8 سبتمبر، 2025
ANEP الاثنين 08 سبتمبر 2025

العيون.. واجهة التطبيع في قلب الصحراء الغربية المحتلة: “التنمية الوهمية” تحت راية الاستعمار التوسعي لنظام المخزن

تم التحديث في:
بقلم: أحمد عاشور
العيون.. واجهة التطبيع في قلب الصحراء الغربية المحتلة: “التنمية الوهمية” تحت راية الاستعمار التوسعي لنظام المخزن

في تقرير حديث نُشر يوم أمس 7 سبتمبر 2025، وصفت صحيفة “لوموند” مدينة العيون بأنها “واجهة النموذج التنموي للمغرب في الصحراء الغربية اامحتلة”، إذ تحولت إلى أكبر مركز حضري تحت سيطرة المملكة، وتستقطب الوفود الرسمية والمؤسسات التعليمية والمشاريع الضخمة. لكن خلف هذا الوجه “المدني المزدهر”، تكمن سياسة مدروسة لتعزيز الاحتلال وتهميش هوية الشعب الصحراوي.

مشاريع ضخمة وسط تهديم سياسي

وسط صحراء تُعد آخر ظل للاستعمار في إفريقيا، انطلقت مشاريع ضخمة في العيون: مدراس ومؤسسات جامعية، مراكز إدارية، وحدات سكنية، ومراكز للطاقة الريحية، وكذلك بنوك واستثمارات أجنبية. وقد كشفت “لوموند” أن الوفود الفرنسية الرسمية تتتالى على المدينة منذ نوفمبر 2024، في إطار تنشيط العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية.
لكن هذه البنية الإنشائية تُدار من طنجة، وتُغرس كرمز للسيادة المغربية المزعومة وليس حتى كجهد يخدم تطلعات السكان الأصليين.

التهميش الصحراوي: تنمية بلا مشاركة

بحسب مصادر رسمية واستقصاءات محلية، يعتمد التوظيف في المشاريع الكبرى ومراكز التنمية على قوى وافدة من جنوب الصحراء، بينما يُترك الصحراويون – وغالبيتهم من سكان العيون – في مواقع هامشية. هذا الأمر يعمّق شكوكًا شرعية حول التنمية المزعومة، ويكشف أن الهدف هو تحويل المدينة إلى قاعدة استيطان اقتصادي يغيّب الحقوق السياسية والثقافية للسكان المحليين.

استثمار استراتيجي وتحجيم شرعية الأمم المتحدة

تشير الصحيفة الفرنسية إلى أنّ المغرب يعتمد استراتيجية واضحة: تحويل العيون إلى “عاصمة وظيفية مغربية”، عبر رعاية استثمارات أوروبية كفرص للطاقة الخضراء والزراعة الصناعية والرأسمال الأجنبي. وقد قال محلل أمريكي إن دولاً أوروبية بدأت تعتبر اقتراح المغرب للحكم الذاتي “واقعيًا وقابلًا للدعم”. لكن هذه الاستثمارات تنهض على أرض متنازع عليها، وتجهض حقًا أساسيًا: تقرير مصير الشعب الصحراوي، كما تنص عليه قرارات الأمم المتحدة المتكررة.

إعادة إنتاج “الخزان الانتخابي المكاني”

إن الظهور الحضري في مشاريع البنية التحتية، لا يقتصر على التعتيم السياسي، بل يشمل بناء قاعدة انتخابية مصطنعة في الصحراء الغربية. مثل هذه المشاريع تعمل على ربط المناطق الجنوبية مباشرة بعقيدة “الوطن الواحد” التي يسعى نظام المخزن إلى فرضها، وتوظيف استثمارات ضخمة لتغذية طموح سياسي داخلي، مستند إلى التنمية الصناعية وليس إلى مواطنة أصيلة.

دبلوماسية خارجية للتحكيم في النزاع

الزيارة الفرنسية الأخيرة للعيون ومشاريعها التعليمية والديبلوماسية تُعد تحدياً رمزيًا للشرعية الدولية. فمع غياب اعتراف رسمي بسيادة المغرب على الإقليم، يتصدر المشهد جدال دولي حول مشروع الحكم الذاتي والحكم الواقع الصادر من طنجة. وقد أضحت العيون واجهة تستخدمها الرباط لتمرير الرواية الرسمية أمام شركاء أوروبيين، كما لتضفي شرعية استخباراتية على واقع الاحتلال.

وفي الأخير تخلص “لوموند” إلى حقيقة مفادها أنّ تجهيز العيون كمركز حضري وإنمائي على نحو يضرب بوصلات الأمم المتحدة ومطالب الشعب الصحراوي هو سياسة ممنوحة بالاسم التنمية، مجلبة بالواقع احتلالاً وتهميشاً. تجلّت هذه السياسة في تحريك خطط استثمارية تحت راية شبكات أوروبية ومشاريع خليجية وفرنسية في المنطقة، دون فتح حوار حقيقي حول الهوية وحقوق السكان. ففي قلب العيون المُضاء والمبني، تبقى هناك حقائق تنازع وجودًا غير مشروعٍ يرفض سماع صوت أولئك الذين يعيشون في جنباته.

رفضٌ دبلوماسي وتنديدٌ جزائري

لم تمرّ المشاريع التوسعية المغربية في الصحراء الغربية دون ردّ. فقد جدّدت الجزائر، ومعها دول عديدة في الاتحاد الإفريقي وأميركا اللاتينية، رفضها القاطع لأي محاولة لتكريس الاحتلال عبر بوابة “التنمية” الوهمية. وأكدت الدبلوماسية الجزائرية أن بناء الطرق والموانئ والفنادق في أراضٍ محتلة لن يمنح المغرب أي شرعية، بل يزيد من تعقيد النزاع ويضع الرباط في مواجهة المجتمع الدولي الذي يصرّ على حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره. كما دعت منظمات حقوقية أممية إلى عدم الانخداع بـ”البريق التنموي”، مؤكدة أن التنمية الحقيقية لا يمكن أن تُبنى على أنقاض الشرعية الدولية.

تنمية مدفوعة بالديون

ورغم الدعاية المخزنية الرسمية التي تُسوّق للعيون والداخلة كـ”نموذج للنهضة الاقتصادية”، تكشف الأرقام أن هذه المشاريع الضخمة تموَّل أساسًا بالديون الخارجية وبشراكات غير متكافئة مع قوى أجنبية. وبذلك تتحول المدن الصحراوية المحتلة إلى واجهات استثمارية تُثقل كاهل المغرب بمزيد من المديونية، دون أن تعكس واقعًا اقتصاديًا حقيقيًا أو تحسينًا ملموسًا لمستوى عيش السكان الصحراويين الذين يظلون على هامش الاستفادة. هذه “التنمية المزيّفة” ليست سوى أداة سياسية في يد المخزن لإقناع الخارج بشرعية سيادته على أراضٍ ليست له، فيما يبقى المواطن الصحراوي هو الغائب الأكبر عن هذه السياسات المغرضة.

رابط دائم : https://dzair.cc/wrwq نسخ