ما كشفت عنه جبهة البوليساريو مؤخرًا — وتحذيراتها من أن التراجع الإسباني أمام ضغوط الرباط قد يقود في المستقبل إلى تصعيد “توسعي” يتجاوز الصحراء الغربية — هو في الحقيقة مرآة أصيلة لحقيقة لا يريد المخزن أن تعكسها مرايا الإعلام الرسمي: أن الصراع ليس على “حل سياسي” فقط، بل على إعادة ترسيم النفوذ، السيطرة على الموارد، وتوسيع مساحة الهيمنة.
عندما يقول ممثّل البوليساريو في مدريد إن “الرد الإسباني على ابتزاز المغرب لا يجب أن يكون تنازلات دائمة” فهو لا يُطلق تهديدًا عابرًا، بل تحذير صارم لمن راهن على معادلات قديمة.
والأدهى من ذلك: التلميح صراحة إلى أن الأهداف لا تقف عند الصحراء الغربية — بل قد تمتد إلى أراضٍ أوروبية، خصوصاً جزر الكناري، في حالة إضفاء الشرعية على الاحتلال وطريقة التعامل مع الملف الصحراوي.
هكذا يتبدّد الوهم بأن ما يُباع كمصالحة، توقيع اتفاقيات، علاقات اقتصادية متشابكة، هو “تسوية سياسية” تُنهي صراعًا — بل هي في جوهرها صفقة مؤقتة على حساب حقوق شعب مضطهد.
صفقة تُظهر أن الرباط تتعامل مع قضية شعب كامل كـ”بضاعة مفاوضات” تُعرض حسب المصلحة والمزايدات السياسية.
الإنذار الذي أطلقته جبهة البوليساريو لا يعنينا نحن فقط — الشعوب المغاربية، بل أوروبا أولاً: من تظن أن بإمكانها الحفاظ على استقرارها الأمني والجغرافي عبر صفقات اقتصادية — عليها أن تعيد حساباتها. لأن من اهتزت معه الثوابت الوطنية، تسعه أطماعه إلى ما هو أبعد من اتفاقيات المصالح والدبلوماسية الاقتصادية.
في المغرب، هذا التحرك يؤكد مرة أخرى أن ما يدار باسم “سياسة حكيمة” و”مصلحة اقتصادية” ليس سوى تغطية لنهج توسّعي متآمر، هدفه تأبيد الاحتلال، وتوسيع دائرة النفوذ تحت ستار ما يسمّى “التعاون” و”الشراكة”.
ولأن الحديث اليوم صار مفتوحًا وصريحًا، فإن الصمت يصبح خيانة للضمير الوطني، والمطالبة بالعدالة وحماية الحقوق تصبح واجبًا لكل من يرفض أن يرى بلده “مستعمرة دبلوماسية” تُدار من وراء طاولة صفقات.
المعركة ليست فقط على أراض محتلة، بل على الذاكرة ـ على مبدأ الكرامة، وعلى مستقبل شعوب دفعته سياسات الاستغلال إلى أن تحسب كأرقام في سجلات مصالح الكبار.
