الثلاثاء 22 جويلية 2025

المخزن المغربي والترويج لرأس السنة العبرية: بين التطبيع والخضوع الاستراتيجي

نُشر في:
بقلم: أحمد عاشور
المخزن المغربي والترويج لرأس السنة العبرية: بين التطبيع والخضوع الاستراتيجي

بقلم: ر. مالك

يدخل التوسع البطيء، ولكن الحازم، للكيان الصهيوني في شمال إفريقيا مرحلة جديدة، هذه المرة عبر قنوات رمزية وثقافية. يُعيد قطاع من الجالية اليهودية المغربية، بدعم من شبكات مقربة من المخزن وممثلين نافذين لاتفاقيات أبراهام، إطلاق المطالبة بالاعتراف الرسمي برأس السنة العبرية، “روش هاشناه”، كعيد وطني في المغرب.

وتؤكد هذه المعلومات، التي نقلتها عدة وسائل إعلام مغربية مثل هسبريس، وطنجة 24، وقناة أنباء، وآي نيوز، هجومًا أكثر دهاءً ولكنه لا يقل أهمية: الترسيخ الرمزي للصهيونية في النسيج المؤسسي المغربي، حيث أُعيدَ إشعال هذا الجدل مؤخرًا في مراكش، خلال مؤتمرٍ لأكاديمية اليوسيّ (التابعة للحركة الشعبية)، فقد دعا الحاخام جاكي كادوش، رئيس الجالية اليهودية في منطقة مراكش، علنًا إلى منح رأس السنة العبرية مكانةً مُماثلةً للأعياد الوطنية الأخرى، مثل رأس السنة الهجرية والميلادية والأمازيغية.

وهذه ليست المرة الأولى التي يُقدَّم فيها مثل هذا الطلب. لكن الجديد هذه المرة يكمن في السياق الجيوسياسي والأيديولوجي لما بعد اتفاقيات أبراهام. فالمغرب، بتطبيع علاقاته مع الكيان الصهيوني عام 2020 برعاية الولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة، فتح ثغرةً تسعى تل أبيب الآن إلى توسيعها تحت ستار التعددية الدينية والاعتراف بالتنوع.

قناع التعددية

منذ التعديل الدستوري عام 2011، سعى المغرب إلى أن يكون دولةً تعددية، مُسلِّطًا الضوء على تراثه العبري كجزءٍ من الهوية المغربية. تعزز هذا التوجه بإضفاء الطابع الرسمي على “ينّاير”، رأس السنة الأمازيغية، في عام 2023. ويُمثل هذا القرار الرمزي للغاية، والذي لاقى ترحيبًا كبيرًا، الآن نقطة انطلاق لمطالبات أخرى تتعلق بالهوية. ولكن في هذه الحالة، تتجاوز مسألة رأس السنة الأمازيغية المجال الثقافي بكثير.

ولا يقتصر روّاد هذه المبادرة على المواطنين المغاربة من أتباع الديانة اليهودية، بل إنهم جزءٌ طوعيٌّ من استراتيجية أوسع لترسيخ الكيان الصهيوني في المشهد الأفريقي والشمال أفريقي. ومن خلال منح الشرعية المؤسسية للرموز الدينية المرتبطة بالهوية الصهيونية، يفتح المخزن بابًا جديدًا للنفوذ “الإسرائيلي” في القارة.

اتفاقيات أبراهام: الذراع السياسي للتغلغل

إن المنطق الكامن وراء هذه المبادرة واضح: ترسيخ الوجود الأيديولوجي والثقافي والاقتصادي للدولة الصهيونية في المغرب، باستخدام أدوات الحوار بين الأديان واحترام الأقليات. وراء هذه المصطلحات المُجاملة، يكمن مشروع سياسي مُنفذ بإتقان.

وفي هذا السياق، يسعى رعاة هذه الرؤية، ولا سيما الدوائر الدبلوماسية الأمريكية والإماراتية والصهيونية، إلى جعل المغرب جسرًا إلى أفريقيا. إن إضفاء الطابع الرسمي على رأس السنة العبرية كعطلة رسمية من شأنه أن يبعث برسالة قوية، وتأكيدًا ضمنيًا على هذا التقدم. كما سيعزز فكرة أن المغرب لم يعد مجرد شريك اقتصادي أو أمني لإسرائيل، بل أرض تُستَولى ثقافيًا تدريجيًا.

الذاكرة كأداة

تبرر الدوائر المقربة من المخزن هذا النهج بحرصها على الحفاظ على الذاكرة اليهودية المغربية وتعزيز التعايش. ولكن هنا أيضًا، تبدو نواياهم متناقضة. إن الاعتراف بالمساهمة التاريخية لليهود المغاربة، الذين غادر الكثير منهم البلاد في خمسينيات وستينيات القرن الماضي إلى فلسطين المحتلة، لا يعني تأييد الأجندة السياسية للدولة الصهيونية، التي تستغل اليوم هذه الذاكرة لإضفاء الشرعية على سياستها الاستعمارية في فلسطين وجذورها في العالم العربي.

خطر الانقسام الرمزي

إن محاولة تطبيع رأس السنة العبرية كعيد وطني ليست مجرد مسألة تقويم، بل إنها تطرح سؤالاً أعمق: السيادة الرمزية والثقافية لبلد على مفترق طرق. بوضع عيد وطني أمازيغي، اكتسبه بعد عقود من صراع الهوية، على قدم المساواة مع عيد ديني متجذر في مشروع سياسي صهيوني، يُخاطر المغرب بخلط المرجعيات.

هذا النهج يُخاطر بتأجيج القلق لدى سكان أغلبهم مسلمون، متضامنون مع الشعب الفلسطيني، ويترددون في رؤية الأجندة الصهيونية تتقدم تحت ستار التسامح.

هل أصبح المغرب منصة انطلاق للمشروع الصهيوني في شمال أفريقيا؟ سؤالٌ جديرٌ بالطرح في ضوء هذه الإشارات الضعيفة، وإن كانت بعيدة المدى. وراء الاعتراف الرمزي بعيدٍ ديني، تجري عملية ترسيخ استراتيجي كاملة، بمباركةٍ من المخزن الذي يسارع إلى التضحية بالمعالم التاريخية باسم شراكة جيوسياسية جديدة.

رابط دائم : https://dzair.cc/q1gw نسخ