21 أكتوبر، 2025
ANEP الثلاثاء 21 أكتوبر 2025

المخزن في الزاوية: جبهة البوليساريو تعيد خلط الأوراق وتكشف زيف دبلوماسية الرباط

تم التحديث في:
بقلم: أحمد عاشور
المخزن في الزاوية: جبهة البوليساريو تعيد خلط الأوراق وتكشف زيف دبلوماسية الرباط

مرة أخرى، يجد المخزن نفسه أمام مرآة الحقيقة التي ظلّ يهرب منها منذ نصف قرن. فبعد خمسين سنة من الاحتلال، وخمسين سنة من الأكاذيب الدبلوماسية التي تروّج لـ“حلّ الحكم الذاتي”، خرجت جبهة البوليساريو لتعيد ضبط بوصلة الصراع، معلنة استعدادها لـ“مفاوضات مباشرة وجدية” مع المغرب، ولكن على أساسٍ واحدٍ لا يقبل التأويل: حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره.

الرسالة التي وجّهتها الجبهة إلى الأمين العام للأمم المتحدة لم تأتِ عبثاً، بل جاءت في لحظة دقيقة، حيث تحاول الإدارة الأميركية بقيادة دونالد ترامب، المعروف بانحيازه الأعمى للصفقات، فرض مشروع قرار جديد يُكرّس الاحتلال المغربي تحت ذريعة “الواقعية السياسية”. لكنّ البوليساريو، بذكاءٍ سياسيّ نادر، قطعت الطريق على المخزن وعلى واشنطن معاً، وقدّمت مقترحاً واضحاً يعيد النقاش إلى جوهره الأصلي: الشرعية الدولية لا تُقايَض بالمصالح ولا تُلغى بالمال والسلاح.

ولأنّ الرباط لا تعرف من لغة السياسة إلا المناورة، فقد تحوّل خطابها إلى سلسلة من الادعاءات الممجوجة عن “الاستقرار الإقليمي” و“الروابط التاريخية”، بينما على الأرض تُجرَّب الطائرات الإسرائيلية المسيّرة فوق رؤوس الصحراويين، وتُقصف القوافل المدنية بحجة “محاربة الإرهاب”. هذه ليست سياسة، بل جريمة مستمرة برعاية من القصر وبصمتٍ دوليّ مريب.

اللافت أن البوليساريو، رغم العقود من النكث بالوعود، لم تسقط في فخّ الانتقام ولا في لغة العداء، بل قدّمت مبادرة تصالحية تقوم على مفاهيم “السلام العادل” و“الشراكة الإقليمية”، شريطة أن يعترف المغرب أولاً بأنّ الصحراء الغربية ليست ملكاً شخصياً لملكٍ ولا إرثاً لمخزنٍ. وهذه هي النقطة التي ترعب النظام المغربي، لأنها تهدم أساس شرعيته الزائفة المبنية على فكرة “الوحدة الترابية” التي يستخدمها كدرعٍ مقدّس لقمع كل صوت مخالف.

إنّ المخزن اليوم محشور في الزاوية: داخلياً، يواجه جيل الشباب الغاضب من الفساد والبطالة وانسداد الأفق، الذي لم تعد تنطلي عليه خطابات “المشاريع الكبرى”، وخارجياً، يتآكل رصيد الرباط السياسي بعد أن انكشف تحالفها العسكري مع الكيان الصهيوني في حربٍ قذرة ضد شعبٍ أعزل، بينما تروّج في المحافل الدولية لخطاب “الوسيط المعتدل”.

ما تفعله البوليساريو اليوم هو إعادة الشرعية إلى مكانها الطبيعي، أي إلى الأمم المتحدة ومبدأ تقرير المصير، بينما يسعى المخزن إلى كسب الوقت كما فعل دائماً، متوهماً أن المال والإعلام يمكن أن يخفيا حقيقة الاحتلال.

لكنّ العالم يتغيّر، والأمم المتحدة نفسها بدأت تدرك أن استمرار هذا الوضع ليس استقراراً بل قنبلة زمنية تهدد شمال إفريقيا بأكملها. فالشعب الصحراوي، رغم القصف والحصار، ما زال يقاوم ويمتلك اليوم شرعيةً سياسية ودبلوماسية أقوى من أي وقت مضى.

وفي النهاية، تبقى الحقيقة ساطعة: الاحتلال لا يُجمَّل باتفاقيات ولا يُشرعن بقرارات فوقية، والحرية لا تُمنح من ملكٍ ولا تُشترى بصفقةٍ مع ترامب، والصحراء الغربية ليست ملفاً دبلوماسياً، بل قضية شعبٍ وكرامة أمة.

التسريبات الأخيرة التي نشرتها وسائل إعلام أوروبية ضمن ما عُرف بـ“ملفات جبروت” لم تعد تترك مجالاً للشكّ: القصر الملكي المغربي حوّل الصحراء الغربية إلى مختبر عسكري صهيوني مقابل صفقات مالية واستثمارات في شركات واجهة داخل الرباط والدار البيضاء، فبينما يعيش المواطن المغربي تحت ضغط الغلاء وتراجع الخدمات، تُنفق المليارات على شراء طائرات تجسّس صهيونية وتجهيز قواعد عسكرية في الأراضي المحتلة.

هذه ليست سياسة دفاع، بل بيعٌ ممنهج للسيادة الوطنية مقابل حماية عرشٍ بات عارياً من أي شرعية شعبية، لقد حان الوقت، أكثر من أيّ وقت مضى، لأن يقول المغاربة كلمتهم: الكرامة لا تُشترى، والسيادة لا تُؤجّر، والاحتلال لا يُدار من القصور.

رابط دائم : https://dzair.cc/ib72 نسخ