيدة الدبلوماسية الجزائرية، التي تستند إلى ثوابت راسخة في القانون الدولي والذاكرة الثورية.

فمنذ الاستقلال سنة 1962، بنت الجزائر سياستها الخارجية على ثلاثة ركائز أساسية: الاحترام الصارم لسيادة الدول، عدم التدخل في الشؤون الداخلية، ودعم حركات التحرر وحق الشعوب في تقرير مصيرها.
هذه المبادئ ليست شعارات سياسية، بل ترجمة لتجربة تاريخية خاضتها الجزائر في مقاومة الاستعمار الفرنسي، ما جعلها تدرك أن السيادة لا تُمنح بل تُنتزع، وأن الاستقلال لا يكتمل إلا حين يترجم في استقلال القرار.

وعلى هذا الأساس، تعاملت الجزائر مع قضية الصحراء الغربية كملف لتصفية استعمار تشرف عليه الأمم المتحدة منذ عام 1963، وليس كـ”خلاف حدودي” أو نزاع ثنائي مع المغرب.
فهي تستضيف اللاجئين الصحراويين على أراضيها من منطلق إنساني وتدعم حقهم المشروع في تقرير المصير من منطلق قانوني، دون أن تكون طرفًا في النزاع كما يحاول المخزن وبعض الأطراف الغربية تصويرها.

تصريحات ويتكوف الأخيرة — التي تحدث فيها عن وساطة أميركية مفترضة لإنهاء “الخلاف” — تتناقض مع الواقع الميداني والسياسي. فلا توجد حرب بين الجزائر والمغرب، بل هناك قطيعة دبلوماسية ناتجة عن انتهاكات مغربية متكررة، من التجسس باستخدام برنامج “بيغاسوس” إلى الحملات العدائية ضد الجزائر في المحافل الدولية.
أما من حيث المبدأ، فليس في العقيدة الجزائرية ما يسمح بالتفاوض تحت ضغط خارجي أو على حساب القانون الدولي.

الخلل الحقيقي في القراءة الأميركية وبخاصة في ظل إدارة دونالد ترامب يكمن في تعميم نموذج “الصفقات” الذي ميّز اتفاقات أبراهام الذي قبلت به بعض الدول العربية على جميع دول المنطقة، أي افتراض أن المصالح الاقتصادية أو التحالفات الأمنية كافية لتغيير السياسات السيادية.
لكن الجزائر ليست دولة بلا مبادئ أو تحتكم إلى المصالح الاقتصادية فقط حتى تبحث عن “مظلة” أميركية، بل هي قوة إقليمية توازن بين استقلالها السياسي ومصالحها الاستراتيجية، وتتعامل بندّية حتى مع القوى الكبرى، سواء كانت واشنطن أو موسكو أو بكين.

إن مشروع “السلام المفروض” الذي لوّح به ويتكوف لا يهدف إلى تهدئة المنطقة، بل إلى تثبيت الأمر الواقع الذي فرضه المغرب في الصحراء الغربية منذ 1975، وجرّ الجزائر إلى موقع “الطرف المتفاوض” حتى تُمحى تدريجيًا الطبيعة القانونية للقضية كملف لتصفية استعمار.
وهو مسعى خطير، لأنه يعني إلغاء حق الشعب الصحراوي في الاستفتاء، وتحويله إلى مجرد “أقلية” ضمن ما يسميه المخزن “الوحدة الترابية”.

من هنا يأتي الرفض الجزائري الثابت لمنطق الدبلوماسية الملتفة على قرارات الشرعية الدولية، وبالتالي لأي إجراءات لا تنطلق من قرارات الأمم المتحدة، فالجزائر ليست ضد الحوار في حد ذاته، لكنها ترفض أن يكون الحوار غطاءً لتطبيع الاحتلال أو شرعنة الضم، تمامًا كما تنأى بنفسها عن دبلوماسية إدارة شؤون المنطقة بمنطق “الصفقات”.

في النهاية، يؤكد التاريخ الدبلوماسي الراسخ والمبدئي للدولة الجزائرية أن الأمن الإقليمي لا يمكن أن يُبنى على الالتفاف على الشرعية الدولية، وأن أي مقاربة تتجاهل حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره ستظل مجرد وهم سياسي لا يعيش أكثر من الضجيج الذي يخلّفه برنامج إعلامي على قناة إخبارية دولية.

رابط دائم : https://dzair.cc/ioay نسخ