الثلاثاء 17 جوان 2025

“فقهاء الهراء” و”غوغاء الفايسبوك” يتحاملون على وزير الاتصال ويتنكرون لجهود الدولة في المحافظة على الموروث الثقافي من سطو المخزن

تم التحديث في:
بقلم: معمر قاني
“فقهاء الهراء” و”غوغاء الفايسبوك” يتحاملون على وزير الاتصال ويتنكرون لجهود الدولة في المحافظة على الموروث الثقافي من سطو المخزن

عادت موجات الجدل الفايسبوكي العقيم والمغرض مرة أخرى على خلفية تصريحات وزير الاتصال محمد مزيان، خلال رده على سؤال شفوي في مجلس الأمة حول السطو الثقافي والفني الممنهج على التراث الجزائري من قبل نظام المخزن. تصريحات الوزير التي جاءت بأسلوب واضح ومباشر، وضعت النقاط على الحروف حينما تناولت هذا الملف، إلى جانب جهود الإعلام الجزائري في الدفاع عن التراث الثقافي الوطني وتعزيز هويته.

لكن يبدو أن المشكلة الحقيقية ليست في الإجابة أو مضمونها، بل في وجود أصوات مأجورة تستغل المنصات الافتراضية لتوجيه النقد غير البنّاء وغير البريء، واستغلال القضايا الوطنية الحساسة لتشويه الجهود المبذولة في حماية الهوية الوطنية. هذه الأصوات، التي تقتنص أي فرصة لضرب اللحمة الوطنية، بدت كأنها صدى للدعاية المغرضة التي تخدم أطرافًا معروفة بعدائها للجزائر.

ردات الفعل المتسرعة حوّلت النقاش حول تصريحات الوزير محمد مزيان إلى جدل عبثي، رغم أن الرجل أورد معلومات علمية وتاريخية دقيقة، استشهد فيها بأقوال مؤرخ فرنسي حول الأصل الجزائري لطبق الكسكسي. وقد أشار إلى أن الكسكسي قد صُنّف بالفعل ضمن التراث المشترك لدول المغرب العربي من قبل اليونسكو، ليتضح المسعى الأكاديمي وراء هذه التصريحات التي تؤكّد على جزائرية هذا الطبيق بالقدر الذي تحاول فيه الدولة عدم السّماح مجدّدا بمثل هذا السّطو بطرق ملتوية تجعل مما هو جزائري أصيل “تراث مشترك” لمنطقة المغاربية.

ما أثار الحنق أكثر هو بحث بعض وسائل الإعلام ومستخدمي مواقع التواصل عن “إثارة” أو “ضجة”، دون الأخذ بعين الاعتبار أهمية الرسالة الوطنية وراء الإجابات التي قدمها الوزير. ومما زاد الطين بلّة، الربط المضلل بين تصريح الوزير وتوقيت العدوان العسكري الصهيوني على إيران، حيث حاولوا بلا أي أساس منطقي تبرير التشكيك بحجة تزامن الأحداث، رغم أن إجابة الوزير سبقت الأحداث في منطقة الشرق الأوسط بيومين كاملين.

هذه الفئة المتأثرة بالدعاية العدائية، تغاضت عن مقارنة المواقف؛ فالجزائر، التي طالما عُرفت بثبات مواقفها تجاه القضايا الدولية العادلة، لا يمكن بأيّ حال أن تُقارن مواقفها بموقف بلد جار يحتضن قواعد لأحد أكبر أعداء الشعوب العربية والإسلامية. وبينما يجهل البعض أن الوزير ملزم بالرد على الأسئلة الموجهة إليه في مجلس الأمة وفقًا للقانون، كان الأجدر بهم التأمل في الحجج العلمية والتاريخية التي قدمها لتثبيت التراث الجزائري وحمايته من السطو، فهذا هو دوره وواجبه الوطني ولا داعي للمزايدات والمغالطات.

الحملة الجديدة-القديمة ضد الوزير لم تأتِ مصادفةً، بل تسعى إلى تقويض الجهود المبذولة لحماية التراث الثقافي الجزائري. فمحاولات الاستيلاء على جوانب من هذا الإرث المادي وغير المادي ليست جديدة؛ بدءًا من محاولات نسبة “فن الراي” إلى تلك الدولة الجارة وتجنيس وجوه موسيقية جزائرية، وصولًا إلى محاولات النيل من عناصر تراثية كالقفطان القسنطيني والزليج والابزيم القبائلي وغيرها.

الجميع مدعو لإدراك خطورة هذه الحملات الموجهة ضد الجزائر، حيث تُوظف وسائل التواصل سلاحًا ضمن حرب ثقافية تهدف إلى تضليل الرأي العام وضرب الثقة بالنفس الثقافية والوطنية. الوعي والتفاعل مع الحقائق الموثقة والتاريخ المشرّف يبقى السلاح الأكثر فاعلية لمواجهة هذا النوع من التحديات المستمرة.

بقلم: معمر قاني

رابط دائم : https://dzair.cc/e3it نسخ