الأربعاء 03 ديسمبر 2025

الفشل الدبلوماسي المغربي الذريع أمام دور الجزائر: نهاية وهم النفوذ الإقليمي

نُشر في:
الفشل الدبلوماسي المغربي الذريع أمام دور الجزائر: نهاية وهم النفوذ الإقليمي

تواصل الجزائر إحكام حضورها الدبلوماسي في القارة الإفريقية، مستندة إلى خبرة تاريخية ورصيد سياسي جعلها إحدى أكثر الدول تأثيرًا في ملفات السلم والأمن الإقليميين. وفي وقت تراكم فيه الجزائر نجاحات متتالية على المستوى القاري والدولي، يجد المغرب نفسه أمام انتكاسة دبلوماسية جديدة تظهر محدودية تحركاته وغياب أي غطاء مؤسساتي لمبادراته.

ففي ظرف أيام قليلة فقط، شكّلت الجزائر مركزًا للحراك الإفريقي عبر احتضانها فعاليتين قاريتين من الحجم الثقيل، اعتمدهما الاتحاد الإفريقي بقرارات رسمية صادرة عن قمة رؤساء الدول والحكومات. يتعلق الأمر أولًا بالمؤتمر الدولي حول جرائم الاستعمار في إفريقيا، الذي صادق عليه الاتحاد بقراره رقم 903 (فيفري 2025) بناءً على مبادرة رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون. ويأتي هذا الحدث انسجامًا مع شعار الاتحاد الإفريقي لسنة 2025 المتمثل في “العدالة وجبر الضرر للأفارقة”.

وبالتوازي، احتضنت وهران الدورة الثانية عشرة لندوة السلم والأمن في إفريقيا، وهي آلية دائمة منذ 2013 وركيزة أساسية في التنسيق بين أعضاء مجلس السلم والأمن (CPS) والأعضاء الأفارقة في مجلس الأمن (A3). وقد شهدت الدورة هذا العام حضورًا إفريقيًا رفيع المستوى، تقدمه لأول مرة رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي محمد علي يوسف، إلى جانب وزراء خارجية دول مؤثرة مثل كوت ديفوار ورواندا وأنغولا، إضافة إلى مشاركة الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية. كما سجلت الندوة حضورًا دوليًا وازنًا تمثّل في كبار مسؤولي الأمم المتحدة المكلفين بعمليات حفظ السلام وهندسة منظومات الأمن الإفريقية.

ويجمع المراقبون على أن هذا الزخم الدبلوماسي يعكس اعترافًا صريحًا من أعلى هيئة تنفيذية إفريقية بمكانة الجزائر كفاعل محوري في إدارة ملفات القارة، خصوصًا بعد انتخابها لعضوية مجلس السلم والأمن (2024–2026). كما يرسّخ هذا الحضور البعد الاستراتيجي لمسار وهران كإحدى أهم منصات صناعة القرار القاري.

في المقابل، وجد المغرب نفسه أمام مأزق دبلوماسي جديد، بعدما حاول – خارج التفويض الإفريقي – تنظيم مؤتمر تحت عنوان “المؤتمر الأول للضحايا الأفارقة للإرهاب”. ورغم الحملة الإعلامية التي رافقت الحدث داخل المغرب، فقد بدا واضحًا محدودية التمثيل الدبلوماسي؛ إذ اقتصر الحضور على وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة ومسؤول أممي بصفة “مؤقتة”، إضافة إلى وزراء من دول تعيش وضعيات انقلابية تخضع حكوماتها لعقوبات الاتحاد الإفريقي، ما أضعف الطابع السياسي للمؤتمر وأخرجه من أي إطار مؤسساتي معتبر.

كما أثار توقيت الفعالية المغربية تساؤلات عديدة، بعدما اختارت الرباط عقدها تزامنًا مع الأحداث الرسمية التي تستضيفها الجزائر، في محاولة لإحداث “توازن رمزي” رغم انعدام التكافؤ. فبينما نظمت الجزائر فعاليات بغطاء رسمي وشرعي من الاتحاد الإفريقي، وبتحضر رفيع من مفوضية الاتحاد والأمم المتحدة، اكتفى المغرب بحدث محدود لا يحظى بأي تفويض ولا بأي وزن تمثيلي مؤثر.

وتعد هذه الخطوة انعكاسًا لأزمة أعمق يعانيها الدبلوماسية المغربية، بعد سلسلة انتكاسات أبرزها عجز الرباط عن فرض رؤيتها في ملف الصحراء الغربية أو الحصول على أي دعم إفريقي جديد لمقترح الحكم الذاتي، فضلًا عن التراجع الملحوظ في تحالفاتها وعزلتها المتنامية داخل الأطر القارية.

وفي المحصلة، يظهر المشهد الدبلوماسي الإفريقي بوضوح فارقًا كبيرًا بين دورين: دور جزائري يرتكز على الشرعية والمؤسسات والتفويض الإقليمي، ودور مغربي يعتمد على محاولات فردية خارج الأطر الرسمية. وبينما تعزز الجزائر نفوذها داخل القارة عبر مسارات مدروسة تستجيب لأولويات السلم والأمن، يجد المغرب نفسه أمام واقع سياسي يفرض عليه الاعتراف بتراجع تأثيره وغياب القدرة على مجاراة الحراك الجزائري المتصاعد.

رابط دائم : https://dzair.cc/riax نسخ

اقرأ أيضًا